رسالة تتحدى الألم

> في حالات كثيرة أجد فكرة الكتابة متعذرة جداً، ومع ذلك نحاول جاهدين العودة إلى فعل الكتابة على الأقل من منظور التنفيس عن أنفسنا مع أن هذه ليست مهمة الكتابة للعامة بقدر ما هي ترتبط بالتعبير عن الوضع العام وحياة السكان ومستويات معيشتهم، إلا أننا نجد أنفسنا في ردهة المتناقضات الفجة بين ما كنا نأمله وننشده ونعده من أبواب الأمل والتفاؤل والدعوة إلى انتهاج الصبر باعتباره سبيلاً للظفر وامتحاناً للمؤمن وفق تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، إلا أن النتائج المخيفة للآمال تجعلك تصاب بالصمت والذهول مما يجري حولك، أما حين لن تجد من تخاطبه فتلك معضلة أخرى أشد إيلاماً وأثراً على النفس.

قبل أيام قرأت رسالة الأب المكلوم بفقدان معظم أفراد أسرته في حادثة قتل بشعة حدثت لهم عندما كانوا على متن مركبتهم في أبين، كانت الفاجعة قد حدثت وحصدت تلك الأرواح الطاهرة إلا أنها جرت مثل أي حادثة عادية لم تلفت انتباه أحد إلى بشاعتها وشناعتها في قطع الرؤوس التي تلت عملية القتل البشع الآثم ضمن الأب الذي ما زالت روحه تعلن عن وجودها تقتفي عمق الجرم والمأساة التي حلت بأسرته، ضمن رسالته تعابير مؤلمة وتساؤلات عميقة مكتوبة بدماء فلذات كبده فهو تارة يخاطب الضمائر التي كان يضنها حية، يخاطب المجتمع الذي تبدلت كل صور الحياة في ربوعه، يخاطب القتلة بأي ذنب أزهقت أرواح أسرته وأبنائه الكرام.

ثم يذهب بعيداً بحكم ثقافته المكتسبة من مجتمع كانت صورة الحياة فيه شبه مثالية، لكنها انقلبت إلى جحيم وقيم مختلفة فقرأته بأدوات قتل بشعة.
هو ينادي ضمائر الأشقاء بعد أن أيقن أن ربوع وطنه يعيش العدمية بعينها.

يخاطب قيادة المملكة العربية السعودية والإمارات الشقيقة متسائلاً: ألستم آباء هل يرضيكم ما يجري؟ ثم مر بوقف أشد من الموت وحصاده الذي يجري على ساحتنا الجنوبية على نحو ما يحدث، ثم يذهب إلى حال تدابيره الحياتية التي عجزت تماماً عن توفير أبسط مقومات الحياة بعد أن بلغ الفساد ذروته.
إنها بحقٍ نمطٌ من الكتابة التي تتحدى أعلى درجات الألم، ورسالة تخاطب الضمائر الحية، ومفردات تقطر بدم من غيبهم الموت على أيدي أبشع البشر.

عندها سألت نفسي التي اعتلاها اليأس والقنوط لماذا لا نكون بقوة ذلكم الأب ونبرة ثقافته التي لم يتقطع نبعها رغم جور حاصل به.
فخلف دموع الألم يرقد الصباح الذي لا بد من إيقاظه مهما بلغت شدة آلامنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى