السلطة القضائية.. استمرار التهميش والتمييز ضد منظومة القضاء الجنوبية

> عدن «الأيام» قسم التحقيقات

>
  • قضاة جنوبيون: ترشيح الموساي نائبا عاما تتويجا لمساعٍ حزبية للسيطرة على المنصب منذ  2012
  • جهود النائب العام السابق في فتح ملفات فساد كبرى عجل الإطاحة به من منصبة

> الحرب التي تشهدها البلاد مست القضاء وهناك كثير من التشابه بين بلادنا اليوم وحال فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ففي فرنسا عقب تحريرها من الغزو النازي، سأل شارل ديغول صديقه أندريه مارلو: كيف حال القضاء؟ فأجابه: "إنه ما زال ببعض الخير"، هنا قال ديغول: "إذن، نستطيع أن نبني فرنسا من جديد". وفي بريطانيا تفشت الرشوة أثناء الحرب العالمية الثانية وبلغ الأمر إلى تشرشل فسأل «هل وصلت الرشوة إلى القضاء؟»، فرد عليه «لا»، فقال تشرشل: «إذن بلدنا في أمان وبخير».

إن أهمية وقيمة القوانين هي في أن يطبقها قضاة مستقلون ومحامون أحرار. تعمل السلطة القضائية في الدول المتقدمة في كنف الاستقلالية، وتربطها علاقة تكامل وتعاون بالسلطتين التشريعية والتنفيذية. بعكس ما هو حاصل في اليمن فإن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالسلطة القضائية علاقة هيمنة وسيطرة، حيث تتدخل السلطتان التشريعية والتنفيذية تدخلا صارخا في أعمال المنظومة العدلية، وتبسطان إرادتهما بالسيطرة عليها ضمن محاصصة حزبية مقيتة، عملت على تدمير منظومة القضاء، واستخدامها كطريق معبد من أجل التمكن من مفاصل الدولة.

وتعصف بالسلطة القضائية التجاذبات السياسية، رغم أن الدستور والقانون أولى أهمية كبرى للسلطة القضائية، وأوضح في العديد من مواده أن القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وإنفاذ الدستور وحماية الحقوق والحريات العامة، والقضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون. التدخلات التي عانت منها السلطة القضائية مؤخرا كانت السبب الرئيس بأن ينتفض القضاة للتعيين المخالف للقانون للنائب العام الجديد العميد أحمد الموساي، الذي يراه العاملون في سلك القضاء شخصا "ينتمي للمؤسسة العسكرية" ولم يتدرج في العمل لقضائي، وتم منحه عشر درجات قضائية دفعة واحدة بمجرد تعيينه بمنصب النائب العام، ترقيته 9 درجات دفعة واحدة يحتاج لبلوغه نحو 30 عاماً من العمل في القضاء ويرون أن التعيين نفسه الهدف منه سيطرة العسكر المؤطرين تنظيميا والتابعين لحزب الإصلاح في القضاء، مما سيفقد القضاء جوهره وقيمته، وهي تحقيق العدالة.

رسم توضيحي
رسم توضيحي

تعيين الموساي دفع إلى مواجهة بين نادي القضاة الجنوبي والمجلس الأعلى للقضاء، فتم رفع دعوى ضد قرار التعيين، وفصلت المحكمة الإدارية بتعليق قرار التعيين لحين الفصل بالدعوى من قبل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، كما أن نادي القضاة الجنوبي، وبسبب تنصل مجلس القضاء عن مسؤوليته تجاه ما يجري في منظومة العدالة وآخرها التعيين المخالف للقانون الخاص بالنائب العام، الذي أعلن الإضراب حتى إلغاء القرار، وتوسعت مطالبه إلى إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى بشكل جذري لحل الإشكالات التي يواجهها القضاة. في ظل مجلس قضاء هش وهزيل أضعف القضاء والقضاة، وعندما تسارعت الأحداث، وتم التصعيد تجاه مجلس القضاء والقرار الرئاسي، وحتى تنأى بنفسها مما يحدث سربت مؤسسة رئاسة الجمهورية أن تعيين الموساي لم يات منها بل بترشيح من مجلس القضاء لتخرج نفسها من الورطة التي حدثت، بينما استمر نادي القضاة الجنوبي في السعي إلى إصلاحات عميقة تمنع تكرار هذه الحادثة.

وقال أحد القضاة :"يكفي فقط أن ترى قرار التعيين لتكتشف أنه مخالف لقانون السلطة القضائية، فالتعيين استند على قانون الخدمة المدنية في بداية ديباجته وليس على قانون السلطة القضائية".

بحسب مصادر في رئاسة الجمهورية فإن قرار تعيين الموساي جاء بترشيح من القاضي حمود الهتار رئيس المحكمة العليا عضو مجلس القضاء الأعلى، لكن القضاة في عدن يرون أن الترشيح نفسه هو تتويج لجهود حزبية تسعى للسيطرة على هذا المنصب منذ 2012م، وكان تعيين القاضي علي الأعوش، المتحدر من محافظة مأرب، حجر عثرة في وجه تلك الجهود. حيث أن الدكتور الأعوش محسوب على حزب المؤتمر الشعبي العام، وحصل على دعم نادي القضاة الجنوبي منذ تعيينه، وبحسب القضاة فالرجل حقق الكثير للقضاء والقضاة خلال فترة عمله من خلال إعادة تأهيل مقرات النيابة التي تعرضت للتدمير أثناء الحرب وتجهيزها وإعادة فتحها وتشغيلها.

ولكن كان سعي النائب العام السابق علي الأعوش إلى فتح ملفات فساد كبرى هو ما عجل بالإطاحة به من منصبة وتنصيب شخص أخر محسوب على حزب التجمع اليمني للإصلاح. في جميع الأحوال، يجمع القضاة بأن الأعوش عمل بتناغم كبير مع نادي القضاة الجنوبي لخدمة القضاء والقضاة، وحقق الكثير خلال فترة عملة.

لكن نادي القضاة الجنوبي يرى الموضوع بالكامل الآن من زاوية أخرى حيث يشكو القضاة الجنوبيون من انعدام الحماية لهم و استمرار التهميش والتمييز ضدهم من قبل مجلس القضاء الأعلى بالإضافة لأسباب جوهرية تمس حياة القضاة أنفسهم.

وقال قاض لـ«الأيام»: "نحن نعمل بدون حماية، تخيل أن أحكم على سجين في قضية إرهاب حكم عليه بالإعدام تم الإفراج عنهم بالأحداث الأخيرة أجده يواجهني في سوق وهو مسلح وأنا أعزل بدون حماية". وبالفعل فقد تم قتل العديد من القضاة خلال السنوات الماضية، منهم القاضي محسن علوان رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة وأربعة من مرافقيه، والقاضي عبدالهادي المفلحي، والقاضي جلال السعدي، وكل هذه الجرائم لم يتم القبض على منفذيها.

و في سياق إعداد هذا التقرير حصلت «الأيام» على السجلات المالية لمجلس القضاء الأعلى وهيئاته من وزارة المالية التي أظهرت تبديد مليارات من الريالات في ظل تقسيم الميزانية المقدرة بـ (32) مليار توزع (2) مليار ريال لصالح المحكمة العليا (على الرغم من أن لديها دائرتين فقط من أصل ثمان وعدد قليل من الموظفين) ومليار وستمائة مليون ريال لصالح مجلس القضاء الاعلى و وخمسة عشر مليار ومائتان مليون لصالح ديوان وزارة العدل وعشره مليار للنيابة العامة، بينما يشكوا القضاة من الفاقة والعوز وضعف رواتبهم.

وللمقارنة فإن القضاة في الدول المجاورة يحصلون في الحدود الدنيا على 7000 دولار شهرياً، بينما يحصل القاضي في اليمن على 400 دولار، ووصل فقر القضاة إلى حد أن نادي القضاة الجنوبي اضطر إلى جمع تبرعات من القضاة لإطلاق جثة زميل لهم رهنت بثلاثه مليون ريال مستحقات العلاج، حيث توفي في مستشفى محلي في عدن وهو مديون للمستشفى، ولم يلتفت مجلس القضاء الأعلى لمثل تلك الحالات المأساوية لمنتسبي السلطة القضائية.

وبحسب مصدر في وزارة المالية فإن ميزانية مجلس القضاء الأعلى للسنوات الماضية تراوحت بين 27 مليار و 32 مليار ريال، صرفت منها الرواتب فقط بطريقة قانونية، وتم نهب الباقي.

وبحسب نفس المصدر فإن الرواتب المحدد صرفها هي للقضاة في المناطق المحررة، لكن عددا من القضاة في مناطق سيطرة الحوثيين أكدوا استلامهم للرواتب من عدن بالمخالفة لقرار رئيس الجمهورية.

- شكوى القضاة:
بالحديث إلى أكثر من 64 قاضيا وقاضية في الأسبوع الماضي استخلصنا أبرز المشاكل التي يواجهها القضاء وهي كالتالي:
  1. لا تحترم أحكام القضاء، وعسكري في الشرطة يهين القاضي ويرفض تنفيذ أوامره وأحكامه القضائية.
  2. يتعرض القضاة للاعتداء عليهم، ولا تتوفر لهم الحماية، حيث تم رصد (40) حالة اعتداء على القضاة في عدن - لحج - أبين - الضالع – شبوة.
  3. تعرض القضاة للاعتداء عليهم في النقاط ولا يجدون الحماية من ذلك.
  4. قضاه يتعرضون للمرض والموت دون تأمين صحي ويتجرعون المرارة والألم ويعملون على بيع أثاث منازلهم لا جل العلاج، وتحتجز جثثهم في المستشفيات بما عليهم من مبالغ مديونيات للمستشفيات.
  5. عدم إحضار السجناء أثناء المحاكمات بصورة منتظمة تحت مبررات متعددة بعدم وجود وسائل النقل أو عدم توفر وقود أو عدم وجود حماية مرافقة لسيارات السجون.
  6. غياب العون القضائي بشكل عام من قبل نقابة المحامين للمتهمين في القضايا الجسيمة للذين لا يمتلكون المال لدفع نفقات المحامي تحت مبرر أن الحكومة لا تدفع لهم مستحقاتهم.
  7. عدم محاسبة المعتدين على المحاكم والقضاة رغم أن أسماءهم مرفوعة ومعروفة لدى الجهات الأمنية.
  8. عدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة.
  9. عدم توفر التجهيزات للمباني القضائية والنيابات.
وناشد الكثير من القضاة المجتمع قائلين: "نحن كسلطة قضائية اليوم بحاجة ماسة لاصطفاف القوى الوطنية والمجتمع المدني إلى جانب القضاة حول مشروع وطني حقيقي لإصلاح منظومة العدالة وضمان استقلاليتها".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى