تحديات المجلس الانتقالي في حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب

> "الأيام" سوث24

> رجّحت مصادر إعلامية وسياسية خلال اليومين الماضيين، توافقاً ملموساً بين المجلس الانتقالي الجنوبي وفصائل حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في الذهاب لتنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين في 5 نوفمبر من العام الماضي، بعد توقف حدة المواجهات العسكرية في أبين بشكل كبير.
يقضي الشق السياسي في الاتفاق بتشكيل حكومة مناصفة من 24 مقعد وزاري بين (الشمال والجنوب)، وتعيين محافظ ومدير أمن للعاصمة عدن، يعقبها بمدة تعيين محافظي ومدراء أمن باقي المحافظات الجنوبية والمحررة.

التحدي الأول
وكما ظل هذا الشق يواجه تحديات واسعة منذ ثمانية أشهر حالت دون نجاح اتفاق الرياض وفشل تحقيق الشق العسكري منه، لا يزال يتسم هذا الملف بتعقيد بالغ، نتيجة تشظي الحكومة اليمنية بين فصائل وتحالفات متضاربة المواقف والأجندة، تسعى لتجيير المكاسب السياسية لمصلحتها ولمصلحة قِوَى إقليمية، باتت تبحث عن ثغرات نفوذ داخل الواقع السياسي اليمني، كما تتهم وسائل إعلام سعودية ما تسميه "فصيل قطر وتركيا" الذي يمثّله حزب الإصلاح اليمني بذلك، الساعي لإفشال جهود التحالف العربي بقيادة السعودية في تنفيذ اتفاق الرياض، والذهاب نحو عملية سلام شاملة بعد ست سنوات من حرب دموية مع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، صُنفت بها اليمن كأسوأ كارثة إنسانية في العالم، حَسبَ الأمم المتحدة.

تنبع مخاوف بعض الأطراف المحسوبة على شمال اليمن، وتلك التي تخضع بدرجة أساسية لأجندة الإخوان المسلمين، من أنّ تشكيل أي حكومة يمنية وفقا لاتفاق الرياض يعني بالضرورة الإقرار بمشروعية المجلس الانتقالي الجنوبي، كطرف رئيس ورسمي في الحكومة ثَمّ في مفاوضات السلام النهائية. هذا الأمر بتقديرها يعني منح الجنوبيين المتمسكين بمشروع استقلال جنوب اليمن، ورقة رابحة لطرح أجندتهم الوطنية في المستقبل، فضلاً من أنّ ذلك سيحدّ من نفوذ تنظيم الإخوان كمنظومة عابرة للحدود وترتبط بأجندة دول إقليمية كتركيا، من سلطة نفوذ على المناطق الاستراتيجية في خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.

لذلك يرى هذا الطرف ضرورة إقصاء المجلس الانتقالي الجنوبي ومن يمثّله، ويبرر بكل وضوح ذلك بأنّ تشكيل حكومة متنوعة الأطراف والاتجاهات السياسية، مجرد كذبة كبرى، ويرى بأهمية أن تكون الحكومة "واحدية التوجّه والمسار"، كما يقول عضو البرلمان اليمني، المنتهية ولايته، عن حزب التجمع اليمني للإصلاح علي عشال.

التحدي الثاني
أما الفصيل الثاني المعطّل داخل منظومة الرئيس اليمني هادي، كما تشير إلى ذلك تقارير محلية مختلفة، فهو "جنوبيو الشرعية"، ومعظمهم تنبع مخاوفه من فقدان مصالح سياسية واقتصادية، تم تكوينها بواسطة صفقات محسوبية وفساد خلال السنوات الماضية. تُهدد حكومة الشراكة القادمة مكاسب هذه الفئة ونفوذها داخل فصائل الأمن والجيش وبعض الإدارات الخدمية، والاقتصادية.

وعلى الرغم من أنّ دول التحالف العربي بقيادة السعودية قد حسمت أمرها، كما يبدو، تجاه أي محاولة لإفشال مساعي هذا الملف السياسي الهام، الذي تراه إنجازا سياسيا يحسب بالتأكيد لمساعيها، بعد سلسلة إخفاقات عسكرية لما يسمى الجيش الوطني في مناطق شمال اليمن، تزامنا مع تعثّر المحادثات مع الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران وعودة صواريخ الميليشيات وطائراتها المسيرة الاعتداء على الأجواء السعودية، ومن جهة أخرى لقطع الطريق أمام أي مساعي قوى إقليمية، كتركيا، من اختراق المنظومة السياسية اليمنية والتأثير على مسارات العمل السياسي وربما العسكري مستقبلا، لكن ذلك لم يمنع فصيل "قطر وتركيا" من محاولة التصعيد ميدانيا في محافظة تعز، بعد تحرك ميليشيات مسلحة تتبع القيادي في الحزب اليمني الإسلامي حمود المخلافي، نحو مدينة التربة والاشتباك مع قوات اللواء الـ35 المدرع خلال اليومين الماضيين. وهو ما رآه خبراء وصحفيون بداية علنية لتهديد مدن المخا وباب المندب وعدن.

يخشى مراقبون من أن تفتح هذه التطورات جبهة عسكرية جديدة مع القوات الجنوبية التي تخوض معارك في جبهات واسعة، في ظل غياب موقف سياسي للتحالف العربي من هذه الميليشيات العسكرية المستجدة، المتواجدة في تعز بشمال اليمن، وفي محافظة شبوة في الجنوب.

ضغط دُوَليّ واسع
مقابل ذلك جاء الموقف الدُّوَليّ كعنصر ضغط أوسع باتجاه ضرورة وسرعة إنجاز هذه الخطوة السياسية، باعتبارها خطوة محورية باتجاه خطوات السلام الشامل.

دعا مجلس الأمن الدُّوَليّ، الاثنين الماضي، الأطراف المعنية في اليمن إلى التنفيذ السريع لأحكام "اتفاق الرياض"، وطالبهم بالالتزام بحسن نية، للتمكين من العودة إلى السلام في اليمن. جاء ذلك في بيان بموافقة جميع أعضائه البالغ عددهم 15 دولة، وبالتزامن مع وصول المبعوث الأممي إلى اليمن مارتين جريفيثس إلى الرياض، وعقده لقاءات سياسية واسعة مع المجلس الانتقالي الجنوبي والرئيس اليمني وحكومة المملكة العربية السعودية.

كما شهدت الأيام الماضية لقاءات دبلوماسية متسارعة لممثلي سفارات أمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين مع أطراف يمنية مختلفة، ومنها الأطراف السياسية التي شملها اتفاق الرياض، شددت على ضرورة التنفيذ العاجل للاتفاقية.

لغز المناصفة
يكمن التعقيد الثالث في طبيعة توزيع حصص الوزرات الـ 24 والوزارات السيادية منها. ففي حين تمنح الاتفاقية نصف مقاعد مجلس الوزراء للشمال الواقع في غالبيته تحت سيطرة الحوثيين، لا يزال النصف الثاني من المقاعد لا يمثلّ بشكل كلي المجلس الانتقالي الجنوبي. وهو ما يعني أن ذات الأحزاب الشمالية المنشأ كالإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، التي ترفض مشروع استقلال جنوب اليمن، سيكون لها نصيب من هذه الوزرات في نسبتها الجنوبية، فضلا عن نصيب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، حَسبَ مصادر مقربة من الحكومة.

وعلى الرغم من أن النصف الجنوبي سيكون للمجلس الانتقالي فيه اليد الطولى في نهاية المطاف، كما ترى مصادر مطلعة تحدثت لـ سوث 24، لا يمنع ذلك خبراء جنوبيين من وضع مخاوفهم من هذه المحاصصة السياسية، فضلا عن جدل الوزارات السيادية وتفاصيلها.

تقول الأديبة هدى العطاس في منشور لها على فيسبوك: "إن التوصيف الفعلي لما أسموه مناصفة، ليست بين الشمال والجنوب، بل هي مناصفة أو تقاسم بين من يطالب باستقلال الجنوب وبناء دولته، وبين من يتمسك "بالوحدة"، لذلك ترى العطاس أن "المناصفة لن تكون بين جنوبيين وشماليين بل وفقا لمخرجات الحوار المناصفة بين "جنوبيين استقلاليين، في مقابل وحدويين شماليين وجنوبيين".

وتضيف العطاس عن هؤلاء الأخيرين "سيكون نصيبهم 35 % من الـ 50 % المخصصة للجنوب"، لن يتبقى للانتقالي حَسبَ العطاس "سوى 15%، أي نسبة هامشية". وأما الحقيقة الثانية حَسبَ الأديبة الجنوبية "فإن الحكومة الشرعية بأغلبيتها الوحدوية (الشمالية الجنوبية) الموشك تشكيلها ستحكم أرض الجنوب".

وهذا الأمر يختلف معها فيه الدكتور سعيد الجريري عضو الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي. يرى الجريري في مقال نشره "سوث 24" بأن "الشرعية خسرت الشمال كله تقريباً، ولم يبق لها من شرعيتها سوى نسبة 50 % جلها من الجنوب. الفارق أن من يمثل المشروع السياسي الجنوبي يقف على الأرض، ولديه حاضنة شعبية، وقوة لا يستهان بها على الأرض، بينما شماليو الشرعية لا أرض تقلهم في الشمال والجنوب ولا سماء"، ولذا، ورغم حصتهم السياسية في هذه التشكيلة، قد "ينظر إليهم الشارع الجنوبي كجزء من تصفية تركة الرجل المريض، ولن يجدوا في نهاية المطاف من خيار سوى تسوية أمورهم علانية مع الحوثي، إن أرادوا وطناً يستقرون فيه ويحكمون."

ويشدّد الجريري: "أما الجنوب فلن يكون وطناً بديلاً لهم، ولن يعاد إلى أي صيغة محلوم بها من صيغ إصلاح مسار وحدة شبعت موتاً، وكُفنت بالدماء والكراهيات المتبادلة."

لكنّ الجريري لم يخفِ توقعاته بفشل هذه الشراكة، حيث أشار إلى أن حكومة المناصفة المزمع تشكيلها "حاملة في ذاتها أسباب تنافرها وصراعها، ولسوف تكون هناك جولات مواجهة سياسياً، وربما عسكرياً، لكن مع فارق أن الجنوب كان يخوض جولاته السابقة بلا شرعية، متمرداً، انقلابياً، وهو الآن يمتلك أكثر من نصف الشرعية، و على أرضه، مقابل شرعية بأقل من 50 % بلا أرض ولا سماء."

من ناحيته، رأى الباحث السياسي أنيس الشرفي، الذي عمل مقررا لوفد المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات الرياض في الفترة الماضية، أن اتفاق الرياض جاء لتحييد الجنوب عن بؤرة الصراع القائمة في الشمال، وتبعاتها الكارثية على المنطقة بوجه عام، ولتطمين الجنوبيين بأنهم لن يعودوا تحت هيمنة قوى الشمال، ولن تظل صفة الشرعية مختطفة بأيادي تلك القوى، بل أصبح الجنوبيون اليوم شركاء في الإدارة والإشراف أيضاً؛ ولذلك يعد الشرفي "تأمين المكتسبات التي تحققت لشعبنا خلال الأعوام الماضية، يستلزم بنية مؤسسية، وشراكة فاعلة بين القوى الجنوبية، تستوعب كافة الطاقات الجنوبية الفاعلة والمنتجة في بوتقة واحدة لخدمة شعب الجنوب".

التحدي الأبرز
يظهر حديث الخبراء أعلاه حالة التفاؤل الذي تشوبه المحاذير من مستقبل هذه العملية السياسية وَسَط حالة العداء السياسي الذي تكنّه أطراف مؤثرة حول الرئيس اليمني هادي، للمجلس الانتقالي الجنوبي، خصوصا بعد سيطرة قوات الأخير على محافظة أرخبيل سقطرى الاستراتيجية في 19 يونيو الفائت، وإعلانه الإدارة الذاتية للجنوب أواخر أبريل المنصرم في عدن.

الدفع نحو تنازلات كريمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة في اليمن بات أمراً ضروريا اتفق معه تقرير أخير لمجموعة الأزمات الدولية. لم يعد بالإمكان العودة إلى الماضي، ولا حتى العودة لقرار مجلس الأمن الدُّوَليّ 2216، كما تقول المجموعة.

ولذلك، ومن وجهة نظر الأزمات الدولية، إن عملية سياسية ناجحة تتطلب أن يتوجب إقناع الأطراف أن من مصلحتها التخلي عن مطالبها القصوى، وأن أي اتفاق قادم يجب أن يعالج الوقائع الجديدة، وأن يقر بأخطاء الماضي. وينبغي على الأمم المتحدة توسيع المحادثات، في الحد الأدنى لضمان مشاركة مجموعات قوية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي.

ولتحقيق هذه المشاركة، يرى المجتمع الدُّوَليّ ضرورة إنجاح الشق السياسي من اتفاق الرياض، الذي يمنح المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أثبت فاعليته السياسية والعسكرية خلال السنوات الماضية، مشروعية المساهمة في حل الأزمة اليمنية، خصوصا ما يتصل منها بمستقبل قضية جنوب اليمن.

وعلى المدى البعيد تبقى المحافظة على تحقيق مساعي الإرادة الشعبية الجنوبية التي تنادي باستقلال جنوب اليمن، تحدياً بارزا آخر، وليس سهلا أمام الانتقالي، في ظل التطورات المترتبة على إعلان الحكومة اليمنية، ولذلك يرى بعض المراقبين بضرورة إبقاء قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي البارزة كجهة رقابية على الأداء الحكومي العام، بعيدة عن جدل المحاصصة الوظيفية في الحكومة المرتقبة، خشية تأثير ذلك على مستقبل عَلاقة الثقة المكتسبة بين المجلس والمزاج الشعبي في جنوب اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى