​أهلا بالتقارب

>
ما لم يكن المتابع للأحداث السياسية الملتهبة على الساحة الجنوبية بالذات خاملاً ذهنياً، غير قادر على التقاط هذه الأحداث وتحليلها بعمق وليس بفهلوة، أستطيع القول إن فكرة م. (عدنان الكاف) باستيعاب كل الإعلاميين الجنوبيين بمختلف انتماءاتهم وألوانهم وتوجهاتهم، يمكن أن ترسم خارطة طريق تقود إلى مصالحة عامة لا تستثني أحداً.

وبعيدا عن الروح التي سادت لقاء الإعلاميين السياسيين، وما ترتب على ذلك من اختلاف في الآراء والمواقف دون إفساد ود القضية الوطنية، أجدني أطرح رأيي في حاضر الإعلام الجنوبي اليوم، وأقرأ صورته كما هي دون تهويل أو تهوين.
الصحفي السياسي في خضم هذه (الغاغة) الإعلامية تخلى عن ضميره المهني والإنساني، وأصبح يجري جري الوحوش وراء نزوات مسؤولين وأحزاب وكيانات متناثرة تدفع لشراء الحناجر والألسنة والقلوب، فهذا صحفي كلامه عن حزبه الانتهازي برقوق ولوز، وذاك صحفي تطبيله للفاسدين وتجار شراء الذمم بطعم الموز.

كنت أتمنى أن يقول أحد الزملاء في الندوة بقوة قلب: الإعلام السياسي مذلة ما بعدها مذلة، لأن الصحفي السياسي الذي يفترض أنه لسان الناس ولسان قضيته الوطنية انتقل بقدرة (غادر) من خانة الموجه الذي يوجع إلى متاهة التابع الأخرس الساكت عن الحق بصورة تثير الاشمئزاز والغثيان.
انقسم الإعلام السياسي في الجنوب إلى فريقين لا يلتقيان أبداً في توجهاتهما وغاياتهما كخطين مستقيمين، فريق يدافع عن (الشرعية) بالبارود، وفريق يدافع عن (الانتقالي) بالنار والحديد.

وكنت أظن أن الفريقين أحرقا كل الأرض التي يمكن أن يلتقيا عليها يوماً ويتناقشا نقاشاً ودياً لا يغيب حسنة الاختلاف في الآراء، لكن م. (عدنان) الكاف تحول إلى رجل إطفاء بارع استطاع بحس وطني تمهيد الأرض الكروية لتجمع الفريقين على أمل ألا تكون هذه الندوة بمثابة (بيضة الديك).
وعودة إلى بدء، لا بأس من إعادة تقويم واقع الإعلام السياسي وتجديد صياغته وطنياً، بحيث يكون أداة فاعلة يخشاها الفاسدون والمتاجرون بالقضايا الوطنية التي تمس حياة الناس في المقام الأول، فالوطن سواء كان (الصغير) أو (الكبير) لن يأتي دون تحرر الإعلام السياسي وتنظيف ملاعبه من هواة تكسير العظام، ودون الانتباه إلى خطورة ما نزرعه من تبعية تزين للفاسدين وتجار القضايا المصيرية الخطأ، بالتطبيل تارةً وبالتزمير تارةً أخرى.

يحتاج منا شهداء هذه الأرض الطيبة أن نتناصح ونتواصى بالحق ونتواصى بالصبر، ولا بأس من إعادة تفعيل خطوط التواصل مع الجميع على اعتبار أن الوطن مساحة كافية للالتقاء وتدارس الأوضاع، لكن ليس قبل أن يتحرر الإعلاميون من قبضة التابع، ويعودون إلى خانة الموجه الذي يضع دماء الشهداء أولوية غير قابلة للجدل أو النقاش.
ثمة فسحة للنفاق وأخرى للتجمل، لكن بحدود لا تؤذي قضية، ولا تلغي فكرة ذهبية كانت أم فضية، فلم يعد مقبولاً أن يتعاطى الإعلام المتعصب الكذب على الناس حبوباً وشراباً وتحاميل، تماماً مثلما أن على أقراص صكوك النفاق والتلون أن تنفد من محلات الصرافة، على أساس أن (الجنوب) يحدد مستقبله الجميع، وليس نفراً يظن أنه أبو الوطنية وأمها و بنات خالها.

وبما أنني صاحب فكر ورؤية تستند على معاناة الناس، ولا أنتمي تمصلحاً لأي الفريقين أقول: إن المرحلة الحالية بكل ما فيها من تعقيدات تتطلب أن يستعيد الإعلام السياسي دوره التوجيهي والتنويري والإرشادي والتشجيعي بما يتناسب مع مطالب الناس وقضيتهم الوطنية العادلة التي يجوع ويتشرد ويضحي لأجلها كل مواطن، ويجب أن تتوقف أسطوانة التصفيق والتطبيل لأنظمة وأحزاب مارقة فاسدة تعذب الناس، ثم تجد من الأقلام من يبرر هذه الوقاحة ويمجدها لزوم مصاريف العيال، وما تبقى من فلذات تمشي على الرمال.

ومهم في زمن محاولة لملمة شتات الإعلاميين الجنوبيين ألا نبالغ في (شيطنة) الآخر، فالكلمة الطيبة تمتلك مفعولاً سحرياً لإسكات ضوضاء الحبة قبل أن تصير قبة، وتنهي القطيعة وتقطع دابر الفتنة في مهدها، وفي النهاية هناك قارئ لبيب وذكي يستطيع فض الاشتباك بين الحقيقة والخيال وبين الواقع والبهتان.
لن أستبق الأحداث وأزعم أن أمسية (الكاف) قد خلصت بعض النفوس من غث، أو ضاعفت من سمين، لكنني أثق تماماً أن مثل هذه المبادرات ستساهم في ردم الهوة بين الإعلاميين، وستساعد على بناء جسور ثقة خالية من التخوين والمناطفية والكلام الفارغ مستقبلاً، فأكثروا من هذه اللقاءات والمبادرات التي  تدفيء الجوانح شتاء وتلهب المشاعر صيفًا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى