اقنعوا تماما من صنعاء

> كبندولِ ساعةٍ كلاسيكية يتأرجحُ برتابةٍ وثبات، هي الأحداث في جغرافيتنا اليوم، ويمكن أنها سخنت قليلاً في مأرب، فما عداها مسلسل إنهاك يسير بنفس الوتيرة في جنوبنا ويمكن تصاعدياً، وشمالاً استكانوا للحوثي كدأبهم، وتعايشوا معهُ كأمرٍ واقع وهو يصبغ الأنموذج الإيراني، الاثني عشري في كل شيء، ومؤخراً نسمع باحتمالية الاستيلاء على البنوك بحجة تعاملها الرّبوي.

بين كل هذا، اللافت أنّ الشرعيّة، إخوان السلطة، وهم يديرون ظهورهم لجبهتهم الرئيسية في الشّمال، ويحشدون نحو جنوبنا، والمثير هو تعاطي التحالف -السعودية- مع هذا الأمر كشيء عادٍ، وإشغال نفسها بدور الوسيط بأداءٍ مائع. كل هذا يفجر تساؤلات جمّة مُحيّرة ولا شك.

ما سلف يفصح بجلاءٍ عن وجود المُحرّك والأمر الخارجي لكل ما يدور هنا، والأكثر إيلاماً هو ما ستتمخّض عنه نهايات كل هذه الأحداث، ووفق قراءتي المتواضعة، فهي ستتمحور في تشظية جغرافيتنا إلى كانتونات صغيرة مُرهَقة، وسيتم تناهشها بين الفاعلين الدوليين والإقليميين بحسب ثِقَل كل منهم وحاجته من هذه الجغرافيا المنكوبة، مع أنّ نفس السيناريو سيدور على الإقليم لاحقاً، وهذا إذا تَهاونوا معه هنا، أو أسهموا فيه مع العرّابين الدوليين.

عندما تستكينُ صنعاء للحوثي، ولا يُحرّك التحالف مفاعيل قواه العسكرية للتعاطي معه هناك، وأيضاً تَخنعُ السلطة الشّرعية الديكوريّة، ويخضعُ كل هؤلاء للواقع المفروض في تخوم الشّمال، فعلينا أن نُسلّم بأنّ الشمال في رحاب إيران وفَلكها، كما يتحرّك السّفير الإيراني (حسين إيرلو) في ربوع صنعاء بصفتهِ الحاكم بأمره، وهو مُجرّد سفيرٍ ليس إلا، ولماذا نغفلُ عن أنّ إيران بسطوتها وصلافتها من الممكن أن تتنازلَ أو تَهِن وتُسلّم بلاداً قد أحكمت قبضتها عليها أصلاً؟

بين هذا البحر اللجي المتلاطم، فإنّ مجلسنا الانتقالي الذي يحمل مشروع جنوبنا وقضيّته سيذود عنها ويعظ عليها بالنّواجد، حتّى إن شابَ أدائه داخلياً بعض الإرباك، فهذا يعود إلى لفيف تشكيلة مكوناته الدنيا غير المتجانسة، لأنّهُ بِوَحي رغبة القيادة الصّادقة في احتضان كل ألوان الطّيف الجنوبي بمختلف مشاربهم، ومن باب تعزيز اللحمة الجنوبية، وتجاوز أخطاء الفترات السابقة في جنوبنا، لكن بكلّ أسف من هؤلاء من ما انفكّ يُغرّد في إطار سربه وتوجهه، بل يضعف المجلس ومشروعه الجنوبي من داخلهِ أيضاً.

اليوم نُوغل في سنة حرب سابعة، وجنوبنا اهترأ وانطحن كثيراً، وهذا بدلاً من أن ينهض من كبوتهِ باعتباره أول منطقة تحرّرت من رِجس الحوثي، والبركة في السلطة وإخوان السلطة، وفي صمت التحالف بكل أسف هذا يقطعُ بأنّ ثَمّة مشاريع مُبَطّنة غير الأهداف المُعلنة، ولا أدري كيف تقرأ قيادتنا في الانتقالي ما يدور بهذا الصّدد.

وبحسب ما أراه، فالمهرة ستبتلعها إحدى دول جوارنا لغاياتٍ تخصها، ولاحقاً هي بذاتها ستتشظّى إذا ثبت مُسلسل التّمزيق لمنطقتنا، ومناطق النّفط - حضرموت - شبوة - سيهيمن عليها الإخوان لصالح حِيتان النفط الكبار عالمياً، والأخيران سيهبونهم الفتات، ونحن ومجلسنا سيتركون لنا عدن وأبين ولحج، والسّاحل الغربي سيدعونهُ لطارق عفاش ولتأمين مضيق باب المندب، أمّا الشّمال فهو بيد إيران ولن تُفرّط فيهِ. يبدو لي أن الأمر هكذا، وهو بحاجةٍ إلى تَعاضد (كل شعبنا الجنوبي) والتفافه حول مجلسنا الانتقالي بصدق، والوقوف بصلابةٍ ضدّ هذا السيناريو أو سواه، ولأنّ إرادة الشعوب لا تقهر أصلاً. أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى