وهم المناصفة

> على مدى أكثر من عام، كثر اللغط والهرج والمرج بين أطراف اتفاق الرياض، ومن ضمنهم الراعي لاتفاقات الرياض وتنفيذه على أرض الواقع. جوهر الاتفاق يتمثل في تشكيل حكومة مناصفة يفترض بها خدمة الناس الذين أصبحوا يعانون أيما معاناة من الاختلالات الاقتصادية والأمنية والخدمية وكل البلاوي التي حملتها المرحلة. لا خلاف أو هكذا يفترض، أن الشأن المعيشي والحياتي بكل مناحيه الاقتصادي منها والتعليمي والأمني والصحي للناس والشعوب والنهوض بالأمة يفترض أن تشكل المحور الرئيس للعمل السياسي، بكل أدواته في السلطة أو في المعارضة. وبناء على ذلك، فالعمل أو الفعل السياسي، أيا كان منحاه، يجب أن يصب في كل حالاته في خدمة عملية استنهاض الأمة وتأمين الحياة الشريفة والكريمة للمواطن في هذا البلد أو ذاك.

الفاعل السياسي للشعب الجنوبي وقضيته، وهو في حالتنا المجلس الانتقالي الجنوبي ومكوناته التنظيمية، المفوض بإجماع الأغلبية الكبرى من شعب الجنوب. وعلى عاتق المجلس تقع المسؤولية السياسية والأخلاقية في تبني، وحلحلة وتصحيح الاختلالات التي يعانيها المجتمع الجنوبي. من خلال دراسة وتحليل تلك الاختلالات (وهي كثيرة) وإنتاج الحلول (وهذا بيت القصيد) لها، وتبني تلك الحلول وتحقيقها في الواقع العملي، في ظل الخواء وغياب شبه كامل لدور الدولة، التي لا توجد في الواقع.

إن المبدأ الذي يعمل عليه الحامل السياسي لقضية الجنوب (الانتقالي) في سياساته وهو المشاركة في السلطة عن بعد، هو مبدأ يحمل كثيرا من المجازفة بثقة الناس التي منحته ثقتها. وعليه أن يفهم أن منظومة الشرعية ومن يتبناها من دول التحالف سيسعون بكل الطرق الممكنة لإفشاله سياسيا ومجتمعيا، وقد حققوا من ذلك حتى الآن مكاسب سياسية وعسكرية يفترض في الأخوة في قيادة الانتقالي أن يعرفوها أكثر منا، نحن المواطنون البسطاء.

الحقيقة المرة التي يجب أن يواجهها المجلس، هو أنه طالما قبل التفويض الشعبي له، فعليه أن يتحمل المسؤولية كاملة، ذلك أنه في نظر الشعب، المجلس المفوض والقائد لهذا الشعب، لا سيما في المناطق المحررة من الجنوب.

والأمر كذلك، فإن المجلس الانتقالي بتكويناته المختلفة مناط به دوره القيادي والتنفيذي للرؤى التي يتبناها خدمة للمجتمع... وإن لم يكن الأمر كذلك فعلى ماذا تبنى أي نجاحات سياسية خارجية وما مدى جدواها إن لم تصب في مجرى حياة الناس الذي لا تجري مياه فيه، ولا تضاء دروبه المتشعبة وتكاد تنعدم الرؤية في مسالكه. إن التدهور الذي تعيشه المحافظات الجنوبية يحتم وجود قيادة تتحمل المسؤولية والمبادرة بصفتها مغرم وليست مغنما.

إن ازدواجية السلطة بين الشرعية والانتقالي في تقديرنا، قد أنتجت ضررا بينا ومعاناة يعيشها الشعب لا مجال لإنكارها. ومرور عام على اتفاق الرياض الذي أنتجت ولادته خدجا يسمى وهما بحكومة (المناصفة) كما يسمونها (وهي ليست كذلك عمليا). هذه الحكومة التي ستجمع خليطا غير متجانس بل ومتنافر غير قابل للمزج، أو حتى للتماهي مع متطلبات الحياة، ستكرس الازدواجية في السلطة وستتحول مصالح الناس التي لا تتعدى توفير الخدمات الأساسية إلى مادة للتجاذب والعك السياسي، وستدخل الناس في حلقة مفرغة، لا ينتج منها سوى المزيد من التعب والمعاناة، وهو ما سينعكس سلبيا على حامل المشروع الجنوبي، أكثر مما ستتضرر منه حكومة الفنادق التي لا يعنيها شيء سوى بقاء لعبة الاسترزاق قائمة. ولنا في تجربة الحوثي في محافظات الشمال عبرة، وليس عيبا أن تدرس تجربتهم وأن يستخلص المفيد منها في واقع متشابه كثيرا أو قليلا. أغيثونا فنحن شعب تدحرجه السنوات إلى الخلف بتواتر مريع، ونخشى أن نضمحل في غياهب ما هو أكثر من الماضي. ودمتم قادة مفوضين من قبلنا حتى وأنتم في المنافي، إلى أن يأتي يوم خلاصنا من عثراتنا القاتلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى