بمناسبة ذكراها السنوية السابعة.. مجزرة الضالع ودور المحكمة الجنائية الدولية

> القاضي أحمد عمر بامطرف

> توصيفات قانونية تقتضي محاكمة دولية لمرتكبي مجزرة سناح
الجريمة لا تسقط بالتقادم وعلى "اللجنة الوطنية" تحريك ملف القضية
في مثل هذا اليوم 27 من شهر ديسمبر عام 2013م الذي كان يوم جمعة، ارتكب اللواء 33 مدرع المرابط في مدينة الضالع آنذاك بقيادة المجرم ( عبدالله ضبعان) مجزرة في منتهى الوحشية والبشاعة في منطقة سناح ضد حشد كبير من المواطنين المدنيين من أبناء الضالع أثناء تواجدهم في مجلس عزاء أقيم من أجل تقديم واجب التعازي والترحم على أرواح مجموعة من الشهداء من أبناء الضالع، حيث تم إطلاق قذائف الدبابات مباشرةً على المواطنين المتواجدين في مجلس العزاء وسقط من بينهم على الفور 22 شهيداً، بالإضافة إلى عشرات الجرحى من الشباب والأطفال والشيوخ، وقد توفي بعضٌ منهم متأثراً بجراحه.

وقد مثلت تلك المجزرة واحدة من أبشع ما شهدته الإنسانية على وجه الأرض من مجازر قتل وسفك دماء الأبرياء، وذلك نظراً للطريقة وللكيفية التي ارتُكِبت بها المجزرة والوسيلة التي استُخدِمت في ارتكابها والدوافع من وراء ارتكابها وزمان ومكان وقوعها، وهو ما يجعل هذه المجزرة البشعة تُرقى إلى مصافِ المجازر والجرائم الشنيعة التي ارتُكِبت ضد الإنسانية على مدى التاريخ الإنساني كمحرقة (الهولوكوست) التي ارتكبتها القوات النازية ضد اليهود في معسكرات الاعتقال التي نصبها النازيون في ألمانيا وبولندا خلال الحرب العالمية الثانية، وكذا مجازر القتل الجماعية التي ارتكبتها القوات الصربية ضد المدنيين من مسلمي البوسنة والهرسك خلال حرب الصرب ضد البوسنة عامي 1994/ 1995، وجرائم القتل الجماعية التي ارتكبتها مجاميع مسلحة من قبيلة الهوتو ضد المدنيين من قبيلة التوتسي في أوغندا، وغير ذلك من مجازر قتل جماعية في بلدان مختلفة من العالم.

كما أن مجزرة الضالع كغيرها من مجازر وجرائم القتل الجماعي التي وقعت في الآونة الأخيرة في اليمن كمجزرة مستشفى مجمع الدفاع (العُرضي) التي ّذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من الأطباء والممرضين والمرضى ومرافقيهم، وكذلك مجزرة ميدان السبعين ومجزرة كلية الشرطة اللتين ذهب ضحيتهما المئات من الشهداء والجرحى من العسكريين ورجال الأمن، وكذلك جريمة قتل الشيخ سعد بن حبريش مقدم قبائل الحموم ومرافقيه في حضرموت، وغيرها من جرائم قتل سابقة فهي جميعها مجازر قتل وحشية شنيعة.

فمن حيث التكييف القانوني (الوصف القانوني) لمجزرة الضالع وانعقاد الاختصاص القضائي في محاكمة مرتكبي تلك المجزرة، نستخلص الآتي:

أولاً / من حيث التكييف القانوني تتوافر في مجزرة الضالع التوصيفات القانونية الآتية:

1) جريمة ضد الإنسانية: لأن المستهدف بالقتل هو المواطن الإنسان بسبب ما يُطالب به من حقوق وحريات أساسية منزوعة منه أو منقوصة عليه كالهوية الوطنية والمواطنة المتساوية والمشاركة في السلطة والثروة وحرية التعبير والرأي، ومناهضة كافة أشكال التمييز العنصري والمناطقي والقبلي والمطالبة بحقه في أن يعيش حياة حرة وكريمة وآمنة.

2) جريمة إبادة جماعية: لأن المجزرة وقعت على جمع كبير من المواطنين المدنيين أثناء تجمعهم في مجلس عزاء، وكانت وسيلة القتل التي استخدمت في ارتكاب المجزرة هي الدبابة حيث أطلقت قذائفها مباشرةً على المواطنين المتجمعين في مجلس العزاء بشكلٍ عشوائي، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، والدبابة هي سلاح تدميري إذا استخدمت في قتل تجمعات من البشر فمن شأنها أن تؤدي إلى الإبادة الجماعية.

3) جريمة حرب: لأن القوات التي قامت بارتكاب المجزرة بقياداتها العسكرية هي في الأصل قوات حرب غازية أسقطت الوحدة التي قامت سلمياً بين دولتين واجتاحت الجنوب بالحرب التي شنتها عليه عام 1994م واحتلته منذ 7/ 7 من نفس العام ورابطت فيه وازدادت أفراداً وعدةً وعتاداً وعاثت في الجنوب فساداً منذ ذلك اليوم ولم تستجب قياداتها السياسية للقرارات الدولية والإقليمية بإيقاف الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات لحل النزاع سلمياً بين الطرفين الشريكين في دولة الوحدة ولم تنفذ تلك القرارات منذ غزو الجنوب واحتلاله وحتى وقوع المجزرة ومازالت إلى الآن، وتفاقمت معاناة ومظالم الشعب في الجنوب مما أدى إلى انبثاق حركة احتجاج شعبية واسعة في طول الجنوب وعرضه وتطورت إلى ثورة شعبية تُطالب باستعادة دولتهم.

ثانياً ) من حيث الاختصاص القضائي للتحقيق في هذه المجزرة ومحاكمة مرتكبيها:

الأصل أن القضاء الوطني هو المختص بالتحقيق والمحاكمة وفقاً للدستور والقوانين النافذة، ولأن السلطات المختصة في الدولة لم تقم بواجبها بإلقاء القبض على مرتكبي المجزرة وإحالتهم إلى القضاء الوطني للتحقيق معهم ومحاكمتهم طبقاً للقانون – رغم علم السلطة بالجهة التي ارتكبت المجزرة – فلذلك فإن محكمة الجنايات الدولية هي – وجهاز النيابة العامة التابع لها – الجهة المختصة للقيام بالتحقيق والمحاكمة في هذه المجزرة وفيما سبقها من مجازر وجرائم قتل سابقة مماثلة كمجزرة مستشفى مجمع وزارة الدفاع، ومجزرة ميدان السبعين، ومجزرة كلية الشرطة، وجريمة مقتل الشيخ سعد بن حبريش مقدم قبائل الحموم في حضرموت ومرافقيه وغيرها من مجازر أو جرائم قتل سابقة مشابهة لها.

ومن المعلوم قانوناً أن المحكمة الجنائية الدولية ومقرها العاصمة الهولندية لاهاي ينعقد لها الاختصاص في محاكمة مرتكبي هذا النوع من الجرائم والحكم عليهم وفقاً للقانون الجنائي الدولي باعتبارها جرائم ضد الإنسانية أو جرائم إبادة جماعية أو جرائم حرب، وذلك استناداً إلى اتفاقية روما المنشأة لهذه المحكمة والتي منحتها اختصاص النظر في مثل هذه الجرائم عند توافر إحدى حالتين:

1 - في حالة عجز السلطات والجهات المختصة في الدولة المعنية لأي سببٍ كان عن القيام بواجبها بالتحقيق والمحاكمة في مثل هذه الجرائم.

2 - في حالة انهيار الدولة ونظام الحكم فيها.

ففي حالة عجز الدولة عن القيام بالتحقيق وإجراء المحاكمة في مثل هذه الجرائم - لأي سببٍ كان - فما عليها إلا أن تطلب من المحكمة الجنائية الدولية مباشرةً أو عن طريق مجلس الأمن الدولي القيام بذلك حتى وإن لم تكن الدولة المعنية عضواً في المحكمة أو لم يسبق لها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية بإصدار تشريع وطني لإنفاذ اتفاقية روما المُنشأة لهذه المحكمة في تشريعاتها الوطنية والمصادقة عليها.

وقد سبق للجمهورية اليمنية التوقيع على اتفاقية روما بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998م التي وُضِعت خلال مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية الذي انعقد في روما بتاريخ 17يوليو 1998م، كما سبق للجمهورية اليمنية أن استضافت عام 2004م - في القصر الجمهوري بصنعاء تحت رعاية الأخ رئيس الجمهورية آنذاك – مؤتمراً إقليمياً حول الديموقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية حضره المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وبعض المسؤولين في المحكمة ووزراء خارجية الدول الخمس الكبرى وممثلين عن دول الإقليم وأمين عام جامعة الدول العربية وممثل عن الأمين العام للأمم المتحدة ووفود تمثل منظمة العفو الدولية ومنظمات دولية أخرى.

وبما أن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لا تسقط بالتقادم الزمني، لذلك يتعين على السلطات المختصة في الدولة حالياً وعلى وجه الخصوص اللجنة الوطنية العليا المكلفة بالتحقيق في مثل هذا النوع من الجرائم وفي قضايا انتهاكات حقوق الإنسان عموماً أن تولي جل اهتمامها وعنايتها بمجزرة الضالع البشعة ورصد ما سبقها من مجازر قتل أخرى مشابهة وتوثيقها وإجراء التحقيقات فيها، تمهيداً لإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية للمحاكمة، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، لا سيما وأن اليمن حالياً تحت الرعاية الدولية والإقليمية بموجب قرارات الشرعية الدولية الصادرة من مجلس الأمن الدولي، ومما لا شك فيه إن المحكمة الجنائية الدولية بما تملكه من إمكانيات وما تتمتع به من صلاحيات ووفقاً للقانون الدولي الجنائي – ومن خلال مجلس الأمن الدولي – قادرة بكل تأكيد على تعقب الجناة في مثل هذه الجرائم ومحاكمتهم ووضع حد لفقدان الأمن والمساهمة في إنهاء الحروب الأهلية والاقتتال وتحقيق السلام والاستقرار في ربوع الوطن، وذلك بدلاً من أن تكتفي السلطات والمنظمات المختصة في اليمن بإصدار بيانات الإدانة والاستنكار لوقوع هذه الجرائم وإرسال برقيات التعازي لأهالي الضحايا وتشكيل لجان متعددة للتحقيق وهو ما لا يجدي نفعاً في وقف النزيف الدموي والاقتتال والحروب الأهلية المأساوية المستمرة في الوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى