​بعد المصالحة الخليجية.. اليمن يتحوّل إلى ساحة سباق محموم بين السعودية والإمارات

> صالح المحوري

> أصبح أحمد عبيد بن دغر رئيساً لمجلس الشورى في اليمن، وفقاً لقرارات جمهورية أصدرها الرئيس عبدربه منصور هادي من الرياض في الخامس عشر من يناير الجاري، في خطوة من المرجح أن تُمثّل مرحلة أخرى مختلفة من السباق بين السعودية والإمارات في اليمن، بُعَيد عقد المصالحة مع قطر.
وبن دغر سياسي يمني بارز من محافظة حضرموت النفطية، وهي كبرى محافظات البلاد، وينتمي للجناح التابع لهادي في حزب "المؤتمر الشعبي العام"، وكان تقلّد رئاسة الحكومة اليمنية من أواخر عام 2015 حتى أكتوبر عام 2018، عندما أُقيل من منصبه وأُحيل للتحقيق على خلفية فشل إدارته للحكومة، قبل أن يُعيَّن مستشاراً للرئيس اليمني بعد عام من قرار إقالته في أكتوبر 2019.
ويأتي قرار تعيين بن دغر في هذا التوقيت، عقب إعلان المصالحة مع قطر مطلع الشهر الحالي، في سياق تجديد سباق تمكين الحلفاء بين الرياض وأبوظبي في اليمن، من دون أن يكون قد توقف عملياً أثناء المقاطعة.

دوافع السعودية ومخاوف الإمارات
تسعى الرياض إلى تثبيت رئيس مجلس الشورى المُقرّب منها في موازاة تصاعد الحضور السياسي القوي لحلفاء الإمارات الممثل بوجود رئيس البرلمان الشيخ سلطان البركاني، وهو أيضاً رئيس كتلة حزب "المؤتمر الشعبي العام" في البرلمان المنتهية ولايته منذ عام 2009.
وكانت أبوظبي قد دعمت إنشاء "المجلس الانتقالي الجنوبي" في 27 أبريل 2017، عقب قرار الرئيس اليمني الإطاحة بمحافظي خمس محافظات جنوبية، هي عدن ولحج والضالع وشبوة وحضرموت، إضافة إلى إقالة وزير الدولة هاني بن بريك الذي أصبح نائباً للمجلس الانتقالي وهو رجل دين سلفي مثير للجدل.

وشمالاً، تبنّت الإمارات دعم بقايا جناح "المؤتمر الشعبي العام" التابع للرئيس السابق علي عبدالله صالح عقب مقتل الأخير على يد الحوثيين في الرابع من ديسمبر عام 2017، بعد تحالفهما معاً ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً منذ سبتمبر عام 2014.
يعكس هذا التنافس سعي الطرفين لتثبيت حضورهما، في خطوة استباقية من الرياض وأبوظبي لقطع الطريق أمام محاولات الدوحة استعادة جزء من حضورها الفعلي عبر الحلفاء المحليين لها في محافظتي شبوة وحضرموت وتعز، بعد أن كانت تراجعت خلال السنوات التي شهدت قرار مقاطعتها من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

بين التحكم بـ "المؤتمر الشعبي العام" المنقسم بين صنعاء والرياض وأبوظبي، والسعي للسيطرة على المؤسسات الدستورية... التنافس بين أبوظبي والرياض في اليمن يحتدم، فيما مثّل تعيين رئيس مجلس الشورى الجديد المدعوم سعودياً أحدث فصوله، وتتواجد قوات عسكرية تخضع لنفوذ حزب "التجمع اليمني للإصلاح" في محافظة تعز التي يسيطر الحوثيون على بعض منافذها وأجزاء محدودة منها، إضافة إلى تواجد قوات أخرى موالية للحزب الذي يمتلك علاقات جيدة مع الدوحة في مناطق وادي حضرموت ومحافظة شبوة.

ولم تتوقف التدخلات القطرية في اليمن، بحسب أحاديث مسؤولين خليجيين في الدول التي أعلنت مقاطعة الدوحة خلال فترة الأزمة معها، ولكن إعلان المصالحة مع قطر يمنح الأخيرة الفرصة لتفعيل حضورها السياسي والعسكري.
هذا الاحتمال يزيد الضغوط على الرياض وأبوظبي لحسم السباق بينهما على مناطق النفوذ في محافظات شبوة وحضرموت وعدن، وفي منطقة شريط الساحل الغربي الممتدة من مدينة المخا في محافظة تعز، وصولاً إلى المديريات الواقعة على ساحل البحر الأحمر في محافظة الحديدة.

أدوات السباق بين السعودية والإمارات
يبرز التنافس في محورين يُمثّلان خطوات استباقية للدولتين الخليجيتين لضمان مصالحهما في اليمن مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، واستباقاً لانفكاك أهدافهما عن بعضها بعدما كان يجمعهما قاسم مشترك هو النزاع مع قطر.
ويتضمن المحور الأول صراعاً عبر أجنحة حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي تشظّى إلى ثلاثة أجنحة بين صنعاء والرياض وأبوظبي.

بينما برز تياران من الحزب يتبعان الرئيس الحالي والرئيس السابق بعد بدء الأزمة بينهما على خلفية تحالف الأخير مع الحوثيين، ظهر تيار ثالث من صنعاء عقب مقتل صالح. وتدعم السعودية الجناح التابع لهادي، فيما تتبنى الإمارات موقفاً مؤيداً للتيار التابع لصالح الذي يتوزع أعضاؤه بين القاهرة وأبوظبي ودولاً أخرى.

ولا يتوقف السباق بين الرياض والإمارات عند هذا الحد، إذ يسعى الجانبان إلى تمكين حلفائهما من قيادة المؤسسات الدستورية في البلاد.
تمتلك الإمارات الثقل الأكبر مع قربها من قيادة البرلمان اليمني عبر سلطان البركاني، إضافة إلى وجود المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يُحكم سيطرته على مدينة عدن، عاصمة البلاد ومقر الحكومة الحالي، فيما تمثل مساعي الرياض في الدفع ببن دغر الذي يحمل الجنسية السعودية فرصة لتثبيت حضورها في اليمن من الناحية السياسية، استباقاً لتطورات ما قبل الحل النهائي في اليمن وما بعده، ومن جهة ثانية تريد السعودية من قرار عودة بن دغر التمهيد للدفع بالرجل لمنصب أكبر في ظل تزايد خلافاتها مع هادي.

هناك علاقة بين قرارات الرئيس المثيرة للجدل مؤخراً وبين سباق النفوذ بين الإمارات والسعودية في اليمن، خصوصاً حول السيطرة على المناطق المحررة، بما فيها عدن وسقطرى وشبوة والمهرة"، يقول الصحافي والمحلل السياسي اليمني ماجد الداعري.
يضيف الداعري، في حديثه لرصيف 22، موضحاً أن هذه القرارات أعادت إلى الواجهة شخصيات محسوبة على السعودية، وتحمل جنسياتها أيضاً مثل بن دغر الذي كان أُقيل من رئاسة الحكومة وأُحيل للتحقيق بتهم الفساد والفشل في إدارة الدولة والمساعدات، قبل حوالي عامين.

يُعلّق الداعري: "المملكة ضغطت لإعادة بن دغر مستشاراً رئاسياً دون قرار براءة من التهم التي وُجّهت إليه عقب إقالته وإحالته للتحقيق من قبل الرئيس هادي، ومؤخراً دفعت به لرئاسة مجلس الشورى رغماً عن هادي الذي يخوض معه تنافساً محموماً على قيادة حزب المؤتمر، علماً أن مواقف الرجلين تتلاقى حول رفض التواجد الإماراتي في جزيرة سقطرى".

وبالنسبة للدوحة فهي مستفيدة من هذا السباق بين السعودية والإمارات، وإن بشكل غير مباشر، لكنها تستطيع البناء على ذلك بعد المصالحة، وإعادة تمرير دعمها لحلفائها في منظومة الحكومة الشرعية، في إشارة إلى "التجمع اليمني للإصلاح"، وفق الداعري.

الصراع على النفوذ في المناطق المحررة
تُسيطر قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعومة من الإمارات بشكل فعلي على محافظات عدن ولحج والضالع وسقطرى وخمس مديريات من أصل 11 مديرية في محافظة أبين، لكن هذه السيطرة تواجه اختباراً جدياً قادماً، إذ يتضمن اتفاق الرياض الذي تشرف عليه السعودية دمج قوات المجلس مع وزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة المعترف بها دولياً.

ووقّعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي على الاتفاق الذي أنهى الصراع بينهما في الخامس من نوفمبر 2019، لكن تنفيذه تعثر لمدة عام كامل مع تجدد القتال في أبين، قبل أن تنجح السعودية في إحداث اختراق مع بدء الانسحابات العسكرية المتبادلة بين الطرفين من مناطق التماس، وإعلان الحكومة الجديدة في مطلع ديسمبر الماضي.

وينص الملحق العسكري لاتفاق الرياض على خروج القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي من عدن، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، إضافة إلى دمج قوات المجلس في المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للحكومة.
يُسيطر "الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً على محافظات عدن ولحج والضالع وسقطرى وخمس مديريات في أبين، لكنه يواجه اختباراً جدياً مع "اتفاق الرياض" القاضي بدمج قواته في إطار الحكومة المعترف بها دولياً... محاور التنافس الإماراتي السعودي في اليمن ومآلاته، ودعمت الإمارات إعلان الحكومة الجديدة المنبثقة عن اتفاق الرياض، والتي ضمت أربعة وزراء من "الانتقالي" للمرة الأولى، لكنها في المقابل تخشى من أن يؤدي تطبيق الملحق العسكري لاتفاق الرياض إلى إضعاف حضورها، لصالح الرياض والدوحة معاً، بعد أن سلمت قيادة التحالف في عدن للقوات السعودية، وقلصت أعداد قواتها بالتزامن.
وتبرز مخاوف الإمارات بشكل مزدوج من السعودية وقطر، ففي حين تعتقد أبوظبي أن المصالحة مع قطر ستتسبّب في عودة نشاط الأخيرة من داخل الحكومة المعترف بها دولياً، عبر "الإصلاح"، تمثل مساعي السعودية في الإسراع بتطبيق الشق العسكري لاتفاق الرياض رسالة بالغة القلق للإمارات.

تريد الإمارات ضمان إبقاء قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل مستقل عن المؤسسات الحكومية، لضمان التحكم بمسار تحركها بما يساعدها على ممارسة الضغط على حكومة هادي، والاحتفاظ بمصالحها في عدن وسقطرى، والحفاظ على عملية توازن القوى مع السعودية التي نجحت في تحييد القوات الإماراتية في حضرموت الساحل وشبوة، رغم وجود قوات محدودة تابعة لأبوظبي.

وتسعى السعودية إلى تطبيق الملحق العسكري لاتفاق الرياض لاحتواء قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، وهو ما يمثل بشكل مباشر تقليصاً للحضور الإماراتي، إضافة إلى إعادة تحريك قوات الحكومة و "الانتقالي" لقتال الحوثيين في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب.

مآلات الصراع
يقول الباحث والصحافي صلاح السقلدي، في حديثه لرصيف 22، إن العلاقة بين السعودية والإمارات في اليمن هي علاقة تنافس وسباق وليس خلافات، مشيراً إلى أن التنافس بين الدولتين الخليجيتين على أشده في المحافظات الجنوبية.
يضيف السقلدي: "استطاعت السعودية أن تزيح الإمارات من المهرة، وهو ما اضطر أبوظبي إلى التوجه صوب جزيرة سقطرى في البداية، ثم تعزيز حضورها في منطقة الساحل الغربي إضافة إلى تواجدها في ساحل حضرموت".

ويشير السقلدي إلى استحالة تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض كما ورد، لأن ذلك يعني تقليم أظافر المجلس الانتقالي ونزع مخالبه، وهو الخيار الذي لن يقبله الأخير لأنه مرتبط أساساً بعنصر وجود "الانتقالي" في الساحة السياسية.
"الإمارات ستعمل على إفشال عملية التجريد العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي من خلال اتفاق الرياض"، يتابع السقلدي لافتاً إلى أن أبوظبي تملك أوراق ضغط من بينها ملف القضية الجنوبية وشعبية المجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظات الجنوبية.

تستطيع السعودية أن تقوم بتحييد الحضور الإماراتي في مناطق حضرموت الداخل (وادي حضرموت)، لكنها لا تستطيع أن تقوم بالشيء ذاته في مناطق ساحل حضرموت حيث تتواجد قوات إماراتية في مطار وميناء مدينة المكلا.
وبرأي السقلدي، فإن الإمارات تدرك أنه ليس بوسع السعودية فرض كل شروطها في الملف اليمني، إذ بات الأمر أكبر من طاقة الرياض، وبالتالي تعرف أبوظبي أن بوسعها أن تنتزع ما تطمح له في اليمن.

في المقابل، تستطيع السعودية أن تقوم بتحييد الحضور الإماراتي في مناطق حضرموت الداخل (وادي حضرموت)، لكنها لا تستطيع أن تقوم بالشيء ذاته في مناطق ساحل حضرموت حيث تتواجد قوات إماراتية في مطار وميناء مدينة المكلا، عاصمة المحافظة النفطية.
أما الوضع في محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، فهو وفق السقلدي يسير صوب مناصفة محتملة في الحضور بين الرياض وأبوظبي، إذ يقول إن السعودية وشركاءها لا يمكنهم السيطرة على المحافظة بشكل عام، وهو الحال بالنسبة للإمارات وحلفائها في قوات النخبة الشبوانية.

وفي محافظة شبوة، ثالث كبرى محافظات اليمن من حيث المساحة، تؤول السيطرة الإدارية والعسكرية إلى القوات الحكومية اليمنية، إضافة إلى وجود قوات سعودية في مدينة عتق عاصمة المحافظة، لكن الإمارات لا تزال تُحكم سيطرتها على ميناء بلحاف للغاز المسال في المحافظة، على ساحل البحر العربي.

وتعوّل الإمارات وكذلك يفعل حلفاؤها في المجلس الانتقالي الجنوبي على قوات النخبة الشبوانية، والقاعدة الجماهيرية المؤيدة للمجلس.
والنخبة الشبوانية هي قوات محلية دربتها الإمارات ودعمتها، وكانت قد أحكمت سيطرتها على شبوة خلال الثلاث السنوات الماضية، قبل أن تُهزم خلال المواجهات مع القوات الحكومية في سبتمبر عام 2019، وغادرت بعد ذلك إلى عدن، لكن وحدات منها لا تزال تتواجد في بلحاف برفقة القوات الإماراتية وفي موقع أمني آخر بالقرب من المنشأة الغازية.

و "بخصوص الوضع في جزيرة سقطرى فهو ليس خطيراً من الناحية العسكرية، بحكم البعد الجغرافي للجزيرة. حسمه في المناطق البرية التي تشهد الصراع، سينعكس على الجزيرة بطبيعة الحال، لكن المجلس الانتقالي يبدو أنه يمسك بزمام الأمور برضى سعودي على مضض، إثر الضغوطات التي تتعرض لها الرياض من قبل الحكومة الموالية لها ومن حزب الإصلاح لإخراج قوات الانتقالي من الجزيرة أو تحجيم حضوره"، يعلق الصحافي والباحث اليمني.

وفي مايو 2018، عززت الإمارات حضورها في سقطرى ما أدى إلى اندلاع أزمة بين الحكومة اليمنية وأبوظبي، قبل أن تتدخل السعودية لتقلّص الإمارات حضورها هناك، لكن المجلس فرض سيطرته على الجزيرة مجدداً في 21 يونيو العام الماضي.
ويشير السقلدي في ختام حديثه إلى أن حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الذي يملك علاقات جيدة مع قطر، يتطلّع لأن يكون لتركيا دور عسكري في الحرب اليمنية، وهي التي تتواجد في القرن الأفريقي بالقرب من الجزيرة المهمة.

"رصيف 22"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى