التجاذبات الإقليمية والدُوَلية تدخل اليمن في صراعات متجددة

> د. علي أحمد الديلمي

> التحولات الجديدة التي حدثت في اليمن أثبتت أننا أمام وضع جديد وتداخل مصالح بين قوي إقليمية ودولية وغيرها في اليمن. لم تعد السعودية هي المتحكم الوحيد فيما يجري في اليمن، برغم وضوح أهدافها وتحركاتها.

تنطلق السياسة السعودية تجاه اليمن من مجموعة من المحددات التي تشكل توجهات ومنطلقات للسياسة السعودية في اليمن، إذ تمثل اليمن للمملكة العربية السعودية العمق الاستراتيجي والأمني، ونظرا للتقارب الجغرافي والثقافي والامتداد التاريخي بين اليمن والسعودية وما تمثله اليمن من أهمية للسعودية، تنطلق الأخيرة في توجهاتها تجاه اليمن من مقولة أمن اليمن من أمن المملكة، وتطور الأحداث في الساحة اليمنية ينعكس مباشرة على السعودية، ومن هذه المنطلقات تسعى المملكة العربية السعودية إلى التأثير في القرار اليمني بما يتلاءم مع سياستها وبما يخدم مصالحها؛ لذلك فإنها تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتؤثر في القرار اليمني باستخدام الوسائل الممكنة كافة، وكان أخر هذه الوسائل هي التدخل في اليمن عبر الأداة العسكرية، وكانت في السابق تستخدم التغلغل داخل النظام السياسي اليمني من خلال الارتباط ببعض الشخصيات القبلية والتنظيمات السياسية والدينية، سواء داخل السلطة أم المعارضة.

ويعود الاهتمام السعودي باليمن لأسباب عدة، أهمها أن اليمن يعتبر الفناء الخلفي للسعودية؛ لذلك من الطبيعي أن تتأثر السعودية بالإحداث الداخلية وعدم الاستقرار فيه نتيجة القرب الجغرافي بين البلدين، وأهم الأهداف لتدخل السعوديين في اليمن منع تمكين أيران من الوجود في اليمن.

بينما تستمر إيران في نشاطها وتحركاتها في صراعها مع السعوديين من خلال البحث عن موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية للضغط على السعوديين، وليكونوا قريبين من مضيق باب المندب تقوم طهران بتمويل بعض الأحزاب اليمنية، بالإضافة إلى علاقاتها الجيدة مع "الحوثيين"، وهناك تنسيق إيراني على مستوى رفيع مع قيادات في الحراك الجنوبي ينسق المواقف والتوجهات للطرفين.

في الوقت الذي دخلت فيه السعودية اليمن لتوجيه ضربة غير مباشرة لإيران، عدوها الإقليمي، عبر القضاء على حلفائها الحوثيين فإن الإمارات على ما يبدو تسعى لأهداف مغايرة تماما منها الحفاظ على مصالحها في الموانئ اليمنية ومحاربة جماعة الإخوان المسلمين وأن ذلك بدا جليا عبر تمركزها في جنوب اليمن وتدريبها لقوات المجلس الانتقالي وقوات طارق صالح في الساحل الغربي.

ولا تتفق الإمارات ثاني أكبر قوة خارجية في تحالف إعادة الشرعية في اليمن مع حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي؛ لأنها تضم "حزب الإصلاح الذي تعتبره الإمارات مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين التي تتصدى لها في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

يضاف إلي ذلك أن الأهداف الأمريكيَّة الجديدة في اليمن تتمثل بمواجهة تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب إضافة إلى مواجهة التمدد الإيراني وإعادة العلاقات مع دول الخليج العربي، لذلك زادت من دعمها لعمليات التحالف العربي في اليمن. وتعتمد الولايات المتحدة على معلومات مخابراتية من خلال الحلفاء وعلى تنفيذ سياسات قائمة على الوكلاء.

أما روسيا والصين فبرغم العلاقات التاريخية التي تربط اليمن مع هذه الدول إلا أن دورهم في حرب اليمن أقتصر على الدعوة لكل الأطراف اليمنية إلى الحل السياسي الشامل بالإضافة إلى مجلس الأمن وأستخدم حق النقض ضد مشروع القرار البريطاني بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا الذي كان يقضي بتجديد حظر نقل السلاح لليمن مع التنديد بتقاعس إيران عن منع وصول أسلحتها إلى الحوثيين. و يمكن لروسيا والصين أن تلعب دور الوساطة في حل الأزمة بالإضافة إلى تقديم المساعدات والمعونات الإنسانية التي من شأنها أن تخفف من معاناة الشعب اليمني بعيدا عن سياسة النفس الطويل في إضعاف الخصوم من خلال إطالة أمد الصراع والحرب مع خصومهم أصحاب المصلحة الكبرى في اليمن.

تدخل اليمن اليوم في صراعات متجدده مع أستمرار الحرب وإخفاق جهود السلام. لم يستوعب كثير من اليمنيين ما يجري في اليمن، ولم يتمكن الغالبية من تشكيل أدوات قادرة على التحكم في تغيير ما يجري رغم وجود بعض المحاولات التي تعثرت أو لم تتمكن من تقديم مبادرات أو مشاريع مقبولة لحل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وطبيعة العلاقات بدول الجوار والإقليم وإحلال السلام؛ لأن معظم هذه المبادرات والمشاريع ومن يمثلها أصبحوا وكلاء للتجاذبات الإقليمية والدولية في اليمن، وأهدافهم هي جمع أموال من هذه الدول، وليس المساهمة في تقديم مبادرات ومشروعات وطنية تساهم في إيقاف الحرب وتحقيق السلام في اليمن، مما أضعف دور اليمنيين، وجعل معظمهم تابعين، وليس لهم أي تأثير علي مستقبل اليمن، وأصبح اليمنيون رهائن للتجاذبات الإقليمية والدولية والعمل معها كوكلاء عديمي السيادة والإرادة، فنحن اليوم أمام قوى سياسية يمنية تجدد نفسها من خلال الارتهان لطرف من الأطراف الإقليمية أو الدولية في ظل غياب الكيان الجامع القادر علي تقديم مبادرة ومشروع وطني يحظى بقبول غالبية اليمنيين واحترام الفاعلين الإقليميين والدوليين، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توحيد كل الجهود التي تبذل من خلال كيان جامع يلامس الواقع، ولا تقع عليه الشبهات ويجمع أكبر قدر من الفاعلين السياسيين في اليمن من المثقفين والشباب والمراءة لديهم من الاستقلالية، ما يمكنهم من تقديم عمل وأداة جديدة تتجاوز الأدوات والقوى البالية التي أوصلت اليمن إلي ماهي عليه اليوم.

* سفير ودبلوماسي يمني - رأي اليوم

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى