سياسة نقدية لصنعاء تحول مركزي عدن إلى «صراف مرتبات»

> تقرير خاص

>
ما هو دور الصرافين في تضخيم أسعار الصرف مقارنة بأسعار الذهب عالميا؟
كيف نجح مركزي صنعاء في قلب معادلة أسعار العملات بتواطؤ صرافي عدن؟
> أوضحت مصادر اقتصادية لـ«الأيام» أن المواطنين في المحافظات المحررة يعيشون حالة من الاستغراب والتذمر من الحال الذي وصل إليه ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية وانهيار القوة الشرائية للريال اليمني، وخاصة في ظل وجود طبعة جديدة صادرة من البنك المركزي في عدن، والتي بلغت أسعار صرفها مقابل الدولار في المحافظات المحررة خلال الأسبوع الماضي حدود 805 ريالات للدولار، بينما بلغ متوسط صرف الريال السعودي حدود 210 ريالات، في ظل حالة من الاستقرار النسبي لأسعار صرف العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الحوثيين، والتي بلغت أسعار صرف الريال من الطبعة القديمة متوسط سعر 600 ريال خلال الأشهر الماضية، بينما لم يتجاوز سعر صرف الريال السعودي حدود 160 ريالاً.
وقالت المصادر: إن حالة من الصمت المخجل التي عجزت الحكومة الحالية وإدارة البنك عن تفسير أسبابها، أو اتخاذ إجراءات تحد من تلك الفجوة بين سعر صرف عدن وصنعاء وفروق العملة المفروضة على أي تحويلات بالريال من المحافظات المحررة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، كان لا بد لنا من توضيح ما الذي يدور في جوانب هذه الإستراتيجية التي أقرتها اللجنة الاقتصادية العليا للحوثيين منذ بداية العام 2020.

ويشير المصدر إلى أن الحكومة وقيادة البنك في عدن لم يدركا أن الهدف من فرض هذه الإستراتيجية هو "إقناع العالم بأكمله بأن من يدير السياسة النقدية في البلد الذي يشهد حالة من شبه الانقسام هو البنك المركزي في صنعاء، وأن بنك عدن ليس إلا ذلك الفرع، والتي تعد مهمته الأولى والأخيرة صرف المرتبات".

وفي المجمل -بحسب الاقتصاديين- يعزز للعالم ودول التحالف بأن البنك المركزي في صنعاء هو المتحكم بالسياسة النقدية للبلاد، وإثبات أن مركزي عدن لا يمكن له أن يدير سياسة المحافظات المحررة فضلاً عن سياسة البلد النقدية بأكملها.

يستعرض خبراء اقتصاديون الأسباب التي أدت إلى تدهور أسعار الصرف في المحافظات المحررة في ظل استقرار نسبي للعملة المحلية في مناطق الحوثيين خلال العام 2020 في الآتي:
  • أولا - سيطرة صنعاء ورقابتها على كل المعاملات التي ينفذها الصرافين في المحافظات الخاضعة للحوثيين، وإلزامها بعدد من الإجراءات القانونية التي تضمنها قانون تنظيم أعمال الصرافة بموجب قانون البنك المركزي، والتي تتضمن:
  1. كل معاملات الصرافين في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين هي محل دراسة ورقابة وتقييم البنك المركزي في صنعاء.
  2. انتظام شركات الصرافة في تقديم تقاريرها المالية الشهرية والسنوية وتقديمها لفحص ومراجعة مكاتب المراجعين القانونين.
  3. كل شركات ومنشئات الصرافة في المحافظات الخاضعة للحوثيين التي تنفذ من خلال شبكات تحويل الأموال الإلكترونية (الحوالات الصادرة والواردة) مربوطة بنظام البنك في صنعاء، ويتم ملاحظتها ومراقبتها بشكل لحظي من خلال شبكة الربط الآلي مع البنك في صنعاء.
  4. لا يحق للصرافين فتح حسابات للعملاء باعتبار ذلك من مهام وأعمال البنوك التجارية، وبالتالي عدم تكدس الأموال لدى شركات ومنشئات المضاربة المتمثلة بالصرافين.
  5. ضعف إجراءات الرقابة على شركات ومنشئات الصرافة من قِبل قطاع الرقابة على البنوك في عدن رغم استعانته بعدد من المراقبين والمفتشين من صنعاء، وكان البنك المركزي في عدن يهدف من هذه الخطوة إلى الاستفادة من خبرات أولئك المنقولين من صنعاء بحكم الخبرة المتراكمة لديهم، ولكن ما جرى بالفعل كان معاكساً لكل آمال قيادة البنك في عدن، بالمقابل فإن صنعاء بحكم الخبرة الطويلة لدى كوادرها وكون صنعاء منذ العام 1994م هي مركز البنك المركزي الرئيسي ظل قطاع الرقابة فيها متماسكاً، ويؤدي دوراً فعالاً في وظيفته.
  6. وأخيراً وجود سلطة أمر واقع واحدة في صنعاء، وعدم تداخل قرارات من يدير تلك المناطق التي هدفت للوصول إلى حالة من الاستقرار في الوضع الاقتصادي رغم حالة الحصار وعدم توفر المرتبات لموظفي القطاع العام وشح السيولة وحالة الحصار، جعل من سلطة الحوثيين هي الجهة المخولة بأي قرار اقتصادي يخص المناطق الخاضعة لسيطرتها.
  • ثانيا: توسع العرض النقدي لسلطة البنك المركزي في المحافظات المحررة التي اهتمت بتوفير المرتبات فقط دون أي دراسة لمخاطر التوسع في العرض النقدي في ظل حالة انقطاع الإيرادات المحلية للدوائر والمؤسسات والمرافق الحكومية الإيرادية، وعلى رأسها مصلحة الضرائب التي تمثل إيراداتها 70% من حجم موارد الدولة بالعملة المحلية، فكبار المكلفين من التجار لا يقومون بسداد تلك الضرائب في المحافظات المحررة وغيرها من مؤسسات القطاع الخاص بمختلف أنشطتها التجارية، وأصبحت تلك المؤسسات تعيش حالةً من الفساد المستشري في جميع مفاصلها، وبالتالي فإن الدورة النقدية للعملة المحلية أصبحت شبه منقطعة فالأموال التي يضخها البنك المركزي في عدن تعود بنسبة 10 %، بينما 90 % من تلك الأموال أصبحت في خزائن شركات الصرافة وغيرهم من التجار، الأمر الذي أدى إلى حالة من المضاربة بكل كمية فائضة من العملة المحلية.
  • ثالثاً ـ عدم وجود أهداف طويلة أو قصيرة لدى الحكومة وسلطتها النقدية المتمثلة بالبنك المركزي في ظل حالة من العمل العشوائي والارتجالي غير المخطط وبالتالي ضعف إجراءاته.
  • رابعاً ـ تراجع الناتج المحلي للمحافظات المحررة في ظل حالة شبه التوقف لمعظم القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها مصافي عدن، فمبيعات الخام اليمني من قطاعات إنتاج النفط في حضرموت وشبوة تباع كخام، بينما يتم استيراد المشتقات النفطية من الخارج بالعملات الأجنبية، الأمر الذي أدى لزيادة حجم الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلي، وبالتالي ارتفاع تكاليف تلك المشتقات التي يتحملها المواطن المغلوب على أمره.
  • خامساً ـ سياسة التعويم الحر المستقيم التي اتخذتها الحكومة والبنك خلال العام 2017م جعلت من العملات الأجنبية تعيش حالة باقي السلع، فكلما كان العرض أكبر من الطلب انخفض سعر الصرف، وكلما زاد الطلب على العرض ارتفع سعر الصرف وزادت حالة المضاربة في السوق.
رسم توضيحي
رسم توضيحي
وحتى نوضح لعامة الناس -هذه الترهة التي يدعي الصرافون أن لا علاقة لهم بها خاصة في المحافظات المحررة، وأن تدهور سعر الصرف سببه سياسة صنعاء بفرض فروق الطبعتين، وأن البنك المركزي في عدن تخلى عن مسؤوليته في ضخ عملات أجنبية للسوق المحلي واستنفاذ الوديعة السعودية- نوضح لكم هذا المثال البسيط لتضارب هذه الفئة من ضعفاء النفوس:
الذهب كسلعة متداولة في العالم باعتبارها سلعة يمكن القياس عليها:
فالجرام الواحد من الذهب عيار 21 في العالم يبلغ متوسط سعره الحالي بالدولار 54.35 دولاراً للجرام الواحد.

بينما سعر الجرام الواحد في السعودي = 204.82 ريالاً سعودياً للجرام، وذلك يعني أن: الدولار الأمريكي الواحد = 3.750 ريالاً سعودياً عالمياً.
ولكن في المحافظات المحررة -عندما تذهب إلى إحدى شركات المضاربة تجد أن سعر المبادلة ما بين شراء وبيع الدولار مقابل السعودي يتراوح سعره ما بين (3.80 - 3.81)، وفي بعض الأحيان 3.82 ريالاً سعودياً، وذلك بفارق عن سعر الصرف العالمي بمتوسط 0.05 ريالات سعودي أي نصف من مائة ريال لكل دولار.

فلماذا هذا الاختلاف رغم أنها عملية مبادلة ما بين عملتين أجنبيتين وسعرها عالمياً يحدد بشكل يومي وأحياناً في كل ساعة بموجب نشرة أسعار الصرف العالمية.
بخلاف ذلك ففي صنعاء يقل سعر المبادلة عن عدن ويقارب سعر الصرف العالمي.

ولكن ما يهمنا الآن هو سعر الجرام من الذهب عيار 21 الذي يبلغ متوسط سعره المحلي في المحافظات المحررة كالتالي:
عند شراء الذهب من قبل المواطنين من محلات الذهب فان سعر الجرام الذهب من عيار 21 في عدن = 45,000 ريال يمني من الطبعة الجديدة، بينما عالمياً = 54.35 دولاراً: أي بما يعادل 203.82 ريالاً سعودياً.
وعند البيع فإن سعر الجرام الذهب من عيار 21 في عدن = 42,000 ريال يمني من الطبعة الجديدة.
بينما عالمياً = 53 دولاراً في أدنى مستوياته في السعودية: أي بما يعادل 198.75 ريالاً سعودياً.
ولكن بالنظر إلى معادل الشراء والبيع للذهب بالريال اليمني في المحافظات المحررة، وعدن خاصة سنجد الآتي:
عند الشراء:
سعر صرف الدولار بموجب أسعار الذهب = سعر الجرام بالريال الجديد ÷ سعر الجرام عالمياً.
 = 45,000 ريال ÷ 53.35 دولاراً = 828 ريالاً للدولار الواحد.
وعند البيع:
= 42,000 ريال ÷ 53 دولاراً = 792.50 ريالاً للدولار الواحد.
ولهذا، نجد أن تقييم الذهب في المحافظات المحررة يقوم على أساس سعر الصرف الآتي بالريال السعودي:
سعر صرف الدولار مقابل السعودي = 792 معادل الدولار عن بيع الذهب ÷ 198.75 ريالاً سعودياً = 3.9849 ريال سعودي لكل واحد دولار.
ولكن سعر صرف السوق مقابل الريال الجديد = 800 ريال للدولار ÷ 210 ريالات للسعودي = 3.81 ريالاً سعودياً للدولار الواحد.

فارق التقييم للذهب بين سعر المبادلة في السوق بالسعودي – معادل سعر البيع بالسعودي = 3.9849 – 3.81 = 0.1749 ريالاً سعودياً لكل جرام.
إذن من ذلك نستنتج الخلاصة الآتية:
سعر صرف الدولار الحقيقي غير المتضخم في المحافظات المحررة هو:
= معادل الدولار بالريال عند بيع الذهب × فارق المبادلة بين الدولار والسعودي = 792 ريالاً من الطبعة الجديدة × 0.1749 سعودي = 138.52 ريال يمني جديد لكل دولار (وهذا يمثل الفارق المتضخم في سعر صرف المحافظات المحررة).
إذن السعر الحقيقي للدولار مقابل الطبعة الجديدة = 800 ريال – 138.52 ريالاً = 662 ريالاً من الطبعة الجديدة لكل دولار.

يلاحظ أن سعر صنعاء مقابل الدولار = 606 ريالات طبعة قديمة، وذلك لكون العرض النقدي من الريال القديم أقل من العرض النقدي من الطبعة الجديدة بمقدار يفوق 400 مليار ريال.
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً لدى المواطن ويحتاج الإجابة عليه هو:
لماذا كل هذا الفارق التضخمي بين سعر المبادلة السائد في السوق 3.80 ريالاً سعودياً مقابل الدولار، وبين (3.8949) ريالاً سعودياً مقابل المعادل اليمني، وذلك بمقدار(0.1749) ريالاً سعودياً لكل واحد ريال يمني؟.
إن الإجابة على هذا السؤال هو أن صنعاء قامت بنقل رصيدها من النقد المصدر القديم والذي يقدر بـ 1.4 تريليونات ريال من العرض النقدي الحقيقي M1 إلى العرض النقدي بمفهومه الشامل M3 وتضخيمه في حسابات الشبكات الخاصة بالحوالات وتحميله على عدن وفرض فروق عملة بين الطبعة القديمة والجديدة، وذلك حتى يتوجه المحولون إلى مناطق سيطرتها للتحويل عبر العملات الأجنبية بدلاً عن الطبعة الجديدة من الريال، وبالتالي سداد التزامات صنعاء تجاه الطبعة القديمة، وبالتالي توجهها في بداية العام لإلغاء الطبعة من الريال القديمة واستخدامها للنقد الإلكتروني، وذلك بالتعاون مع الصرافين في عدن.

ويرى الخبراء الاقتصاديون في تقريرهم أن صنعاء تلتزم مقابل تنفيذ سياستها الخبيثة مقابل تعاون الصرافين في عدن أن تبيع لهم كميات من الدولار عبر حوالاتها الخارجية بسعر 680 ريالاً، وليس بالسعر التضخمي السائد في السوق 800 ريال، وذلك لكون معظم التعاملات التي تتم بين صنعاء وعدن في ظل عدم وجود حركة نقدية حقيقة بسبب انقطاع الطرقات أن تودع في أرصدة صرافي عدن في الخارج ما يتم شراؤه عبر الشبكات الإلكترونية للحوالات، بينما يراهن الصرافون في عدن أن يقوم البنك المركزي في عدن والتحالف بتفعيل وديعة جديدة بسعر منخفض، وذلك بهدف تحويل الأموال المكدسة لديهم من الطبعة الجديدة بتكلفة أقل من تلك التي هي سائدة في السوق، وبذلك يكون الصرافون في عدن قد حققوا ربحاً في كلا الجانبين - جانب صنعاء والتعاون معها من خلال تعزيز أرصدتهم في الخارج من الدولار والسعودي بسعر 680 ريالاً لكل دولار، وفي الجانب الآخر ضمنوا أن كميات الريال المتكدس من الطبعة الجديدة التي ترفضها صنعاء قد تحولت إلى عملة أجنبية.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى