"أسرلة" التعليم في القدس لتشويه الهوية الفلسطينية وطمسها

> منذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعتبار القدس المحتلة عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في ديسمبر 2017، عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على "أسرلة" التعليم في المدينة المقدسة، من خلال مجموعة من الإجراءات التي استنزفت من قدرته على الصمود والبقاء أمام المناهج الاسرائيلية، في ظلّ غياب السيادة الفلسطينية عن المدينة، الذي قيّد من إمكانية تطوير البيئة المدرسية والتعليمية داخل مدارسها.

وكان وكيل وزارة التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية، بصري صالح، قد قال إنّ 100 ألف طالب فلسطيني في القدس المحتلة مهدّدون بالحرمان من التعليم؛ بسبب سياسات الاحتلال ومحاولات شطب المنهاج الفلسطيني.

ووردت تصريحات صالح خلال الاجتماع المشترك الـ 29 بين مجلس الشؤون التربوية لأبناء فلسطين في دورته 81 والمسؤولين عن شؤون التربية والتعليم بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، الذي عقد العام الماضي، بمقرّ الجامعة العربية في القاهرة.

وتتنوّع المدارس في مدينة القدس إلى: مدارس تشرف عليها الأوقاف وتتبع إدارياً لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، لكنّها تعمل تحت مظلة وزارة الأوقاف الأردنية، وتضمّ 12 ألفاً و160 طالباً، والمدارس الخاصة؛ وتتبع إدارياً للكنائس والجمعيات الخيرية، وتضمّ 27 ألفاً و776 طالباً، ومدارس وكالة الغوث: وتضمّ ألفاً و279 طالباً، ومدارس المعارف الإسرائيلية؛ وتضمّ 39 ألفاً و141 طالباً، ومدارس المقاولات؛ التي يديرها أفراد إنابة عن إدارة المعارف الإسرائيلية، وتضمّ خمسة آلاف و25 طالباً.

وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في 19 كانون الثاني (يناير) 2019، مخطّطاً جديداً لتهويد التعليم في القدس خلال العام 2020، من خلال تنفيذ خطّة رئيس بلدية الاحتلال السابق في القدس، نير بركات، بإغلاق مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) في القدس، واستبدالها بمدارس تابعة لبلدية القدس الصهيونية، وهي مدارس تقع في شعفاط وصور باهر وسلوان وواد الجوز.

وصادقت حكومة بنيامين نتنياهو، خلال العام 2018، على قانون أساس القومية "إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي"، الذي يرى خبراء ومحللون أنّه قانون غير مسبوق، كونه يقرّ بأنّ دولة الاحتلال وطن قومي لليهود، وأنّ حقّ تقرير المصير يقتصر على اليهود دون سواهم، وهو ما سينعكس سلباً على المدينة وطبيعة المناهج الدراسية فيها، في ظلّ السياسات الإسرائيلية المستمرة.

ولا تعترف الجامعات الإسرائيلية بشهادة الثانوية العامة لدارسي المنهاج الفلسطيني في القدس المحتلة؛ إذ لا تسمح لهم بالالتحاق بها مباشرة، إلا بعد اجتياز الطالب امتحان القياس للقبول في الجامعات الإسرائيلية، الذي يلقي على الطالب مهمّة التحضير والاستعداد لامتحان "البسيخومتري".

قضيّة قديمة جديدة
من جهتها، تقول مدير عام وحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ديمة السمّان؛ إنّ "قضيّة التعليم في القدس هي قديمة جديدة بدأت فصولها عام 1967، عندما قام الاحتلال الإسرائيلي باحتلال مدينة القدس ومحاولة فرض المناهج الإسرائيلية على المدارس الفلسطينية"، مبيّنة أنّ "التعليم في القدس من أهمّ القطاعات التي لها علاقة مباشرة بفكر الإنسان؛ حيث وضعته إسرائيل على سلّم أولوياتها لاستهداف الأجيال الجديدة وزرع المفاهيم الخاطئة  التي تتعلق بالرواية  الصهيونية المزيفة في عقولهم، ودفع الطلبة الذكور منهم إلى ترك التعليم والتوجّه نحو سوق العمل الإسرائيلي، ودمجهم داخل المجتمع اليهوديّ، وسلبهم فكريّاً وثقافيّاً".

وتضيف السمّان، لـ "حفريات": "المدارس التابعة لبلدية الاحتلال والمعارف الإسرائيلية تشهد نسبة متزايدة من عمليات التسرّب المدرسي لطلابها المقدسيين، من بعد الصفّ العاشر، تحديداً من فئة الذكور، وهو ما يدفعهم للّجوء للسلوكيات التي تتناقص مع عادات المجتمع الفلسطيني وتقاليده المحافظة؛ كتناول المخدّرات وممارسة الرذيلة"، موضحة أنّ "هناك 90 ألف طالب وطالبة في مدينة القدس، يلتحق أكثر من نصفهم في المدارس التابعة للاحتلال، بينما يلتحق الباقون للمدارس التي تعمل تحت مظلة الأوقاف الإسلامية ووكالة الغوث والمدارس الأهلية والخاصة".

استهداف المدارس المقدسيّة
وتابعت: "الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح ببناء مدارس فلسطينية جديدة بالقدس، ويتمّ هدم أيّة مدرسة فلسطينية يتمّ تشييدها دون الحصول على تراخيص مسبقة، وبذلك يتهرّب الاحتلال من جميع الاتفاقيات الدولية التي تنصّ على وجوب تقديم الدولة المحتلة كافّة الخدمات الصحّية والتعليمية لسكان المنطقة التي تحتلها"، مشيرة إلى أنّ "الاحتلال قام بالاشتراط على المدارس الخاصة لتقديم المخصصات المالية لها الموافقة على شرطَين؛ أوّلهما: إدخال اللّغة العبريّة في المنهاج الدراسي، ثانياً: أن تكون المدرسة مؤهّلة وآمنة للطلاب، إلا أنّه تدريجياً بدأ الاحتلال التدخّل في المناهج وتحريفها، والإشراف بشكل مباشر على تلك المدارس، مستغلّاً الأوضاع المادّية الصعبة التي تعانيها".

ووفق السمّان؛ فإنّ "نسبة تدريس المنهاج الإسرائيلي في مدارس القدس لا تتجاوز 3%، وهو ما دفع الاحتلال لاستهداف المدارس الضعيفة أكاديمياً بشكل تدريجيّ لدفع طلابها إلى دراسة المنهاج الإسرائيلي، ومحاولة التأثير على أولياء أمور الطلبة لتحويل أبنائهم من دراسة المناهج الفلسطينية إلى الإسرائيلية، مؤكّدة أنّ المدارس الفلسطينية هي مبانٍ سكنية يتمّ استئجارها، ولا تتضمّن مرافق تربوية، كما تعاني المدارس الفلسطينيّة من نقص حادّ في التخصصات التعليمية، كمادّة الكيمياء والفيزياء وغيرها، وهو ما ينعكس سلباً على التعليم في القدس".

أسرلة التعليم في القدس
بدوره، يقول عضو اللجنة الأهلية للدفاع عن المناهج الفلسطينية في القدس، راسم عبيدات، خلال حديثه لـ "حفريات" إنّ هناك عدة مناهج دراسية يركّز عليها الاحتلال الإسرائيلي "لتشويه الهوية الفلسطينية وطمسها و"أسرلة" التعليم في المدينة المقدّسة، كمادة التربية الوطنية والتاريخ والجغرافيا واللغة العربية والتربية الإسلامية، وكذلك تغيير بعض المسمّيات بما يتماشى مع الرواية الصهيونية؛ كإطلاق عبارة يهودا والسامرة على الضفة الغربية، وهيكل سليمان على المسجد الأقصى، مشيراً إلى أنّها "مسمّيات تستهدف تزوير الوعي والتاريخ الفلسطيني وترسيخ الرواية الإسرائيليّة بأنّهم أصحاب الأرض ولا وجود للفلسطينيين فيها".

ويضيف عبيدات: "الخطّة الخماسية التي طرحها الاحتلال من العام 2018 حتى العام 2023، تهدف إلى صهر وعي الطلبة العرب وزعزعة قناعاتهم بهويتهم الفلسطينية، والاستعاضة بالمنهاج الفلسطيني بالمناهج الصهيونية"، موضحاً أنّ "إسرائيل تهدف لدمج السكان العرب في المجتمع الإسرائيلي بتخصيصها 875 مليون شيكل إسرائيلي لـ "أسرلة" التعليم في القدس، وشطب المنهاج الفلسطيني من المدارس العربية بالمدينة".

عدم اهتمام السلطة بالتعليم في القدس
ولفت إلى أنّ "الاحتلال فاقم من المشكلات التي تعاني منها المؤسسات التعليمية في القدس، وذلك من خلال تعدّد المدارس الموجودة في المدينة، وهو ما تسبّب بأن يكون هناك تضارب بالإشراف والإدارة على المدارس، وعدم توحيد العطل والامتحانات المدرسية، ما أدّى إلى تجاهل الاهتمام بالمدارس التي تدرّس المنهاج الفلسطيني، وعدم تزويدها بغرف صفّية جديدة، حيث تعاني هذه المدارس من نقص في 2461 غرفة صفية".

ولا تبدي السلطة الوطنية الفلسطينية، وفق عبيدات، أيّ اهتمام بتخصيص ميزانيات كافية لتطوير المدارس العربية بالقدس، وهو ما فتح الباب أمام المعلّمين للهجرة العكسية من المدارس التي تتبع السلطة إلى المدارس الإسرائيلية، لوجود فوارق وحوافز مادية مرتفعة، إضافة إلى طبيعة هذه المدارس التي تتميز ببنية تحتية عالية الجودة، على عكس المدارس الفلسطينية التي تكون غالباً عبارة عن بنايات مستأجرة غير مؤهلة للعملية التعليمية.

وأكّد عبيدات؛ أنّ "الخرّيج الفلسطيني لا يستطيع العمل في المؤسسات التعليمية داخل القدس إذا كان خريجاً من جامعات الضفة الغربية"، مبيّناً أنّ "الأولوية  في الوظائف لخريجي المدارس والجامعات العبرية؛ حيث لا يعترف الاحتلال بالشهادات الصادرة عن جامعة القدس أيضاً، التي يقدّر عدد طلابها بـ 12 ألف طالب، ويطلب منهم استكمال دراستهم في الكليات التابعة للجامعات الإسرائيلية، كنوع من معادلة الشهادة العلمية، وهو ما يدفع الطلبة العرب للاندفاع نحو المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيليّ، لسهولة الالتحاق بالوظائف بالقدس، وهو ما يترك آثاراً نفسية واجتماعية واقتصادية سيئة على بقية الطلبة والسكان الفلسطينيين بالقدس".
تقرير/ إبراهيم محمد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى