عبقرية آبائنا

> "الصحة يا ابني تبدأ من قدميك وليس من رأسك"، قائل هذه العبارة الطبية ليس ابن سيناء أو وليم هارفي، لكنها تنسب لوالدي رحمة الله عليه.
كان والدي يعود إلى البيت عندما يأتي المساء، ثم يضع قدميه المكدودين في ماء دافئ مطعم بالملح.

يقوم أحدنا بتدليك قدميه تحت الماء الدافئ المالح، كان يغمض عينيه وكأنه يفرغ منسوب آلامه من قدميه، كنت أقرأ على صفحات وجهه راحة عجيبة يتلذذ بها مبتسما منشرح الأسارير. لم أفهم السر في ذلك الوقت، بل إنني كنت أبدي له تبرمي من هذه العادة شبه اليومية، لكن عندما انتصفت في الخريف وتساقطت بعض الأوراق من شجرة ربيعي، أدركت أن والدي عبقري بحق.

الأسبوع الماضي لفيت قريتي الريفية كعب داير، وكأنني (عمو فؤاد)، "لا سبت شارعاً ولا بيتاً"، عدت إلى البيت وكل عضلة في جسدي تصرخ من التعب، بالكاد كانت قدماي تحملانني مع العلم أن وزني في وزن الريشة أو الذبابة.
فجأة قفزت العبارة السابقة إلى رأسي المفلطح، عادت بي الذاكرة إلى الوراء خمسة و عشرين عاماً، كانت عبارة والدي ترن في رأسي، لماذا لا أجرب بنفسي نظرية أبي التي طالما رددها على مسامعنا صغاراً: صحة بني آدم تبدأ من أسفل وليس من أعلى، اهتم بقدميك تزول آلامك.

وضعت قدمي في ماء دافئ فص فيه الملح وذاب، بعد قليل شعرت براحة عجيبة مصحوبة باسترخاء تام لكل عضلات جسمي، ليس هذا فحسب، بل إنني أحسست أن شوائب عالقة في عضلات جسدي النحيل سقطت في الماء الدافئ، أو بعبارة أدق امتصها الماء المالح الدافئ وخلصني من سمومها.
تعجبت، يا سبحان الله، آباؤنا وأجدادنا لم يدرسوا طباً، ولم يقرؤوا يوماً مرجعاً لابن النفيس، فكيف ترجموا لغة الجسد بهذه الدقة؟ كيف اكتشفوا مواضع نقاط الطاقة في أجسامهم بهذه البساطة، قادتهم لممارسة علاج طبيعي فعال، وفي منطقة كنا نظن أنها بعيدة تماماً عن مركز التحكم بخلايا الجسد؟

فضولي دفعني للبحث عن أهمية القدمين بالنسبة لصحة الإنسان، اندهشت أن كل كلمة قالها أبي كانت تستند إلى مراجع طبية لها مكانتها.
الصينيون مثلاً، كانوا يفحصون مرضاهم من أرجلهم أولا، وعند العلاج بالإبر الصينية الشهيرة يرسمون على القدم نقاطاً وهمية أسموها نقاط الطاقة.

انتبهوا أيها السادة، نحن نقضي ثلاثة أرباع حياتنا في الكلام، نفشل دوماً في ربط ألسنتنا، مع أن الكوميديان (عادل إمام) أول من قال في مدرسة المشاغبين: كل واحد يخلي باله من لغاليغه، نعتني بألسنتنا رغم مرارة ما نحصده من تجاوز، ونغفل العناية بالقدمين مع أنهما مركز الثقل، ووقودنا في المسرات والملمات.

لاحظوا المسافة الكبيرة بين موضع القلب وأخمص القدم، ومع ذلك، فإن أي مشكلة طارئة في القدم تؤثر على عضلات القلب، وتحرض المخ على إطلاق صافرة إنذار بوجود خلل ما في الجسم، سبحان الله الذي علم الإنسان ما لا يعلم!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى