خسروا دولهم ودينهم وكسبوا أردوجان!

> دارا مراد

> يعتبر الإخوان المسلمون الحاضنة التي خرجت من بين عقيدته السلفية جميع التنظيمات الإرهابية المتشددة التي دمرت الحياة الاجتماعية والتسامح الإسلامي الذي يعد الركيزة الأساسية في علاقة المخلوق بخالقه، وعلاقة الفرد بمجتمعه الإسلامي، بل أصبحت من خلال علاقاتها المشبوهة مع الأحزاب والحركات التي تعتبر الإسلام وسيلة وليست عقيدة ثابتة، كخونة لبلدانها وللأمة الإسلامية التي تنادي لإنشائها.

يظنّ عناصر جماعة الإخوان المسلمين وقادتهم من مختلف المستويات وهم يتوافدون على إسطنبول، من مصر وليبيا واليمن وقطر والكويت وسوريا وغيرها من الأقطار العربية، أنهم وجدوا في تركيا ملاذا آمنا وحاضنة لمشروعهم العابر للحدود، وفي قيادتها ممثّلة بزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوجان حليفا صلبا عميق الإيمان بفكرتهم ومستعدا لـ "التضحية" من أجل تحقيقها من منطلقات مبدئية.

ويتفاجأ الكثير من هؤلاء بأنّهم أصبحوا مجرّد أدوات صغيرة بأدوار وظيفية محدّدة في خدمة مشروع قومي لأمّة أخرى لا يمثّل الدين فيه سوى لبوس خارجي وواجهة للتسويق.

رهان الإخوان على تركيا ليس رهانا على دولة وإنّما على حزب دبّت الانقسامات في صفوفه وتراجعت قاعدته الشعبية.

على صعيد عملي لم تُبد تركيا منذ تأسيس دولتها الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المنهارة مطلع العشرية الثانية من القرن الماضي، طمعا في أراضي العرب وثرواتهم، مثلما هي حال تركيا اليوم بقيادة رجب طيب أردوجان الذي أذكت مطامِعَه حالةُ الضعف وعدم الاستقرار في عدد من الأقطار العربية، لكنّه وجد أيضا في جماعة الإخوان المسلمين أداة طيّعة ووسيلة مساعدة على تحقيق تلك المطامع.

لقد قطع الإخوان خطّ الرجعة إلى أقطارهم ومجتمعاتهم التي أساؤوا السيرة والسلوك فيها وخاضوا مواجهات شرسة ضدّ مختلف مكوناتها وتياراتها السياسية والفكرية وشنوا أشرس الحملات على قياداتها السياسية، بل انخرطوا في مؤامرات وأنشطة دموية جعلتهم ملاحقين بتهم الإرهاب، ما جعل الكثيرين منهم يلوذون بقطر ثم بتركيا، ليفتحوا من هناك جبهات حروب إعلامية على كل من يعارض السياسة التوسعية لأردوجان ويرفض تدخّله في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وانتهاك قوّاته ومرتزقته لحرمة أراضي دول مثل سوريا والعراق وليبيا، بل إنّ من عناصر الإخوان ومنظّريهم وإعلاميهم من يتطوّع باستدعاء تركيا إلى اليمن وحثها على التدخّل في الصراع الدائر على أرضه.

إنّ الرهان الإخواني المبالغ فيه على تركيا يمثّل مظهرا على قصر نظرهم وافتقارهم للتفكير الاستراتيجي، فهم لا يراهنون على دولة بل على حزب راكم الكثير من الأخطاء أثناء قيادته للبلاد وبدأت شعبيته في التقلّص بينما تسرّبت الانقسامات إلى صفوفه وبدأ يفقد قوّته الانتخابية بدليل خسارته بلدية إسطنبول خلال الانتخابات البلدية الأخيرة.

وإذا خسر أردوجان السلطة خلال السنوات القادمة فسيكون الإخوان العرب إزاء نكبة جديدة، فلا أحد يتوقّع أن تتواصل علاقة أنقرة بالعواصم العربية على ما هي عليه اليوم من سوء، ومن المرجّح أن تسلك أي قيادة تركية من خارج دائرة الإسلاميين طريقا مغايرا في علاقاتها بالدول العربية وأن تتّجه نحو ترميم علاقات تركيا مع تلك الدول وإزالة أسباب الخلافات التي راكمها زعيم حزب العدالة والتنمية.

إنّ رجب طيب أردوجان بمزاجه السياسي المتقلّب وبراغماتيته المبالغ فيها حدّ الانتهازية لم يكن يوما حليفا موثوقا به لأي طرف، شخصا كان أو حزبا أو دولة. وقد بدأ عهده في حكم تركيا صديقا شخصيا لرئيس النظام السوري بشار الأسد، واستطاعا معاً أن يترجما تلك الصداقة إلى وفاق سياسي وتعاون اقتصادي استمر لسنوات وحقّق نتائج على الأرض قبل أن ينقلب أردوجان على الأسد ويصبح في مقدمّة العاملين بكل الطرق على إسقاطه بما في ذلك تسريب أفواج الإرهابيين القادمين من أماكن مختلفة من العالم إلى بلاده، لينكشف بعد ذلك أن لأردوجان أطماعاً حقيقية في أجزاء من الأراضي السورية وهو أمر متجسّد اليوم من خلال سيطرة الجيش التركي على مساحات من شمال سوريا وشرقها بذرائع أمنية.

تقلّب أردوجان ومزاجيته تجلّيا أيضا في العلاقات المتقلّبة لبلاده مع الولايات المتحدة وروسيا والحلف الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا، ومع الدول الأوروبية ولاسيما دول الاتّحاد الأوروبي الذي تراجعت الحظوظ التركية في الانضمام إليه بسبب كثرة المشاكل التي أثارها أردوجان والمتاعب التي سبّبتها سياساته لتلك الدول، ولاسيما قضية المهاجرين الذين سعت أنقرة خلال السنوات الماضية بشكل متكرّر لاستخدامهم أوراق ضغط على أوروبا، وأدوات لابتزازها سياسيا وماليا.

إنّ ما يجمع الإخوان بأردوجان هو الانتماء إلى تيار الإسلام السياسي واستخدام الدين وسيلة للوصول إلى السلطة، لكنّ ما غاب عن أذهان الكثير من العرب المنبهرين بالرئيس التركي هو طغيان نزعته القومية الشوفينية التي تجعل مشروعه مشروعا تركيا بالدرجة الأولى وتجعل منهم مجرّد أداة من ضمن أدوات كثيرة أخرى تستخدم مرحليا لتنفيذ ذلك المشروع ثم تهمل أو تُتلف عندما تنتفي الحاجة إليها.

"إكسبير24"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى