جهود حثيثة لإعادة زراعة البن في يافع كمقوم اقتصادي هام

> تقرير/ فهد حنش :

>
  • زراعة القات والهجرة قلصت إنتاج البن إلى أقل من النصف
  • مهندس زراعي: تخلي الدولة عن دعم المزارع أحد أسباب تراجع الإنتاج
شجرة البن التي أدخلت إلى مناطق يافع منذ مئات السنين، تعد مورداً اقتصادياً هاماً وإرثاً تاريخياً تعاقبت الأجيال على زراعتها حتى اكتسب محصول البن اليافعي شهرة محلية وعالمية.

وانتشرت زراعة البن في كل قرية ومنطقة من مناطق يافع بفعل الظروف البيئية والمناخية التي تتمتع بها مناطق يافع بالإضافة إلى خصوبة أراضيها الزراعية، حيث ازدهرت زراعة البن هناك في نهاية القرن الماضي بفعل توفر المياه، ووسائل الري، وسهولة الحصول عليها وقلة تكاليف الإنتاج، وتشجيع الدولة للمزارعين، إلا أن زراعة البن شهدت انحساراً كبيراً وتراجعاً ملحوظاً مع بداية القرن الحالي لأسباب كثيرة. "الأيام" تسلط الضوء من خلال هذا التقرير على زراعة البن في يافع، أهميتها أنواعها وأسباب انحسارها.

محسن اليهري
محسن اليهري
المزارع محسن ناجي الحربي اليهري قال: «أنا أحد مزارعي البن في وادي يهر، وزراعة البن في وقتنا الحاضر أصبحت مكلفة، أحياناً المردود المالي لمحصول البن السنوي لا يغطي النفقات، ويبدأ موسم التزهير في وادي يهر في آخر شهر مارس وأول شهر أبريل من كل سنة، وخلال فترة التزهير تحتاج أشجار البن إلى السقي وإلا تساقطت الثمار منها".

وأوضح حاجة المزارع إلى محاربة حشرة الخارز بواسطة أغصان أشجار الأثب، حيث توضع عدة أغصان أثب على جوانب شجرة البن للقضاء على الحشرات الضارة، ويتكرر هذا شهرياً من شهر أبريل إلى شهر أغسطس حتى تصبح حبوب الثمار صلبة ولا تستطيع الحشرة اختراقها.

وتابع: "من آخر شهر سبتمبر يبدأ جني الثمار على مراحل فيقوم المزارع بجني المحصول الناضج فقط، ومن ثم تنقل ثمار البن إلى أسطح المنازل للتجفيف، وبعد التجفيف ينقل إلى المخازن، ومن بداية شهر يناير يبدا تعطيش شجرة البن استعداداً لتزهيرها لثمار العام القادم. كانت زراعة البن في الماضي ميسرة لتوفر المياه، وغزارة مياه الأمطار وغزارة الإنتاج، أما الآن فقد خفت الأمطار، وجفت الآبار، وانتهت كثيراً من أشجار البن لعدم مقدرة المزارعين على سقيها بمبالغ باهظة، وللحفاظ على زراعة البن يجب توفير الدعم للمزارعين، ووضع الحواجز المائية، وتوفير أنظمة ري حديثة».

وقال م. الزراعي محمد طاهر السعيدي لـ "الأيام" إن محصول البن تنتشر زراعته في مناطق يافع، ولا يعرف بالضبط الوقت الذي أدخل الى المنطقة، إلا أن المصادر التاريخية والدراسات تحدد أن زراعة هذا المحصول قد بدأت في نهاية القرن السادس عشر"، مضيفاً: "البن شجرة مدللة ارتبطت ارتباطاً تاريخياً بمزارعي يافع، حيث تعتبر إرثاً تاريخياً تعاقب على زراعته الأجيال، وأصبحت جزءاً من حياتهم، ففي الفترة التي كان فيها هذا المحصول في أوج ازدهاره وغزارة إنتاجه، والتي استمرت إلى نهاية ثمانينات القرن الماضي كان يعد مصدر دخل أساسياً لكثير من الأسر التي تهتم بزراعة البن في مناطق يافع".

حقول زراعة البن في الأودية وكثيراً من المدرجات في بطون الشعاب كانت مغطاة بأشجار البن، وتظهر كغابات كثيفة لتنتج كميات كبيرة من محصول البن، لكن خلال العقود الثلاثة الماضية تعرضت زراعة البن في يافع إلى تدهور كبير، وتقلصت مساحته الزراعية إلى أكثر من النصف.

أنور محمد
أنور محمد
وعن أساب انحسار زراعة البن في يافع أفاد المرشد الزراعي أنور محمد ناصر أن "هناك عدة أسباب أدت إلى انحسار وتراجع زراعة البن في يافع، أهمها مشكلة الجفاف التي ضربت يافع لعدة أعوام مع عدم وجود وسائل حفظ المياه من حواجز وسدود للاحتفاظ بمياه السيول واستخدامها وقت الحاجة، حيث أدى ذلك إلى جفاف وموت عدد كبير من أشجار البن في مختلف أودية يافع، إضافة إلى نزوح أبناء يافع إلى المدينة، أو الهجرة إلى خارج الوطن، حيث ترك كثير من المزارعين مزارعهم دون عناية وذهبوا للعيش في المدن، ما أدى إلى إهمال شجرة البن، وبالتالي انتهاء جزء كبير منها، كما أسهمت بعض الآفات والأمراض التي أصابت شجرة البن مثل الأرضة وغيرها من الآفات في هلاك كثير من أشجار البن في يافع".

وأكد المرشد الزراعي أن تخلي الدولة ممثلة بوزارة الزراعة عن دعم المزارع ومساعدته بإدخال وتوفير الوسائل الحديثة المساعدة في الري والحراثة والعناية بالأشجار، أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع زراعة البن، مشيراً إلى أن من واجب الدولة تشييد الحواجز المائية والسدود مساندة لجهود المزارع الذي لم يعد يجد مردوداً جيداً يغطي النفقات ما يضطره إلى البحث عن زراعة محاصيل أخرى أكثر ربحاً كزراعة أشجار القات.

وتتعرض أشجار البن لآفات يجتهد المزارع في مكافحتها لضمان سلامة محصوله، منها حشرة القشرية الخضراء التي تصيب البراعم والأوراق، وحشرة صانعة الأوراق وتصيب الأوراق، وفراشة ثمار البن (الخارز تصيب ثمار البن)، والحفارة السوداء تهاجم السيقان، والدودة البيضاء التي تهاجم الجذور والجذيرات الشعرية.

سامي العبدلي
سامي العبدلي
وتوسع المرشد الزراعي سامي محمد العبدلي في الحديث عن تلك الآفات قائلا: "هناك أمراض تصيب شجرة البن مثل مرض تبقع الأوراق، ومرض العفن الأسود ومرض الفحمة على الثمار، ومرض العفن الحلقي الذي يصيب ساق البن ويسمى كولار روت، والذبول ويسمى النغاز يسببه فطر يسمى الريز كوتونيا، وهناك أمراض فسيلوجية بمسببات طبيعية مثل تأثير الوراثة والجفاف، والتأثيرات المناخية".

ونصح العبدلي المزارعين بعدم استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية، لما لها من أضرار إلا في الحالات القصوى، داعياً إياهم إلى إجراء العمليات الزراعية المتكاملة من حرث وري وتسميد وتقليم، وكذلك استخدام أشجار الأثب، والشقر الأبيض والأزاب، واستخدام مبيد شجرة المريمرة.

عبدالقادر السميطي
عبدالقادر السميطي
من جهته، تحدث الخبير الزراعي م. عبدالقادر خضر السميطي عن محصول البن اليافعي الذي يعتبر من المحاصيل الهامة بالنسبة للمزارعين وأصبح من الإرث الزراعي للآباء والأجداد، وجزءاً من الثقافة بقوله: "من خلال عملي في مركز البحوث الزراعية بأبين ونزولي المستمر إلى مناطق يافع في مهام إرشادية، أقول كانت يافع بكل مناطقها تزرع البن، وفي بداية الثمانينات ارتفع الاهتمام بزراعة البن على وجه الخصوص، وكانت لدينا مزارع حكومية في مديرية رصد في منطقة ذي عسيم، ومنطقة حذة، إضافة إلى انتشار مزارع البن الخاصة في كل مناطق يافع دون استثناء، وأتذكر أن مزارع الدولة التي كانت تزرع البن في يافع كان فيها أكثر من 10000 شجرة بن مثمرة، وكان هناك بعض التشجيع من الدولة ممثلاً بوزارة الزراعة لدعم زراعة البن، وتشجيع المزارعين، وشراء الإنتاج منهم عن طريق جمعيات بالاتفاق مع شركة التجارة إلا أن زراعة البن في يافع شهدت مؤخراً تراجعاً كبيراً».

وأضاف السميطي: «بصفتي مهندساً زراعياً أنصح بالحفاظ على هذ الإرث الزراعي الذي أصبح جزءاً من ثقافتنا الزراعية والتوسع في زراعته تدريجياً لأهميته الاقتصادية، وكما أدعو الجهات المعنية إلى دعم بناء السدود والبرك والخزانات الأرضية للاستفادة من مياه الأمطار، وتخزينها إلى وقت الحاجة، وأناشد أيضاً مجموعة الزراعيين، ومؤسسة يافع للعمل والإنجاز، وخصوصاً بعد ظهور نتائج المسح بالاعتكاف من أجل التخطيط لاستعادة زراعة هذا المحصول، وأدعوهم أيضاً إلى الإسراع في إعداد البرامج التدريبية للمزارعين حول تطبيق العمليات الزراعية الصحيحة لمحصول البن، وكذلك الإسراع في توفير المشاتل الجماعية لإنتاج شتلات البن من الأصناف الجيدة من البن اليافعي، وهي كثيرة، والاستفادة من التقنيات الحديثة، وخصوصاً شبكات الري بالتنقيط".

وعن فصائل البن التي تزرع في يافع أشار م. الزراعي ماهر السنيدي إلى أن من خلال عملية المسح التي نفذت عام 1989م بالتعاون مع المركز الدولي للجينات الوراثية في روما، وبدعم فني من قبل مركز البحوث الاستوائية في فرنسا، ـالتي هدفت إلى تحديد ووصف وحفظ الأنواع المحلية لأشجار البن، وعلاقتها بأنواع البن العربي من خلال التباينات المورفولوجية ـ تبين من خلال الدراسة أن يافع تزرع أربعة أنواع من البن هي النوع العيسائي، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى وادي العيسائي في لبعوس، النوع الطسوي، سمي بهذا الاسم نسبة لوادي طسة في مديرية سباح، النوع القطي، سمي بهذا الاسم نسبة إلى وادي قطي في مديرية رصد، والنوع العديني الذي سمي بهذا الاسم نسبة للبن العديني في المرتفعات الشمالية، لكن مواصفات هذا النوع في يافع تختلف عن تلك التي وردت في تقرير كامبروني، وتتباين هذه الأنواع فيما بينها من حيث حجم وطول الشجرة، ونوع الأوراق، وتعدد السيقان وقوتها وليونتها، وشكلها، وحجم الثمرة، والبذرة، وغزارة الثمار، حسب السنيدي.

وأوضح رئيس لجنة التدريب في إدارة مجموعة الزراعيين م. صالح السنيدي، الطرق الصحيحة لإنتاج بن بجودة عالية، منها اختيار نوعية الشتلة وجودتها وسلامتها من الآفات والأمراض، "على المزارع ألا يتعامل مع شتلات مجهولة المصدر بالإضافة إلى تنفيذ كافة العمليات الزراعية في الحقل من غرس الشتلات في الحقل المستديم وتظليل الغروس وخدمتها وريها وقلب التربة وتسميدها، واقتلاع الحشائش ما أن تصل إلى مرحلة الحمل، ومتابعة خدمتها ونموها، ومراقبة الأشجار وفحصها باستمرار من الإصابة بالآفات، واستخدام برامج المكافحة المتكاملة خلال مرحلة النمو الزهري وعقد الثمار وتطور النمو الثمري المتدرج باتجاه مرحلة النضج الكامل للمحصول".

وقال: "على المزارع جمع الثمار بالطريقة اليدوية الموصى بها، واستخدام جواني قطنية أو سواتل لتعبئة الثمار فيها، ونقلها من الحقول إلى مواقع التجفيف، ثم تجري عملية التقشير الطازج لفصل القشرة عن بذور الصافي، وتجفيف البذور، أو تجفيف المحصول بالتجفيف الشمسي باستخدام المجففات الشبكية، وتقليب الثمار حتى تصل إلى درجة الجفاف المناسبة وتقشيرها ثم إجراء عملية التلميع والتدريج والفرز والتعبئة بالجواني القطنية، وخزن المحصول في مخازن مهواة، ودرجات حرارة ورطوبة مناسبتين، وبطرق الخزن الصحيحة الموصى بها، إلى جانب تقليم أشجار البن للحد من الآفات، وظاهرة تبادل الحمل، فطرق التقليم يساعد في نمو الأفرع المثمرة لحمل ثمار غزيرة. كما يجب فتح قلب الشجرة وتعريضها لضوء الشمس والهواء، وإزالة السرطانات باستمرار لكي تكون الأفرع المثمرة قادرة على الأزهار من منطقة الاتصال بساق شجرة البن إلى آخر طرف الفرع الثمري البعيد».

ولفت نظر الفلاحين إلى أن موعد تقليم أشجار البن المزروعة والمروية باستخدام مياه الآبار والغيول والخزانات والبرك، يتم بعد جني المحصول مباشرة، أما أشجار البن المزروعة والمعتمدة في ريها على مياه الأمطار يتم تقليمها قبل موسم هطول الأمطار.

وفيما يخص دور مكتب الزراعة في مديرية يافع رصد في الحفاظ على زراعة البن، قال مدير المكتب مطيع قاسم الشبحي: «عمل مكتب الزراعة في مديرية رصد على تحقيق بعض المشاريع، من ذلك إنجاز عدد من الدراسات والتصاميم لمشاريع سدود وحواجز مائية منها ما تم بتعاون الأهالي، ومنها بمساعدة السلطة المحلية بالمديرية، وما زلنا نتابع التمويل لها، فقد تلقينا وعوداً من الإخوة الكويتيين في تمويل بعضها، ونفذنا المسح الشامل لزراعة البن ومصادر المياه في جميع مديريات يافع بتمويل من مؤسسة يافع للعمل والإنجاز بالشراكة مع مجموعة الزراعيين بيافع ووزارة الزراعة، إضافة إلى تنفيذ عدد من المشاريع بتمويل من البنك الدولي بالشراكة بين منظمة ألفاو والصندوق الاجتماعي للتنمية في مجالات حماية التربة من الانجراف وتهذيب والأودية، وعدد من خزانات الري التكميلي لأشجار البن في العامين 2019م و 2020م، منها: حماية الأراضي الزراعية من الانجرافات في وادي ظبة، ووادي قطي، ووادي الحنشي، ووادي تنحرة المشوشي. إنشاء خزانات الري التكميلي لأشجار البن في أودية حمومة، ورباط السنيدي، والسعدي. إنشاء 5 سدود مائية في كل من يري، وشعب البارع، ولج شعب، وحمومة، وأجرم، وشعب جداس الحنشي.

وتوفير أرضية ودراسة لإنشاء مشتل لإنتاج شتلات البن في مركز المديرية".

من جانبه، أكد مدير مكتب الزراعة في يهر محمد عبد الحافظ، أن هناك مشاريع تم تنفيذها خلال المرحلة الماضية كبناء الدفاعات للحفاظ على التربة من الانجراف في عدد من الأراضي الزراعية في منطقة أعلى يهر، وإنشاء عدد من الحواجز المائية بدعم من المنظمات الخارجية في مناطق مختلفة في المديرية، "ونعمل على متابعة وتوفير العديد من الخدمات في مجال الري الزراعي».

مؤسس مجموعة الزراعيين بيافع د. يوسف القعيطي، اعتبر تأسيس مجموعة الزراعيين في سبتمبر 2020م من كوادر ذات مؤهلات علمية عليا في المجال الزراعي، وبدعم ورعاية من مؤسسة يافع للعمل والإنجاز، بداية الانطلاق نحو إيقاف التدهور الذي تشهده زراعة البن في يافع، وانطلاقاً نحو ازدهار محصول البن من جديد.

وقال القعيطي: «تم الاتفاق على إيجاد قاعدة بيانات خاصة بزراعة البن في عموم مناطق يافع، ولأجل تحقيق ذلك نفذت مجموعة الزراعيين بيافع نهاية العام الماضي 2020م برنامج مسح شامل لأشجار البن ومصادر المياه في جميع مديريات يافع برعاية ودعم مؤسسة يافع للعمل والإنجاز بإدارة وإشراف كوادر مجموعة الزراعيين بيافع، وفرق مسح ميدانية من أبناء المناطق التي شملها المسح، ويعكف حالياً فريق فني في تفريغ بيانات المسح، وتحليلها ودراستها، وتقديم الحلول والمعالجات المناسبة التي ستسهم في تحفيز المزارعين إلى إعادة الاهتمام بزراعة البن لما لهذا المحصول النقدي من أهمية كبيرة، وشهرة عالمية. كما نجري حالياً الإعداد والترتيب للبدء بالدورات التدريبية لمزارعي البن في يافع لتدريبهم على كيفية الاهتمام بزراعة ورعاية أشجار البن والعناية بالمحصول والحفاظ عليه وعلى جودته».

وأشار القعيطي إلى أن مؤسسة يافع للعمل والإنجاز تسعى بالتنسيق الجاد مع وزارة الزراعة والري إلى تنفيذ مشاريع قادمة ستحسن من زراعة محصول البن كالمشاتل والحواجز المائية والبيوت المحمية وغيرها من المشاريع ذات الأهمية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى