المدينة التي نسيت كيف تتنفس

> لتغيير وضع مدينتك نحو الأفضل يكفي أن تحبها وتحترم قوانينها وبيئتها وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية السياسية، يكفي أن تحترم نظافتها ومهرجاناتها الثقافية أو تأخذ ملابس العمل وتفعل شيئًا بنفسك لأجلها.

عدن التي تحبك دون أن تسألك من أنت ومن أين أتيت، عدن الأكثر لطفًا وإشراقًا ودفئًا، عدن التي تميل إلى الإبداع وتقع في قلب كل واحد منا، عدن التي تولد فيها القصص غير العادية وسهولة الضحك وسحر النكات والإخلاص بألوان ودرجات مختلفة، تعاني اليوم من التوتر الاجتماعي والسياسي، مدمرة البنى التحتية ومحاطة بالبناء العشوائي وتعيش على المساعدات.

قبل الاستقلال كانت عدن المستعمرة تشكل قواعد اللعبة الاقتصادية العالمية وحلما للكثير، فيها نظام وقانون وميناء ومطار عالميان وشركات وحركة تجارية وسياح وترانزيت للمسافرين والبضائع وأسواق وشوارع نظيفة وإذاعة وتلفزيون وفن وعلوم وثقافة وحركة لا تتوقف ولا يختفي عنها الضوء.

بعد الاستقلال عجزت الحكومات المتعاقبة عن إدارة الملف الاقتصادي، الذي استلمته جاهزا، وعن استخدام الثروة العامة بشكل أفضل لتحقيق الأهداف الاقتصادية للمجتمع، وظهرت غير قادرة على إظهار لمواطنيها ما يملكون وما عليهم مدينون به، ثم أتى حيتان الوحدة وأكلوا الأخضر واليابس واليوم يقاتلون ليأتوا على ما تبقى.

كان السكان في عدن يتوقعون الأفضل بعد خروج بريطانيا، من خلال الاستقلال المرادف لبناء الأمة والنهضة والتنمية، لكن التطورات التي حدثت في عدن بعد الاستقلال كانت كارثية، بسبب اختلاف الرؤى والتبعية الجديدة وخلل في توازي العمل السياسي مع العمل العسكري قضت جميعها على التسلسلات والتشكيلات العرقية والاجتماعية والهرمية والقانونية والسياسية الاقتصادية في عدن.

عدن اليوم تحاول أن تتنفس بعد أن غرقت في العجز والتخلف والفساد، كيف لا؟ ومطار عدن اليوم أصبح سكنا للطيور وليس للطائرات والميناء، حاضرا بالاسم وكأنه يقع فوق مثلث برمودا، عدن لا يوجد فيها تعليم حقيقي، لا مسارح ولا دور سينما، لا رياضة، لا مناظر طبيعية ولا حدائق ولا أشجار، لا رياض أطفال، لا مواقف سيارات، لا طرق سليمة، ولا حياة اجتماعية وثقافية كافية، عدن تعاني تدمير المعالم التاريخية ومن أزمة طاحنة في الكهرباء والماء يأكلها الفساد والإهمال وقلة النظافة والأمراض والأوبئة مخنوقة من طفح المجاري وزحمة النازحين واللاجئين واللصوص والمخدرات.

مشاكل عدن الحالية كثيرة وحلولها تحتاج لوقت وربما لخبراء من "لجنة البندقية"، فهي مدينة في قلب العالم، وللحقيقة اليوم يقوم المسئولون عن المدينة بنشاط إيجابي كبير من أجل إعادة ترتيب أوراق عدن، وعلى هذه الجهات المسئولة أن تدرك أن تكرر إهمال تاريخ المدينة وسكانها وخصوصيتهما يمكن أن يبقي عدن في نفس المربع المؤلم".

على المسئولين الحاليين عن عدن الحديث مع الجهات الفاعلة على ضرورة وقف الفوضى والعشوائية المتعمدة وحل المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالفقر والتوظيف وخلق بيئة معيشية مريحة في المناطق الريفية، لفك الضغط عن عدن وعدم الاكتظاظ فيها وسد "الثغرات" في ميزانية المدينة.
لكي تفعل شيئًا للمدينة التي تعيش فيها وتحبها ما عليك سوى تنشيط الرغبة في الحياة الاجتماعية، وعلى وجه التحديد المشاركة في تنمية مجتمع واعٍ لا يقسم ولا يبحث عن شخص يلومه، ولكنه يدرك ما يحدث من موقع "ماذا فعلت أنا لتغيير شيء ما نحو الأفضل؟".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى