ليلة في كريتر..

> حين ردد ذلك الحضرمي نكتة عن عدن كان تلقائيا يبحث عن عدن وهو يردد كريتر، وحين فهم صاح: "كريتر، كريتر وهي الا عدن!". ونحن اليوم نستعيد تلك الحالة بطرافتها أو مأساويتها أو ما في الصورة من غرابة واشمئزاز، إذ توسعت حدود كريتر إلى شقرة التي يتترس بها الجنود والدبابات والراجمات والقذائف، كل هذا نحو عدن، وكل من في الخنادق في شقرة يمنون النفس باختراق الشيخ سالم ودخول كريتر. وصارت الأغنية أكبر، ومحرفة تحريفا مشوها من ليلة في الطويلة إلى ليلة في كريتر، وإلا ما جدوى أن يرابط المحاصرون لعدن في شقرة، ويدخل هذا الحصار أكبر مما تحدث عنه التاريخ في حصار مدن مثل "برست وليننغراد سابقا وفولغوغراد أيضا" .هنا تجاوزناه بما فيه من صور تراجيدية لا قبول لها في زمننا الحاضر ولا تفسير لها إلا من منطق أن الحرب لن تنتهي وأننا أمام سنوات من الجمر مقبلات.

كل ما في شقرة من عتاد وتآمر وحشد هو للقضاء على عدن رأس الجنوب. وأن ما يخفى من سيناريوهات ما هي إلا تحديد لتقسيم منطقي لمناطق الجنوب، عدن هي عدن، وحضرموت هي حضرموت، والمهرة هي المهرة، وما تبقى من شبوة مترابط بوادي حضرموت. هذه الخارطة المعقولة التي تفند ما معنى أن لا يتقدم أحد وأن لا يتراجع أحد وأن لا ينتهي كل منهما، ويدعمه أحد.

هناك تصور ليس لدويلات بل دول، وهناك توجه ليس لفتح الحوار بل إلزام الأطراف باتفاقيات ترى فيها الرياض مصالحها التي حلمت بها منذ زمن بعيد، وحان قطافها الآن في ظل ما تشهده البلد من حرب وجوع وتمزق هو ما يجري الاتفاق بشأنه سواء بعدت المسافة أو اقتربت إلا أن السعوديين ليسوا مستعجلين طالما هم موجودون وصاروا يستقطعون ما تيسر قبلا على الورق واليوم على الأرض.

هي كريتر نفسها عدن، وأي حلم ينتاب المقاتل حين تعلمه ويدخل في رأسه أن هناك مدينة بما بها من غنائم تنتظره، مع أن معظم الغنائم داخلها قد سلبت من الأشباح ومن هم بداخلها غير المتخندقين المنتظرين بشقرة.

ويبدو أن دخول عدن إيذان ليس بعودة صنعاء، فأمر الحكم بها هناك قد تم، ومن يستحي في الحديث من أن جماعه الحوثي قد نالت رضا الغرب، وتحصل على موافقات جمة ولا داعي لإحداث ضجيج لا يغني ولا يسمن من جوع، وهو للتضليل ليس إلا، وتمويه غبي حتى تتم التسويات وينتهي الأمر.

إذا انكسرت قوات الانتقالي في شقرة فإن التمزق قد حدث، وإن حضرموت والمهرة وعدن قد خرجت، وإن حبات العقد تبعثرت، وإن مسألة ظهور دول ومناطق وسيادات هي في الطريق، ولا أزعم امتلاك النبأ الموثوق، لكنني أرسم ما في مخيلة الواقع وما سيظهر عليه الحال الجيوسياسي حين نطعن الجسد وينزف، ونحن لا شك نفعل ذلك، بل وربما قد رسمت وتمت واقعا، ونحن ننفذ في غباء وإصرار. إذا من غير المعقول أن تنجح قوات الانتقالي بدحر المهاجمين بشقرة والتوجه إلى أبعد من ذلك لأن الطين لا زال مبلل بالذكرى، وأن من يتجاوز، ولو مغامرا، لن يفلح؛ لأن مصالح أخرى كبرى قد رسمت ما بعد شقرة شرقا.

التوقعات هي أن ما تبنته الرياض تكمله اليوم، ودعونا من ذكريات الخمسينات وما شابها وما بعد، نحن في زمن فاصل، وهو إما أن تكون ليلة في كريتر كما قالها الحضرمي الساذج قبل نصف قرن، أو أن حفيده الحضرمي الجديد يتجه بنا إلى حلم أراده السلطان القعيطي وفشل بضغوط بريطانية، يعاد بضغوط وأيادٍ تدخل من النافذة.

.هي شقرة من تحدد ماذا بعدها...!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى