الانتقالي والشرعية.. ماراثون المفاوضات في الرياض إلى أين؟

> قاسم عبدالرب العفيف

>
سيكون قد مر على أول مفاوضات بين الشرعية والانتقالي سنة كاملة تقريباً، ولَا زالت الأوضاع تراوح في مكانها بل تزداد سوءاً، وخاصة في مجال الخِدْمَات والمرتبات وغيرها، ولَا زال سكان المناطق المحررة يعانون الأمرين، لا كهرباء ولا ماء ولا إعمار ولا مرتبات ولا حياة طبيعية أمنة ولا أي شيء آخر، ولَم ينفذ أي بند من اتفاق الرياض (1) فاضطر الأمر إلى إجراء مفاوضات أخرى رياض (2) لحلحلة الوضع، تمخض عنه تعيين رئيس حكومة وتعيين محافظ ومدير أمن عدن حتى الآن لم يباشروا عملهم في عدن، وتم وإلغاء الإدارة الذاتية، ومع ذلك ما زالت المعارك مستمرة في جبهة أبين، بل يتم التحشيد ليل نهار من جهة الشرعية باتجاه شقرة مع تسليم مواقع جديده للحوثي فيما تبقى من الأرض التي كانت تحت سيطرة الشرعية، وفِي نفس الوقت غادر هادي مقره في الرياض للعلاج في الخارج، مما يعني تجميد كل شيء إلى أجل غير مسمى، والسؤال هل تنجح المساعي لتنفيذ الاتفاق الجديد؟ نترك الأمر مره أخرى لقادم الأيام على الرغم من أن المؤشرات التي تجري على الأرض لا تشي بذلك، لهذا الناس تتساءل: كم رياضات نحتاج لتنفيذ بنود الاتفاق؟ والسؤال الأهم ما فائدة أي اتفاق إن لم يتم تنفيذ بنوده؟

من علامات الفشل إلغاء الإدارة الذاتية التي تعتبر أدنى مستوى لإدارة الناس شؤنهم ذاتيا دون تدخل المركز كما يحدث في محافظة مأرب، مما يعني استمرار إنتاج الفساد والفوضى في إدارة الدولة الفاشلة في المحافظات الجنوبية، مع استمرار نهب ثروات البلاد من النفط والغاز لمصلحة مجموعة معينة استحوذت عليها من خلال نفوذها بالسلطة.
أين يكمن الخلل ومن المسؤول عن عدم تنفيذ الاتفاق رياض(1)
من المسؤول عن تعطيل حياة الناس في المحافظات المحررة؟
لماذا تحولت المناطق المحررة إلى ميدان صراع مسلح بين الشرعية والانتقالي بدلا من توجيه البندقية نحو الانقلاب في صنعاء؟
من المسؤول عن إخلاء قوات الشرعية من مواقعها في مأرب وهي خط تماس مع الانقلابيين وتوجهها نحو شقرة؟
كيف تقبل الشرعية أن يكون في قوام قواتها عناصر تنتمي إلى القاعدة وداعش ويسمح لها بالتمركز في مناطق وجودها؟
كل هذه الأسئلة وغيرها مطروحة على طاولة التحالف والرعاة الدوليين، وبالذات مجلس الأمن الذي يعتبر شريك أساسي في إدارة العملية السياسية في اليمن.

مر العالم بحروب أضخم حجما من حرب اليمن وانتهت، ولما جلس المتفاوضون على طاوله الحوار لم يستغرق الأمر أسابيع فقط حتى عرف كل واحد منهم حدوده ومكان تموضعه واحترام ما يتم الاتفاق حوله، وهناك توضع خرائط التحالفات المستقبلية لكن في اليمن أصبح الوضع غير مفهوم حتى للمتصارعين انفسهم عن كيفية الوصول إلى توافقات أو حلول مناسبة لحلول مؤقتة أو مستدامة لا أحد يعرف تفكيك الألغاز حول هذه الحرب التي بدأت التحرك في اتجاه وانتهت في الاتجاه المعاكس، وتركت العدو الرئيس يرتب وضعه بهدوء واطمئنان، بل يتم إخلاء المواقع له دون أي تفسير لما يحصل. السؤال هنا يطرح نفسه بإلحاح ألأن اللاعبين كثر على المستوى المحلي وأكثر على المستويين الإقليمي والدولي وكل منهم يريد أن يصل إلى ما يريد ولا يهمه مصير الناس وحياتهم ومستقبلهم؟

المشكلة  الرئيسة في اليمن في توزع القوى المتصارعة على اللاعبين، بل وسرعة تغيير اتجاهاتهم والسير وراء سراب الاستقواء الذي يقدمونه لكل منهم والوعود التي تصرف بالمجان حتى الدعم المتواصل لمتطلبات الثَّبات على الأرض وهم لا يعرفون أن ذلك على حساب معاناة الشعب ومستقبل التنمية المتوقفة.

ما أشبه الليلة بالبارحة، دخل عبد الناصر بجيشه لمساعدة جمهورية سبتمبر في اليمن وفي أثناء خوض الصراع توزع المجتمع اليمني بين جمهوريين وملكيين، وبعد فترة وجيزة ظهرت من بين الجمهوريين القوة الثالثة التي لا هي جمهورية ولا ملكية، تنادي باستعادة القرار السيادي لليمن المختطف، كما يقولون، من حليفهم عبد الناصر... واليوم تتكرر العملية بعد دخول التحالف لدعم الشرعية ظهر منها قوة ثالثة تريد استعادة القرار السيادي من التحالف، وتقوم بالتواصل مع قوى إقليمية أخرى تشجعها على السير في هذا الطريق لحرف البوصلة والاتجاه جنوباً بهدف خلط  الأوراق، وتتحرك على الأرض المحررة بحرية كاملة، وتجاهر لجلب حليف جديد مناقض للتحالف العربي الذي ساندهم ووفر لهم كل الإمكانات لاستعادة حكمهم في صنعاء، وتتكرر لعبة القفز من سفينة إلى أخرى حسب المصلحة الذاتية، وتنهار الفواصل بين المتحاربين، ولا تعرف حدود تماس كل جبهة.

ست سنوات مرت تخللتها انتصارات وهزائم لم يتم تكريم المنتصر ولَم يتم محاسبة المنهزم، بل نشاهد على الواقع أنه يتم معاقبة المنتصر من خلال حروب الخِدْمَات وتجويع الناس من خلال حجب المرتبات لأشهر عدّة، بينما يتم التغاضي عن المنهزم، بل أحيانا تقديم المكافئات له.

ست سنوات مرت كان يجب أن يتم استخلاص العبر منها وتصحيح الاعوجاج والأخطاء القاتلة، ولم يحاسب أحد، حتى لم يغير مقصر أو فاشل من موقعه، ولا زالت الأخطاء تتكرر والهزائم تتوالى وانسحابات من المواقع مستمرة
وفِي نفس الوقت يتم تجاهل القوى التي على الأرض التي تحقق الانتصارات ويتم البحث عن حلول لا تتناسب مع  الواقع ولا يتقبلها المنطق، بل يتم محاولة فرضها، وكانت أصلاً هي أساس الأزمة التي أوصلت الوضع إلى ما نحن فيه الآن، ولا زال عدم الاعتراف بجذر المشكلة سيسبب مزيد من الحروب والآلام. 

إذاً ما المطلوب؟ هل يمكن استنباط آلية جديده تتطابق مع الأمر الواقع بالنظر للقوى الفاعلة على الأرض والتعامل معها بدلا من تجاهلها؟
هل تكرار استمرار استخدام الآليات القديمة للتعامل مع قضية معقدة عبر سيطرة حزب الإصلاح اليمني على مفاصل الشرعية منفرداً واختطافها وبعد ست سنوات وكأن الفشل الذريع مصيرها؟
الوضع في اليمن تحول إلى كارثي ولا يطاق، شعب مشرد متوقف عن التنمية، وهذه الشرعية لا تبالي بأحد، ما دامت تستخدم سلاح اعتراف العالم بها، وهي لا تعترف بشراكة أحد وإقصاء القوى السياسية الأخرى سياسة ثابتة في مشروعها، بل وتجاهل أس الأزمة هو بالأساس الانحراف بالدولة إلى مجاهل الضياع والشتات.

اتباع النهج الأيديولوجي الذي عفى عليه الزمن لمعالجة أزمة حكم وخلل في إدارة الدولة أدى إلى تحول الدولة اليمنية إلى دولة فاشلة وبسبب تعنت النخب الحاكمة وإقصاء القوى السياسية الأخرى أدى إلى ما نحن عليه من أوضاع مأساوية.

عدم الاعتراف بشرعية الجنوب التي أثبتها الواقع في التصدي للانقلابيين في تحرير الجنوب وفِي نفس الوقت المساهمة في تحرير عدد من المحافظات الشمالية مقابل الفشل والهزائم المتلاحقة للشرعية منذ أن سلمت عاصمة الجمهورية دون قتال، والعبور فوق تلك الحقائق هو بحد ذاته يعبر عن عقم التفكير السياسي لهذه الشرعية، بل وإطالة أمد الحرب وتمكين الانقلابيين من السيطرة على الأرض ومنحهم الشرعية، بينما تستكثر منح الجنوب الإدارة الذاتية بعد كل هذه التضحيات.

اليوم عدن تعيش في ظلام دامس وعطش في القرن الحادي والعشرين، والشرعية ليس على بالها.
في عدن يخيم أمام معسكر التحالف جموع من أفراد الجيش الجنوبي ومعه آلاف من المدنيين الآخرين يطالبون بصرف مرتباتهم لشهور عدّة، ذلك الجيش الذي رماه عفاش للشارع انتقاماً منه، وذهب ليسمّن جيش جهوي لم يستطع أن يدافع عنه، وهزم في أول معركة في الدفاع عن الجمهورية، وتحول إلى جيش تابع للطائفة والعصبية القبلية.

هنا في عدن صنع أبناؤها نصر العرب في هزيمة المشروع الفارسي وكانت مكافأتهم أن يتسولوا مرتباتهم أمام العالم والشرعية ليس على بالها.
وفِي عدن بعد ست سنوات من النصر لا زالت الشرعية تضعهم في حروب الخدمات، ولَم تضع حجرا على حجر لإعادة إعمار ما دمرته الحرب التي كانت قد شنت من أجل إعادتها إلى صنعاء، وهي لا تريد أن تتزحزح عن عدن، وهي تريد عدن لَيْس من أجل تنفيذ التزاماتها تجاه أبناء عدن، ولكن تعود لكي تعيش في بحبوحة في المنطقة الخضراء في (معاشق) محمولة مشمولة هي وطاقمها الكبير كأنها  تعيش في فنادق خمس نجوم بالمجان على نمط عيشها في الرياض وزيادة على ذلك مع مصروف الجيب ولوازم القات والنثريات التي تقدر بالملايين تصرف لها خارج بنود الميزانية بينما مرتباتها تأتيها كاملة في بنوك الرياض.

وفِي عدن تضع الشرعية جيوشها الجرارة على أبوابها من الشرق والغرب لمحاصرتها ولا تخجل أن عدوها المفترض يقبع في صنعاء وعلى مشارف مأرب، وليس في عدن، ولن نجد تفسيرا لذلك غير أنه في إطار سياسة توزيع الأدوار بينها وبين الانقلابيين في صنعاء، والهدف المشترك لهما هو استعادة الجنوب من أبناءه في خطوة أولى، وبعدها يتم تقاسم الجنوب وثرواته تحت مظلة التسوية السياسية المرتقبة بينهما.

حان الوقت لكي يعيد مجلس الأمن حساباته لأنه شريك في هذه المأساة التي حلت بشعب أعزل بسبب مد أمد هذه الشرعية. من المعروف أن فترة رئاسة هادي تنتهي في فبراير 2014م، ولكن مجلس الأمن اتخذ قرارا بتمديد فترة رئاسته. السؤال هل يعرف مجلس الأمن حجم المعاناة التي يعانيها الشعب، حتى ممثله في اليمن يتجاهل ما يجري في الجنوب، وإلى متى يعتقد مجلس الأمن سيصبر شعب الجنوب على هذه الممارسات الجنونية التي تمارسها هذه  الشرعية  ضد شعب أعزل وأي شرعية يمكن أن تظل سوطا مسلطا على شعب بكامله؟

مفاوضات بهدف المفاوضات دون نتيجة تذكر تعتبر تضييعا للوقت وهدرا للإمكانات والطاقات ومن يعتقد أنه قادر على استخدم قدرته بمعاقبة شعب أعزل فانه واهم لأن قدرة الله فوق الجميع  
تكديس الدواعش وعناصر القاعدة في مناطق وجود الشرعية في الجَنُوب بعد أن تم تصفيتهم منها لن يجدي نفعاً، وزمن اللعب بأدوات القاعدة وداعش قد ولى، وهي سياسية عفى عليها الزمن، مكشوفة للجميع أنها توفر أرضية لتدخل خارجي لراعي الدواعش الذي يوزعهم حسب الطلب بين البلدان، وهو ليس ببعيد عن بحر العرب يتحين الفرصة لدخول مغامرة جديده في سواحل بحر العرب. 

إن لم يتم إعادة النظر في سياسة الحرب والسلم في اليمن وإن لم يؤخذ بحقائق الوضع على الأرض ستتحول كل هذه السياسيات الخاطئة إلى وبال على القائمين عليها وسيجدون أنفسهم غرقى في وحل الفوضى والحروب خاصة، والعالم يمر بأزمات وصراعات عديده، منها الجائحة ومنها أزمات اقتصادية وسياسية عميقة والعالم مشغول في ذاتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى