الفقر كل الأوبئة

> لا أدري هل خطر جائحة كورونا في مثل مجتمعنا هي الأشد خطراً على حياة الناس، أم أن أخطاراً أخرى وجوائح مختلفة هي التي تشكل رعباً وهلعاً وتقتل أنفساً كثيرة، ولعل جائحة الفقر هي الأشد فتكاً بما لها من تأثير ساحق على النفوس، ناهيك عن حصاد الأنفس جراء عدم توفر الاحتياجات الأساسية، وخصوصاً لشرائح الأطفال ممن يتعذر على آبائهم شراء الحليب الذي يربطهم بالحياة، وما أكثر الأطفال الذين يلقون حتفهم جراء سوء التغذية. لا تشيروا إلى وباء كورونا بنسخه المتجددة المنحدرة من ذات الفيروس، بل ينبغي أن تشيروا إلى خطر الموت الذي يهدد الكثيرين جراء الفقر والمجاعات.

أما الأوبئة فهي رديفة طبيعية لسوء الأحوال المعيشية، فمشكلة المياه ونقصها الحاد سبب حقيقي لانتشار الأمراض جراء انعدام النظافة في حين أن أمراضاً أخرى لا تقل خطورة عن كورونا إن لم تكن أشد، وعلى سبيل المثال حمى الضنك القاتلة والملاريا ونحوها من الحميات التي يلتبس أمر تشخيصها ما جعلها تحصد أرواح الكثيرين، إلا أنها هنا لا تصنف كوباء، ولا تجري المعالجات بشأن أسباب انتشارها، وعموماً المجتمعات التي تعاني الفقر هي بيئة حاضنة لكافة الأمراض والأوبئة، وما نعانيه في الأصل هو وباء الفقر مقترن أيضاً بوباء الفساد الماحق الذي ولد كل مستويات العناء التي نعيشها ولا قوانين تحكم حياة الناس.

حديث العبث عن كورونا والوقاية منه لا صدى له ولا فائدة طالما وباء الجوع قائم في مجتمع يشيع قيمه وعاداته الأصيلة إلى مثواها الأخير بحكم حالة تردٍ عارمة لا مجال ولا إمكانية لوقف تداعياتها على كل مناحي الحياة.

الفقر هو القاتل الأول في بلادنا المنكوبة، والفساد هو السارق المحترف الذي خطف ابتسامات الأطفال في مهدها، فلا خدمات ولا مستشفيات عامة في غابة الحياة المريرة التي نعيشها، ولا أفق تشير إلى معالجات. فهل يدرك الفاسدون أي مأساة نعيشها؟ وكيف يستقبل السكان شهر الصوم وسط حجم المعاناة والبؤس بعد أن تعذر عليهم شراء أساسيات الحياة من القوت الضروري؟

لقد تعذر على الآباء المحافظة على سلامة أرواح مواليدهم الجدد بعد أن عجزوا عن شراء الحليب الضروري لحياتهم.
فهل نشير إلى خطر فيروس كورونا، وندعو الآباء ليلبسوا مواليدهم كمامات، وندعو إلى التباعد الاجتماعي، ويلتزم الناس الموت في بيوتهم؟

لقد سلبتم من البسطاء كل ضروريات الحياة، وهو الإنجاز غير المسبوق في تاريخنا الذي تحقق.

فلا فرص عمل ولا مرتبات منظمة ومنصفة ولا خدمات ممكنة. هكذا تُركنا نغرق في مدننا المظلمة التي استبد بها العطش ودمرها الفقر، حتى المنظمات التي أتت لنجدتنا على الصعيد الإنساني تم جرها إلى مستنقع الفساد والمفسدين ممن يستأثرون بما تقدمه، وهنا أشير إلى نوع من الفساد غير المنظور ولا محاسبة تجري بشأنه، وللحديث بقية عن هذا الجانب في مواضيع قادمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى