فاز ترمب أو خسر.. هل نقض نظرية "المتنبي"؟

>
لا يزال كثير من العرب ينظرون إلى حِكم ونظريات شاعرهم الكبير أبو الطيب المتنبي بصدقية عالية، فهم اختبروها لأكثر من 13 قرناً، ظلت خلالها عصية على النقض.

 لكن إذا ما تعلق الأمر بسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه الشأن الإعلامي في بلاده منذ 2016، فإن إحدى مقولات أبو الطيب الشهيرة مهددة بفقد مفعولها، خصوصاً إذا ما فاز الملياردير الأميركي بأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض.

يأتي ذلك في وقت أسقط فيه مثقفون مثل عبدالله السفياني تحذير المتنبي من "عداوة الشعراء" لكونها "بئس المقتنى" على الإعلاميين، بوصفهم شعراء هذا الزمان في وظائف عدة، مثل التأثير في الجماهير، وتحسين صورة الشخصيات والدول، وإسقاط الرموز وشيطنتها حين يشاؤون.

 كل ذلك في سياق معركة الرئيس الأميركي ترمب مع شرائح واسعة من الإعلاميين في بلاده، وتبادلهم العداوات والإهانات، إلى حد جعل ذلك الإعلام وبعض متابعيه في المنطقة العربية يراهنون على إسقاط الرجل العنيد، إن لم يكن عزله خلال ولايته الأولى، فأضعف الإيمان تشويه صورته أمام الناخب الأميركي، وحرمانه من التربع مجدداً على هرم السلطة.

الإعلام هو الخصم

إلا أن الرئيس الأميركي بدلاً من أن يرهب منازلة "شعراء البيت الأبيض" الجدد، اتخذ من سجالاته معهم رافعة لخطابه التعبوي أمام أنصاره، مشهراً لواء الشطر الأول من بيت المتنبي، الذي نسيه بعض محذري الرئيس من مغبة سخط أرباب "السلطة الرابعة"، وهو الذي يقول الحكيم العربي فيه "ومكايد السفهاء واقعة بهم"، قبل أن يضيف الشطر الأشهر "وعداوة الشعراء بئس المقتنى". لكننا لا نعرف من هم "السفهاء" على وجه اليقين في الحال الأميركية، فكلا المعسكرين يتهم نظيره بأسوأ الأوصاف.

وبالنسبة إلى دونالد فهو يرى أن خصمه الحقيقي ليس الحزب الديمقراطي الذي يخوض معه سباقاً محموماً نحو البيت الأبيض مجدداً، وإنما "خصمنا الأساسي هو وسائل الإعلام التي تنشر أخباراً مزيفة. فعلى مدار التاريخ الأميركي لم يكن الإعلام يوماً بهذا السوء". وقبل ذلك وبعيد رئاسته حين ضاق ذرعاً بالتحامل الإعلامي ضده، استعطف جمهوره قائلاً "لم يُهن رئيس أميركي من شعبه كما أنا"، في إشارة إلى أنه لا يعلم ما الغرض من الحملة ضده، إذ جرت العادة أن يسود الهدوء بعد انتهاء الحملات الانتخابية، ويتحد الجميع خلف رجل البيت الأبيض أياً يكن، بوصفه رئيساً للجميع.

لكن ترمب لم يبق طويلاً في دائرة الاستعطاف وخطبِ ودّ شعراء العصر الحديث، وإنما قلب لهم ظهر المجن، وصار يكيل الإهانات لـ "الإعلام المزيف" كلما عنّ له ذلك واستدعى الموقف، ويطرد من شاء خلال مؤتمراته الصحافية، في سابقة أذهلت المراقب الأميركي والعربي.

تهم كأنها في ساحة "معركة"

أحد الأمثلة على ذلك انفجار الرئيس غاضباً في وجه مراسل "سي إن إن" الذي كان الأشرس في مساجلته وتبادل التهم معه، فعندما ألحّ المراسل في سؤاله الرئيس أثناء الانتخابات النصفية الماضية للكونغرس عن وصفه تدفق جموع المهاجرين الآتين من أميركا اللاتينية بأنه "غزو"، صبّ الرئيس جام غضبه على المراسل وشبكته قائلاً، "يجب أن تخجل "سي إن إن" من أن شخصاً مثلك يعمل فيها. وأنت وقح وفظيع. أنتم أعداء الشعب. مهمتكم تقتصر على نشر الأكاذيب".

لكن الشبكة والإعلام الليبرالي واليساري التي هي جزء منه، لم تستسلم هي الأخرى، وظلت تكافح لشيطنة ترمب، فهذه نظيرتها وابنة العاصمة "واشنطن بوست"، توظف مقتل المواطن الأميركي جورج فلوريد في التجييش ضد الرئيس، وتقول في إحدى تقاريرها "زرع ترامب كراهية الصحافة لسنوات. الآن يتعرض الصحافيون للاعتداء من قبل الشرطة والمتظاهرين على حد سواء"، مشيرة إلى أن ثمة من يجادل بأن "استخفاف الرئيس ترمب اللامتناهي بوسائل الإعلام غير ضار. ربما يكون متطرفاً بعض الشيء في بعض الأحيان، ولكنه في الغالب مجرد كلام كثير".

وأضافت، "الأكيد الآن أنه يلقي بعبارات مثل "عدو الشعب"، ويدعي أن الأخبار الدقيقة التي لا ترضيه "مزيفة"، ويهين المراسلين الفرديين بسرور، بخاصة النساء ذوات البشرة الملونة. إنه يحب التهديد باستخدام صلاحيات مكتبه للتدخل من أجل تخويف الشركات الإعلامية التي لا يحبذها بمعاقبة أصحابها".

فرصة لجذب الأنصار

الذي حدث بعد هذه الحرب الضروس في تقدير المحلل السعودي المتخصص في الشأن الأميركي أحمد الفراج، أن ترمب بعقليته التجارية أعرض عن مصالحة الإعلام اليساري، وبدلاً من ذلك جعل عداوته فرصة وقضية رأي عام، يشد بها عصب أنصاره، وذريعة للقدح في صدقية مناوئيه بالأسماء، ومحاولة النيل من سمعتهم المهنية.

وهذا ما يقول الفراج إن الرئيس نجح فيه إلى حد كبير، وهو الذي يوصف أنه من المتيمين العرب بنهج ترمب، بغض النظر عن فوزه أو خسارته وصوابه وخطئه. وقال، "انحياز الإعلام الأميركي وكارهي الرئيس مثل حركة "حياة السود مهمة" ونظيراتها، بين أسباب كثيرة ستهدي للرئيس ولاية جديدة".

وأبدى أسفه لواقع الإعلام الأميركي الذي كان يقول إنه يحظى بصدقية عالية، إذ "كان يوماً يزخر بكبار النجوم ممن تحترمهم مهما اختلفت معهم، وأتحدث هنا عن دان روذرز وبيتر جينينغز وتوم برانكو وتيد كابيل وسام دانيلسون وهيلين توماس، وغيرهم من الرموز التي كانت لا تخفي إعجابها ومواقفها الأيديولوجية، لكنها لا يمكن أن تتخلى عن المهنية أو تستفز المشاهد كما تفعل معظم منصات الإعلام الأميركي حالياً".

ولا يدري الفراج المهتم بالانتخابات الأميركية "كيف فات على هذه المنصات أن تغطياتها المنحازة ضد ترمب، ونقدها له بطريقة تبعث على السخرية، ومبالغاتها في مجاملة بايدن، ستأتي بأثر عكسي، فالمشاهد ليس غبياً، واستفزازه بهذه التغطيات المنحازة ستكون نتائجه عكس ما تريد المنصات".

من جهته، يرى الأكاديمي المتخصص في الإعلام والاتصال الدكتور محمد الحيزان أن "الشعراء هم النواة الأولى التي تشكّل منها الإعلاميون، وكان لهم السبق في الوصول إلى الرأي العام بفضل موهبة صياغة الرسائل وتشكيل الصور، ولأنهم من أوائل من امتلك قوة الوسائل التي منحتهم قدرة حصرية في التأثير ولفت الأنظار، وتبوأوا مكانة أثيرة لدى صناع القرار، الذين أدرك العقلاء منهم خطورة معاداتهم وضرورة احترامهم".

"رأى نفسه نداً لأحفاد الشعراء"

واعتبر أن التطور الاتصالي جعل الإعلاميين يحظون بالمكانة نفسها، "فشكلوا امتداداً لأولئك الرواد، وغدا التعامل معهم بواقعية يساعد في الحفاظ على المواقع، مما جعل كثيرين، بمن فيهم بعض الساسة، يتمنون لو ملكوا أدواتهم ومهاراتهم، حتى إذا جاءت شبكات التواصل ظن البعض أنهم باتوا في صف إعلامي مماثل. وكان على من اعتقد ذلك أن يجازف ويقبل النتائج، وهذا ما فعله الرئيس ترمب الذي راهن على أنه ند لأحفاد الشعراء، شجعه في ذلك حقيقة وجوده في مكتبه البيضاوي الذي يؤثر في العالم أجمع، وأنه محط أنظار سائر وسائل الإعلام، فكان لسان حاله يقول "أنا الإعلام والإعلام أنا".

 ويتوقع الحيزان، خطوة ترمب التي وصفها بالمثيرة، "ربما حركت مشاعر آخرين لمحاكاته، وبدت وكأنها غيّرت قواعد المهنة في عالم صاحبة الجلالة. فهل يصدق ظنه أم لا؟ هذا ما ستفصح عنه نتائج اليوم "اليوم الموعود" الذي لا بد من أن يكون الرئيس هيأ نفسه لشتى أنواع الهجاء فيه من الشعراء الجدد وأدواتهم، فاز أو خسر".

أما المؤسسات المشاكسة للرئيس، فتطمع في أن تؤثر عداوتها له في نتائج الانتخابات، وإن لم تتمكن من ذلك فعلى الأقل يصل غريمها إلى ساحة النصر بشق الأنفس. وهكذا فإن ترمب خسر أو فاز في الانتخابات الأميركية، فإنه أخضع "حكمة المتنبي" لامتحان صعب، أعاد كثيراً من الإعلاميين إلى مقاعد الدرس في نظر بعض المعلقين، بينما الرئيس بتلقائيته يفسر الأمر ببساطة أكبر قائلاً، "لو كنت لطيفاً معهم لخرجت من المسرح، ولما كنت على المنصة"، وذلك في إحدى أحاديثه مع نصيرته المخلصة "فوكس نيوز".

مصطفى الأنصاري/ اندبندنت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى