الانتخابات الأمريكية وأمن الخليج واليمن: اقترب موعد الحسم

> مع اقتراب إعلان نتائج انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، تتوجّه أنظار العالم ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، حالياً تجاه البيت الأبيض؛ باعتبار أنّ السياسات التي تشكّلها مرهونة إلى حد بعيد بمن سيسكنه في الأعوام الأربعة المقبلة.

وفي سباق احتدم بين دونالد ترامب وجوزيف بايدن، في الأشهر القليلة الماضية، يبقى لكلّ تحالف تفضيلاته؛ فلم يكن مستغرباً أن يميل الإخوان المسلمون، وحركات الإسلام السياسي، إلى جوزيف بايدن، ويحشدون لانتخابه.

الخليج وأمريكا.. شراكة وتوافق
كانت أمريكا شريكاً إستراتيجياً وركيزة أساسية لأمن الخليج على مدار الخمسين عاماً الماضية، وعلى الرغم من نهجها الجديد، والادّعاء بأنّها تتراجع عن التدخّل في  منطقة الخليج والشرق الأوسط على نطاق أوسع، تظلّ الولايات المتحدة قوّة عالمية رئيسة تشارك في أمن منطقة الخليج.

في الأعوام القادمة؛ ربمّا لا يكون نفط المنطقة مصلحة حيوية كما كان في السابق، لكنّ دول الخليج الستّ، وهي: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وعُمان وقطر والبحرين، اكتسبت كثيراً من الثقل الإستراتيجي والمالي الخاص بها، لدرجة أنّها أصبحت نقطة مركزية لرفاهية النظام المالي العالمي، ومركزاً للاستثمارات الأمريكية والأوروبية.

كما تدرك دول الخليج العربي جيداً الاختلاف الكبير بين ترامب وبايدن؛ إذ إنّ بايدن ليس غريباً عنهم، فقد تعاملوا معه خلال وجوده في إدراة الرئيس السابق، باراك أوباما، لكنّ علاقة النظم الخليجية بترامب في السنوات الأربع الماضية، جعلتهم يكتسبون ودّ شخص صعب المراس، فقد فهموه بشكل جيد، وتعاملوا مع حدّته، وربّما تجاوزاته العلنية، وكونه شخصاً غريب الأطوار، يحكم العالم عبر موقع تويتر.

كلّ هذه المكتسبات يصعب على دول الخليج إضاعتها، خاصةً أنّ الخليجيين يفضّلون التعامل مع رئيس واحد لأطول فترة ممكنة، كما أنّ هناك قاعدة مهمّة، تعلمتها دول الخليج العربي على مرّ السنين، جعلت قادتها يفضّلون الرؤساء الجمهوريين على  الديمقراطيين؛ إذ يكنّ الجمهوريون تقديراً أعمق للعلاقة الأمريكية الخليجية، ويتفهمون المخاوف الأمنية لتلك الدول، خاصة القادمة من جهة إيران، وهم أكثر وداً في تواصلهم مع قادة الخليج العربي، كما فعل ترامب فور تنصيبه رئيساً، العام 2016.

لكنّ استطلاعات الرأي، التي تجري منذ سبتمبر الماضي، والتي تظهر اكتساح بايدن وتفوّقه على ترامب، هي ما يربك المعادلة السياسية، خاصة لدول المنطقة، وذلك لما لبايدن من بعض المشكلات، خاصةً في الملف الإيراني؛ حيث ألمحت حملة المرشح الديمقراطي إلى أنّ الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق النووي، لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، إذا أعادت طهران الالتزام، والتي كان ترامب قد انسحب منها عام 2018، ومنذ ذلك الحين؛ برّأت إيران نفسها من التزامات عديدة، واستأنفت تخصيب اليورانيوم، بحسب مقالة على مجلة "التايم"، للصحفية الأمريكية، كيمبرلي دوزير، التي أوضحت فيه أنّه من المرجح أن يقف بايدن إلى جانب شركاء أمريكا الأوروبيين، خاصة فرنسا، من خلال المطالبة بإعادة التفاوض بشأن بعض البنود في الصفقة، مع التركيز بشكل خاص على ما تسمى "بنود انقضاء الوقت"، والتي تسمح برفع قيود معينة مع مرور الزمن، كما تريد فرنسا أيضاً التفاوض على اتفاقية إضافية بشأن برنامج إيران الصاروخي بعيد المدى، وجدول أعمالها الإقليمي المثير للجدل.

معضلة الملف الإيراني
يبدو أنّ موقف بايدن من إيران أصبح مصدر قلق كبير لحلفاء أمريكا الخليجيين، خاصة المملكة العربية السعودية، التي تشهد حرباً من إيران، عبر دعمها للحوثي في اليمن، ومن بين جميع سياسات ترامب الإقليمية؛ فإنّ فرض عقوبات صارمة على طهران للضغط على قادتها لإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، هو ما أثار الجدل الأكبر على الصعيدين؛ الإقليمي والدولي.

وبحسب الباحث التونسي في شؤون الشرق الأوسط، عبدالحكيم عمّامي، "سيكون التناقض بين ترامب وبايدن بشأن وجود القوات الأمريكية في المنطقة قضية ملحّة أخرى، إلى جانب الملف الإيراني؛ حيث أصيب الحلفاء العرب للولايات المتحدة بالإحباط، بسبب ما يسمى محور أوباما نحو آسيا، والذي سمح لإيران وتركيا وروسيا بالتمدّد في المنطقة، وعلينا الانتظار لنرى ما إذا كان بايدن سيتبع خطى أوباما، أو سيختار إعادة التزام الولايات المتحدة بصراعات المنطقة المتفاقمة".

ويتابع عمّامي، في حديثه لـ"حفريات": "لم يستغرق الرئيس ترامب وقتاً طويلاً بعد تنصيبه، قبل أن تبدأ زياراته للمملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهي وجهات حدّدت الإطار العام لسياساته خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، وأوضح أنّ إيران ستكون في مرمى النيران، وستكون مبيعات الأسلحة أولوية بالنسبة لإدارته، وقد رحّب به حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصةً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل، بعد أن كان الجميع قد أصيبوا باليأس من رؤية سياسات أمريكية جديدة، بعد سنوات من الغضب المتصاعد تجاه إدارة باراك أوباما؛ حيث زاد الحنق منها بشكل كبير، بعد الاتفاق النووي مع إيران، العام 2015".

على صعيد ملفات أخرى؛ يريد بايدن، كما ترامب، إنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، والتي تزداد تأججاً منذ أن تولى جورح بوش الابن قيادة البلاد، ويبقى الملف الإيراني هو الفيصل بينهما، ومصدر القلق الأول بالنسبة إلى أمن دول الخليج.

هل يسير بايدن على خطى أوباما؟
ثمانية أعوام قضاها بايدن في إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، لكنّه أدرك ماذا جلبت سياساته إلى المنطقة من خراب مضاعف؛ إذ تسبّب انسحابه من العراق بانتشار قوات داعش، وسيطرتها على مدينة الموصل، وكحبّات اللؤلؤ انفرطت دول المنطقة واحدة تلو الأخرى، فانتشرت قوات داعش من العراق إلى سوريا، ثمّ ليبيا، وعبر دعمه لتركيا استطاع أوباما أن يخرج المارد العثماني من سباته الطويل، متجهاً نحو إيران، ليترك المنطقة فريسة للأقطاب المتناحرة، كما اتّسمت سياسته بفرض الأمر الواقع على دول الخليج، وتركها لحلّ نزاعاتها بنفسها، وهي تجربة، على الأرجح، لا يودّ حكّام دول الخليج العربي تكرارها.

لكنّ بايدن، الذي لطالما اعترف بأنّه صهيوني، ورحّب باتفاقيات السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ربّما يفضّل ألا يعكّر صفو هذا السلام، والمضي قدماً نحو المزيد من صفقات التطبيع، لكن يبقى القلق من الملف الإيراني، هو أكثر ما يؤرق دول الخليج، التي ربما تستيقظ لتجد نفسها طرفاً في رحى حرب بين إيران، بسبب برنامجها النووي، والولايات المتّحدة، التي لم تعد تحتمل المزيد من الجموح الإيراني.
منى يسري/حفريات

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى