إحراق المهاجرين الأفارقة.. جريمة قتل يحاول الحوثيون دفنها

> تقرير/فاطمة العنسي:

> ببشرة سمراء وأجساد هزيلة، يخيل إليك وأنت تنظر إلى بؤسهم وقلة حيلتهم، أنك تنظر إلى اليمني في بلاد المهجر، نظرة متقاربة للخوف من الجوع والفقر والضياع.
فارون من الصراع الدامي والفقر المتصاعد، إلى بلد أكثر صراعًا وفقرًا، لم تشفع لهم أجسادهم النحيلة ونظرتهم المسكونة بالألم، وتحملهم لمشقة السفر سيرًا على الأقدام من منازلهم إلى الصومال ثم اليمن، النجاة من الموت الذي يلاحقهم أينما حلوا وأينما سكنوا.

بلغته غير المفهومة، والمليئة بالدموع، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو لأحد الناجين يبكي بني جنسه، وهم جثث متفحمة متكدسة فوق بعضها، جراء الحريق الذي اندلع في مركز احتجاز بداخل مصلحة الجوازات في العاصمة صنعاء، والذي كان يضم نحو 600 من المهجرين الأفارقة، أغلبهم من إقليم أورومو، جنوب إثيوبيا، المتاخم للصومال.

وأدى ذلك إلى وفاة نحو 60 شخصًا، وإصابة ما يقارب 150 آخرين، أغلبهم إصابتهم خطيرة، فيما لاتزال أعداد الوفيات في تزايد مستمر، يتوزعون على عدد من المستشفيات الحكومية، وفق مصادر طبية.

ماذا حدث في مركز الاحتجاز قبل الحريق؟
تكتمت جماعة الحوثي سلطة الأمر الواقع، عن الحادثة، رافضة دخول أية منظمة دولية أو لجنة تحقيق إلى المكان لمعاينته، وفرضت طوقًا أمنيًا مشددًا، وذلك بعد اتهامهم بالقيام بدفن الجثث بشكل جماعي، بعد يوم من نشوب الحريق، وذلك لإخفاء الرقم الحقيقي لأعداد القتلى، لذلك لا يريدون لأية جهة أن تدخل لتعاين المكان، وفق جمدا سوتي، رئيس شبكة مستقبل أوروميا للأخبار، لوسائل إعلامية، والذي يعيد سبب ما حدث للمهاجرين إلى تعرضهم لسوء معاملة وسجن تعسفي من قبل سلطة الحوثيين، وقد طالب المحتجزون بإطلاق سراحهم والعودة إلى وطنهم، ولكن السلطات اشترطت عليهم دفع مبلغ مالي تجاوز 500 دولار لكل شخص، أو الذهاب إلى جبهات القتال لفترة معينة، ومن ثم إطلاق سراحهم.

وتابع سوتي أن المحتجزين رفضوا العرض، وبدأوا في تنفيذ إضراب مفتوح عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنهم، فقام الحراس بضربهم ومعاملتهم بسوء لردعهم عن الإضراب، وتطور الأمر إلى مشادات كلامية بين الطرفين، قبل أن يتحول إلى عراك بالأيادي، انتهى بتدخل قوة مكافحة الشغب بإلقاء قنبلتين مسيلتين للدموع، فقام أحد المحتجزين بإلقاء بطانية على القنبلة، مما أدى إلى نشوب الحريق.

جريمة قتل متعمدة
ويعد فعل الإحراق المتعمد بإلقاء قنابل حارقة تجاه المهاجرين المحتجزين، جريمة قتل متعمدة وإبادة جماعية كانت ختامًا لسلسلة من الجرائم المرتكبة ضدهم، بالإضافة إلى جريمة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والقاسية باستخدام الضرب والإجبار على إنهاء الإضراب عن الطعام، واقتراف تلك الأفعال بدوافع من أشكال التمييز العنصري القائم على أساس عرقي، كما يقول نجيب الوحيشي، المستشار القانوني، وعضو الفيدرالية اليمنية لحقوق الإنسان.

ويضيف الوحيشي لـ"المشاهد" أن كل تلك الجرائم تعد خرقًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي منها اتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة في ديسمبر 1984، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في ديسمبر 1990، والاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم، والاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين 1951، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ديسمبر 1965.

ويتابع: "يجب تذكير سلطة أنصار الله (الحوثيين) بأن قتل ابن السبيل (المهاجرين) جريمة إنسانية، فأولئك المهاجرون من المصارف الثمانية للزكاة، والذين يوجب الدين الإسلامي شمولهم بالحماية والرعاية والضمان الاجتماعي، وما كان ينبغي الانتقاص من آدميتهم وكرامتهم الإنسانية، فهم إخوتنا أبناء حام بن نوح، وأحفاد بلال بن رباح، محذرًا بأن عدم الاكتراث لهول تلك الجريمة ومحاولة إخفاء معالمها وإفلات مرتكبيها من العقاب، عواقبه وخيمة، وهو ما ينبغي عليهم السماح بإجراء تحقيقات كافية في تلك الجريمة وكشف نتائجها للرأي العام وإحالة المتورطين للمحاكمة العادلة إنصافًا للضحايا".

حالة من تعتيم المشهد
المؤسف أن الجريمة شهدت حالة من الصمت الكبير بفعل حالة من تعتيم المشهد التي فرضت من قبل سلطات الأمر الواقع في صنعاء، يقول الكاتب والباحث اليمني نبيل البكيري، لـ"المشاهد"، مضيفًا أن السلطات الحوثية قامت بمصادرة وملاحقة كل من يمتلك جوالًا يحوي مقاطع وصورًا للحادثة من اللاجئين الأفارقة.

ويلفت البكيري إلى أن بعض المنظمات تناولت الموضوع ببعض التحايل على بعض تفاصيل الحادثة، ومحاولة توظيفها خارج إدانة المتسبب بها. "باعتقادي لن تستطيع جماعة الحوثي إنكار الجريمة بعد أن تسربت عدد من الروايات عن ناجين وأهالٍ للضحايا حول الجريمة، وبدأ انكشاف الكثير من المعلومات، وكل يوم تتكشف معلومة جديدة، عدا عن وجود منظمات ونشطاء لهم علاقة النشاط العام"، يقول البكيري.

وفي سياق متصل، أدانت منظمة الهجرة الدولية، الجريمة البشعة، داعية الجهات المعنية إلى إطلاق سراح جميع المهاجرين المحتجزين في البلاد، وتجديد الالتزام بتوفير خيارات تنقل آمنة ومُنظَّمة للمهاجرين.
وقالت الهجرة الدولية إن العديد من المهاجرين المصابين في حالة حرجة، ويجب أن تكون تلبية احتياجاتهم الصحية أولوية عاجلة.

وأضافت: "نحن نواجه تحديات في الوصول إلى الجرحى بسبب التواجد الأمني المكثف في المستشفيات".
وقالت كارميلا غودو، المدير الإقليمي لمكتب المنظمة الدولية للهجرة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "في حين أن سبب الحريق ما يزال غير مؤكد، إلا أن تأثيره مرعب بشكل واضح".

وعلى مدى سنوات كانت اليمن، ولاتزال حاضنة لكل الأطياف البشرية دون التمييز لعرق أو جنس، ولم يشهد المجتمع جريمة هزت الشارع اليمني كجريمة "جوازات صنعاء"، يقف الجميع أمام تساؤلات جمة، أهمها هل ستتم محاسبة الجناة؟ وما أرخص الإنسان في بلدي.
وكان موقع "المشاهد" كشف في تحقيق سابق نشر مطلع العام الجاري، عن ابتزاز جماعة الحوثي للاجئين أفارقة مقابل الإفراج عنهم من مراكز احتجاز.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى