عودة كورونا للظهور في موجته الثانية وبشكل أسوأ

> تقرير/ عبدالقادر باراس :

> غياب الوعي وعدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية أدى إلى زيادة أعداد الإصابات
الحياة الصعبة التي يعيشها المواطن في وطنه المهشم، فهو يرى نفسه في ظل ظروف الحياة، وضنك العيش الذي يعيشه، أنه لن يخسر شيء بعودة فيروس كورونا مرة أخرى، وربما أخرون يرون بأن معنوياتهم هي التي ستقضي عليه، حتمًا الكثيرون سيمضون أيامهم في ظل تفشي الموجة الثانية، بين متذمر ومستهتر، يجمع بينهما واقع معيشي متدهور، ويزداد تدهورًا في ظل الأوضاع التي تعانيها اليمن من استمرار الحرب التي دخلت عامها السابع.

ومنهم من لا زال غير معترف بوجود وباء كورونا وينكر وجود الوباء، كما هناك من يعتقد في خلده بأنها مؤامرة عالمية، حتى في حالة إصابته بالوباء، فلن يقوم بالإسراع لاتخاذ الإجراءات اللازمة، مكتفيًا باستهتاره على وصفها بأنها حُمِيَّة عابرة، وإن توفاه الأجل، يأتي أحدهم ويبرر بتحميل الحكومة، وتقصيرها في مواجهة الحُمِيَّات، تلك التبريرات تعكس مدى قلة الوعي بين أوساط المجتمع بخطر الوباء، وهذا ما ظهر من تصرف بعض المسافرين باستهتار مع وباء فيروس كورونا، في مقطع فيديو تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي في الشهر الماضي، يوثق مشاهد لعدد من المسافرين اليمنيين، لحظة تخلصهم من الكمامات، بعد مغادرتهم أراضي المملكة العربية السعودية، على متن حافلة نقل جماعي، أثناء وصولهم إلى حدود اليمن، وهم فرحون بنزعهم الكمامات ورميها على الأرض، مرددون هتافات (وداعًا للكمامات، ووداعًا للنظام، نحن في اليمن).
نشر ناشطون في منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق مشاهد تظهر لحظة التخلص من الكمامات ورميها على الأرض لعدد من المسافرين اليمنيين بعد مغادرتهم أراضي المملكة العربية السعودية ووصولهم إلى حدود بلدهم
نشر ناشطون في منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق مشاهد تظهر لحظة التخلص من الكمامات ورميها على الأرض لعدد من المسافرين اليمنيين بعد مغادرتهم أراضي المملكة العربية السعودية ووصولهم إلى حدود بلدهم

تقول الدكتورة منى سعيد، طبيبة نساء وولادة، من المكلا عاصمة محافظة حضرموت، التي خاضت تجربتها قبل أيام مع فيروس كوفيد 19: "إنكار كورونا هو الجهل بعينه، ومحاولة تجاهل الأرقام الكبيرة، التي يعلن عنها يوميًا، هو نوع من الاستهتار، وعدم المسؤولية، سواءً على مستوى الفرد أو السلطة، وأنا طبيبة أصبت بكورونا، وأعالج حاليًا في المنزل أنا وأفراد أسرتي المصابين معي، أقول لكم أن عمل المسحة ليس عيبًا، واكتشافك للإصابة مبكرًا تحميك وتحمي أهلك أولا، ومن حولك ثانيًا، من خطورة الأعراض في المراحل المتأخرة، ربنا يحفظ الجميع، وتمر هذه الأزمة على خير وسلام، وربنا يبلغنا رمضان ونحن بصحة وعافية ".

سؤال يتبادر إلى أذهاننا عن مدى استجابة الناس لكافة التدابير الوقائية، والابتعاد عن الاستهتار، الذي أودى بحياة الكثير منهم؟ خاصة من كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة، حيث أن معدلات الوفاة الناتجة عن الإصابة بفيروس (كورونا) هي الأعلى مقارنة على مستوى العالم.

عاد تفشي الوباء من جديد في موجته الثانية، مع حلول شهر مارس المنصرم، والنظام الصحي في البلاد ما زال يعاني من الضعف، فيما عدا الجهود المبذولة من منظمتين دوليتين، هما الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود، اللتان تعملان في عدن، ولديهما قدرات وإمكانات تفوق مما تقدمه الدولة لمواطنيها، ولكن مع بدء الموجة الثانية، وازدياد معدلات الإصابات مؤخرًا، ربما ستكون أشد وطأة على المواطنين من الموجة الأولى، ولا زال أهالي سكان العاصمة عدن يتذكرون بحسرة حجم المأساة والخوف، الذي كان يراودهم بفقدان ذويهم في الكارثة التي شهدتها مدينتهم في العام الماضي، في مواجهتهم للأوبئة والحميات، إلى جانب كارثة أمطار السيول التي هدمت كثيرًا من المنازل المتضررة، وهذا ما جعل السيطرة على الوباء، كان يبدو صعبًا نتيجة للنقص الحاد في الإمكانيات، وشحة التجهيزات، وقلة الأسِرَة، وضعف في الإمكانات الدوائية والصحية، وكذا تدهور الوضع الصحي، وشحة وسائل ومستلزمات الحماية والوقاية والإجراءات الاحترازية، وتردي الأوضاع الخدمية كـ (الكهرباء والمياه ومجاري).
أثناء معالجة إحدى مرضى كوفيد - 19 (كورونا) في المركز الميداني التابع للصليب الأحمر الدولي
أثناء معالجة إحدى مرضى كوفيد - 19 (كورونا) في المركز الميداني التابع للصليب الأحمر الدولي

ولولا الخوف من تفشي فيروس كورونا بصورة وبائية خطيرة من جديد، لما جاء فرض تطبيق الإجراءات الاحترازية، الذي أوقف عجلة الحياة في العديد من دول العالم، خاصة وأن اليمن تعد واحدة من أكثر الدول عرضة للخطر، نتيجة ما تمر به من أوضاع الحرب والتدهور في شتى الخدمات.

على الرغم من تصاعد حالات الإصابة حاليًا، وبإعداد متزايدة في كثير من المحافظات، التي تخضع لإدارة الحكومة الشرعية، خاصة حضرموت وعدن وتعز الأكثر تضررًا، إلا أنه عند التجول في عدن، لا يرى الفرد منا بأن هناك قواعد والتزامًا من المواطنين، أو حالة استنفار عند الجميع، كما يشهدها العالم حاليًا من تطبيق إجراءات احترازية منعًا من تفشيه، فبدت حركة الشوارع ووسائل النقل مزدحمة كعادتها، وكأن الجميع لم يستشعر بالخطر المحدق بحياتهم، فالأسواق وصالات الأفراح تعج بالمخالطين، ولم يلتزموا بضرورة تفعيل قرار الحظر الجزئي بالإغلاق، التي فرضته السلطات الحكومية للتعامل مع الوباء، وما يلفت فقط مشاهدتنا لقلة محدودة يرتدون الكمامات.

وحاليًا يرقد العشرات في مستشفيات مراكز العزل الـ 16 التي خصصتها الحكومة لاستقبال المرضى المصابين بكورونا، منها مركزي العزل التي أنشأتها منظمتي أطباء بلا حدود والصليب الأحمر الدوليتين في العاصمة عدن.
يحصد كورونا بحسب إحصائية نسبية لعدد من الحالات المسجلة يوميًا، أوضحها وزير الصحة والسكان في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا د. قاسم بحيبح، بأنها تتراوح ما بين (91 – 100 حالة) منها (10) حالات وفاة، وهو رقم كبير بحسب تصريح وزير الصحة، فضلًا على ما هو موجود في المنازل ولا يُبلَغ عنه.
بوابة المركز الميداني التابع للصليب الأحمر الدولي في مستشفى الجمهورية بعدن
بوابة المركز الميداني التابع للصليب الأحمر الدولي في مستشفى الجمهورية بعدن

وعن حاجة اليمن للمنظمات في دعمها لمواجهة الجائحة يقول د. سالم الشبحي، القائم بأعمال رئيس هيئة مستشفى الجمهورية، " نعلم أن اليمن تضم اعدادًا كثيرة من المنظمات الدولية، ولكن دورها غائب، مطالبًا بإعادة النظر في وجودهم في البلد، وعقد لقاء شامل مع جميع المنظمات الدولية العاملة في الوطن، ليقدموا برامجهم الداعمة في مواجهة الجائحة".

استقبلت كثير من المستشفيات ومراكز علاج كورونا حالات مرضية جديدة من الموجة الثانية، وقد تجاوز الـ (4000) حالة، خلال الشهر المنصرم، حيث فاق معدل الإصابات الجديدة، مثيلتها التي سبقت خلال العام الماضي 2020م، بنحو (7.7) مرة، أي حوالي (8) مرات، وهي أعلى معدل سُجِلَ في العام الماضي، لأكثر من (3000) حالة مصابة بالفيروس، بما فيها (800) حالة وفاة في اليمن منذ تفشي الوباء، ومع ذلك يعتقد بأن العدد الفعلي أعلى بكثير، لأن هناك من أصيبوا يرفضون الاعتراف بإصابتهم.

في ظل هشاشة المرافق الصحية، وتدهور الأوضاع الخدمية، التي تعانيها عموم محافظات اليمن، وكذا غياب الإجراءات الاحترازية، أدى ذلك إلى زيادة سريعة في أعداد المصابين مؤخرًا، حيث حذر أطباء يعملون لدى منظمات دولية في اليمن، من تفشي الموجة الثانية من فيروس(كورونا) بازدياد أعدادهم مؤخرا، كونه ينتشر بسرعة أكبر، مطالبين المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض الإصابة بالفيروس في وقت مبكر، بضرورة التوجه فورًا لمراكز العزل لتلقي الرعاية.
غرف ميدانية تابعة لمركز العلاج لمرضى كورونا التابعة للصليب الأحمر الدولي في باحة مستشفى الجمهورية بعدن
غرف ميدانية تابعة لمركز العلاج لمرضى كورونا التابعة للصليب الأحمر الدولي في باحة مستشفى الجمهورية بعدن

تعمل حاليًا بعثة فريق (أطباء بلا حدود البلجيكية)، على تولي مهمة إدارة مركز العزل الصحي في مستشفى الجمهورية، بالعاصمة عدن من جديد، منذ 15 مارس المنصرم، كتدخل طارئ لمواجهة الوباء، وذلك بعد إدارتها للمركز العام الماضي، أثناء الموجة الأولى، وتسليمها المركز لمستشفى الجمهورية الحكومي، بعد تحسن الوضع الصحي، واحتواء الجائحة، ويقوم المركز حاليًا على مدار الساعة بمعالجة الحالات المؤكدة، ويستوعب مركزهم 11 سريرًا في وحدة العناية المركزة، وهي الآن جميعها ممتلئة، إلى جانب 46 سريرًا في قسم الرقود للمرضى الوافدين، وبحسب تصريح فريق البعثة البلجيكية العاملة في عدن (فيجت)، قال بأن هناك تزايدًا ملحوظًا في أعداد الإصابات، ويشكل ضغطًا على مركزهم، لكن حسب إفادته بأنهم لم يصلوا إلى الآن لمرحلة رفض الحالات، فأغلب الحالات التي تصلهم تكون في حالات حرجة، وهو ما يستدعي توفير عناية فائقة، وتنفسًا اصطناعيًا على وجه السرعة، وأن مركز بعثتهم في عدن يستقبل ما بين (6 – 8 حالات يوميًا) كمعدل ثابت، كما أن هناك مركزًا أخر، لاستقبال مرضى كورونا، وأوبئة الحُمِيَّات في باحة حرم مستشفى الجمهورية بعدن، وهو المركز الذي أنشأته بعثة الصليب الأحمر الدولية، في سبتمبر من العام الماضي، كمنحة مجانية، ومؤخرًا سلمته إلى وزارة الصحة التابعة للحكومة الشرعية، في الشهر الماضي، بموجب اتفاق موقع بينهما، إلا أنه لا يزال يقوم بمهامه حتى الآن، بمعالجة المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة، ومتوسطة وفيه 30 سريرًا.
إحدى غرف العناية المركزة في مراكز العزل
إحدى غرف العناية المركزة في مراكز العزل

وبشأن الإجراءات والتجهيزات المتخذة لمواجهة تفشي الموجة الثانية من فيروس كورونا، قالت الوكيل المساعد لوزارة الصحة لقطاع السكان، الناطق الرسمي للجنة العليا للطوارئ د. إشراق السباعي، "عززنا العاملين بخطة تدريبية في المحاجر الصحية (مراكز العزل)، حيث قمنا بتدريب 100 كادر طبي لمختلف المحافظات المحررة، في مجال التنفس الصناعي (ISU) (العناية المركزة)، كما عززنا مراكز العزل بالأدوية والمعدات والسلامة المهنية لكوادرنا الطبية العاملة فيها، إلى جانب دعم منظمة الصحة العالمية للمراكز بالأوكسجين، وعدد المراكز حاليًا 16 مركزًا، والآن سنستحدث 4 مراكز أخرى في عدن وأبين، وشبوة وحضرموت".

وعن حجم الصعوبات التي تواجه عمل المراكز، قالت د. السباعي: "هناك صعوبات كبيرة، منها الأدوية الاستهلاكية المكلفة، في وحدة العناية المركزة، ونتيجة زيادة الحالات، تبقى الحاجة ملحة إلى زيادة أسطوانات الأوكسجين، وفي الوقت نفسه مصانع الأوكسجين يتم إصلاحها في عدد من المحافظات، حتى يستمر إعطاء الأوكسجين الخاص من المصانع نفسها التابعة لوزارة الصحة، ولابد من تزويد المحافظات، التي لا توجد لديها مصانع الأوكسجين مثل سيئون والمهرة والضالع بهذه الأسطوانات".

ووجهت د. السباعي، نداءً عاجلًا إلى جميع أبناء اليمن، تطالبهم بتطبيق الإجراءات الوقائية اللازمة، وهو السبيل الوحيد للإنقاذ، حتى لا نصل إلى مرحلة الإصابة بالمرض، ومن ثم الحاجة للعناية المركزة، وليست وزارة الصحة المعنية بالأمر وحدها؛ بل على الجميع أن يكونوا شركاء، لمجابهة هذا العدو الخفي، فاتباع الإجراءات الاحترازية هي خط الدفاع الأول لمكافحة هذا الوباء.
أثناء وصول أول شحنة من لقاح فيروس كورونا إلى عدن في الأسبوع الماضي
أثناء وصول أول شحنة من لقاح فيروس كورونا إلى عدن في الأسبوع الماضي

ومع تسلم وزارة الصحة والسكان في عدن أواخر مارس، أول دفعة من لقاحات فيروس كورونا، أفادت وزارة الصحة والسكان بأنها استلمتها عبر برنامج (كوفاكس) العالمي، وخصصتها لفئة كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى الكادر الطبي العامل بهذا الجانب، وكمية اللقاحات التي وصلت تقدر بـ (360) ألف جرعة من إجمالي يبلغ (12 مليون جرعة)، وعن توزيع اللقاحات أفادت د. السباعي: "حيث ستتوزع وفق آليات، وهي أن لكل محافظة حصة حسب الاحتياج الفعلي للكادر الطبي، وكبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى