عام على اتفاق الرياض.. صفقة لم تتمكن السعودية من تحويلها إلى سلام دائم بين هادي والانتقالي

> حسام ردمان

> في الخامس من نوفمبر 2019، وقعّت الحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض الساعي لتحقيق أمرين في آن واحد. الأول والأهم، إيقاف المواجهة العسكرية المندلعة بين القوات التابعة لهما في أغسطس من العام نفسه، انتهت بسيطرة قوات المجلس على عدن وأجزاء من محافظتي شبوة وأبين. والثاني، تسوية الخلافات بين السعودية والإمارات وحليفيهما على الأرض.

رعاية السعودية للاتفاق، عزز آمالها في إنهاء الصراع شبه المستمر داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وإعادة ترتيب علاقتها الاستراتيجية مع الإمارات في جنوبي اليمن، ودمج قوات المجلس الانتقالي في أجهزة الدولة، وتثبيت مشروع اليمن الاتحادي.
رحب كلا الطرفين -هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي- والمجتمع الدولي بالاتفاق الذي ركز على ثلاثة أمور: تشكيل حكومة شراكة وطنية، وتغيير مدراء الأمن والسلطات المحلية في كافة المحافظات الجنوبية لتحسين الوضع المعيشي، وإعادة هيكلة القوات العسكرية والأمنية في الجنوب ودمج وحداتها في وزارتي الدفاع والداخلية.

بعد مرور عام كامل لم يُنجز أي من هذه البنود. اتخذ الرئيس هادي خطوات صغيرة مثل تعيين أحمد حامد لملس، أمين عام المجلس الانتقالي، محافظ لعدن، وتعيين العميد أحمد محمد الحامدي مدير أمن للعاصمة المؤقتة، والأخير لم يتمكن بعد من تولي منصبه. كما اتفقت حكومة هادي والمجلس الانتقالي بصورة أولية على تقاسم الحصص الوزارية، وحتى اللحظة لم يُعلن سوى عن بعض الأسماء المرشحة.

حاولت السعودية الدفع بالأمور قُدمًا، لكنها اصطدمت بالمشكلة المتوقعة: ما الذي يجب معالجته أولًا، الأمن أم السياسة؟ أصر المجلس الانتقالي على تشكيل الحكومة قبل إعادة انتشار القوات بينما أصرت حكومة هادي على انسحاب قوات المجلس من عدن وغيرها من بؤر التوتر قبل تشكيل الحكومة.
لا يثق أي من الطرفين ببعضهما أو بالسعودية بما فيه الكفاية لاتخاذ الخطوة الأولى، في الوقت الذي لم تجد المناشدات السعودية الحاثة على اعتماد نهج يستند على تزامن المسارين -انسحاب القوات وتشكيل الحكومة- أذاناً صاغية.

في منتصف عام 2020، وبعد أشهر من التوتر، وقّع المجلس الانتقالي وهادي على "آلية تسريع تطبيق اتفاق الرياض". وضعت الآلية نهجًا من ثلاث مراحل: أولًا، إنهاء الاشتباكات في أبين. ثانيًا، إعادة انتشار قوات هادي في عدن وانسحاب القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي من عدن وإعادة انتشارها في محافظتي لحج والضالع. ثالثًا، إعلان الحكومة اليمنية إعادة دمج قوات المجلس في قوام وزارتي الدفاع والداخلية. وعلى غرار ما حدث في اتفاق الرياض، لم تحقق "آلية التسريع" أهدافها.

هناك ثلاثة أسباب لذلك: أولًا، الطرفان غير مستعدين للالتزام بجدول زمني لتطبيق الاتفاق. ثانيًا، تشكيل حكومة "وحدة" جديدة قد لا يحقق الكثير؛ فآلية صنع القرار ستظل محتكرة من قِبل الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر ودائرتهما الضيقة بغض النظر عن عدد المقاعد الوزارية التي سيحظى بها المجلس. ثالثًا، إعادة انتشار قوات المجلس الانتقالي لا تعني قبول المجلس تسليم السلاح أو التخلي عن مطالب الانفصال الكامل؛ خاصة وأن بعض قياداته البارزة صرحت مرارًا أنها تعد اتفاق الرياض خطوة مرحلية وليس نهائيًا.

رغم ذلك، تمتلك السعودية القوة والنفوذ، عبر قوتها الاقتصادية والعسكرية على الأرض، لكي تدفع كلا الطرفين لتطبيق الاتفاق الرمزي، على الأقل.
وخلال العام الماضي، نجحت الرياض في تجاوز سلسلة من العقبات السياسية؛ ففي يونيو، ضغطت السعودية على المجلس الانتقالي الجنوبي للتراجع عن إعلانه الإدارة الذاتية وأقنعت هادي بوقف العمليات العسكرية في أبين.

أثبتت السعودية نفوذها وقوتها على المستوى الإقليمي، لكن هذا الأمر لم يُترجم إلى نجاح على أرض الواقع؛ حيث تستخدم المملكة سياسة الترهيب والترغيب لإبقاء حلفائها تحت السيطرة. فمن جهة، تقدم المملكة الأموال ومشاريع إعادة الإعمار لتحسين البنية التحتية كإغراء، فيما تهدد باستخدام مقاتلات التحالف لردع أي اشتباكات مستقبلية.

قبل عام، مثّل اتفاق الرياض أفضل خيار بين سلسلة من الخيارات السيئة. نجح الاتفاق في إيقاف المواجهة العسكرية التي اندلعت منتصف أغسطس 2019، غير أن السعودية لم تتمكن من تحويل صفقة وقف إطلاق النار إلى سلام دائم بين هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

* صحفي وزميل باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. تتركز أبحاثه على الحراك الجنوبي والجماعات الإسلامية المسلحة في اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى