آفاق التعاون العربي الأفريقي لحماية أمن البحر الأحمر وخليج عدن

> "الأيام" الخليج للدراسات:

> في‭ ‬6‭ ‬يناير‭ ‬2020‭ ‬تأسس‭ ‬مجلس‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأفريقية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن،‭ ‬كمنظمة‭ ‬إقليمية‭ ‬تضم‭ ‬دولا‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬مثل؛‭ ‬السعودية،‭ ‬ومصر،‭ ‬واليمن،‭ ‬والصومال،‭ ‬وأريتريا،‭ ‬وجيبوتي،‭ ‬والأردن،‭ ‬والسودان،‭ ‬مطلة‭ ‬ولها‭ ‬حدود‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن. ‬وقد‭ ‬غلب‭ ‬البعد‭ ‬الأمني‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة،‭ ‬إذ‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬أمن‭ ‬الملاحة،‭ ‬وحماية‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬إقليميًا‭ ‬ودوليًا،‭ ‬والتنسيق‭ ‬والتشاور‭ ‬حول‭ ‬الممر‭ ‬المائي‭) ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬خليج‭ ‬عدن،‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭.(

‮ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬غلبة‭ ‬البعد‭ ‬الأمني،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬التعاون‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬كان‭ ‬غائبًا‭ ‬عن‭ ‬الأهداف‭ .‬ومن‭ ‬الواضح،‭ ‬بداية‭ ‬بحكم‭ ‬الامتداد‭ ‬الإقليمي،‭ ‬والارتباط‭ ‬الحيوي‭ ‬بين‭ ‬أمن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬والأمن‭ ‬الخليجي‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وأمن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬أن‭ ‬فاعلية‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬الوليدة‭ ‬ترتبط‭ ‬بالدور‭ ‬الحيوي‭ ‬للسعودية‭ ‬ومصر‭ ‬فيها‭ ‬باعتبارهما‭ ‬الدولتين‭ ‬الأقوى‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬وعسكريًا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أعضائها‭.‬

وتاريخيا،‭ ‬كان‭ ‬ميثاق‭ ‬جدة‭ ‬1956‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬واليمن،‭ ‬أول‭ ‬دعوة‭ ‬لإقامة‭ ‬نظام‭ ‬أمني‭ ‬مشترك‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1977‭ ‬دعت‭ ‬السعودية‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‭ (‬اليمن‭ ‬الشمالي) ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬تعاون‭ ‬عسكري‭ ‬عربي‭ ‬لجعل‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬منطقة‭ ‬سلام،‭ ‬وإذ‭ ‬تطل‭ ‬جيبوتي‭ ‬على‭ ‬مضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬دوليًا‭ ‬وإقليميًا‭ ‬لحماية‭ ‬الملاحة‭ ‬ومكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والقرصنة،‭ ‬وكانت‭ ‬محطة‭ ‬لقواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬دولية‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الغرض‭. ‬

وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬استمرت‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬لإقامة‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬حتى‭ ‬كان‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأول‭ ‬لوزراء‭ ‬خارجية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬ديسمبر‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬الرياض،‭ ‬الذي‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬هذا‭ ‬الكيان؛‭ ‬بهدف‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‭ ‬سياسيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬وأمنيًا‭ ‬وبيئيًا‭.‬ وإلى‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬السعودية‭ ‬كان‭ ‬تقدير‭ ‬الأعضاء،‭ ‬اعتبار‭ ‬الرياض‭ ‬مقرًا‭ ‬للمنظمة‭ ‬الوليدة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المادية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬السعودية،‭ ‬وما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبول‭ ‬عربي‭ ‬وإفريقي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الساحل‭ ‬السعودي‭ ‬المطل‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬طولا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للمخاطر‭ ‬الأمنية‭.‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬جاء‭ ‬ميلاد‭ ‬المنظمة‭ ‬وسط‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬فنجد‭ ‬التنافس‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‭ ‬والأمريكي‭ ‬والأوروبي،‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬التنافس‭ ‬التركي‭ ‬والإيراني. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬هناك‭‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬وارتفاع‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬وتحسن‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭،‬ وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬هشاشة‭ ‬سياسية‭ ‬ومجالات‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬الأمنية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القرصنة‭ ‬والإرهاب‭ (‬اليمن‭ ‬والصومال والقضايا‭ ‬البيئية‭ ‬)كسفينة‭ ‬النفط‭ ‬العائمة‭ ‬صافر‭(‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المشاطئة‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية. ‬

وعليه،‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬الوليدة‭ ‬لتعزز‭ ‬التوازن‭ ‬الإقليمي‭ ‬بين‭ ‬المتنافسين،‭ ‬وتعلي‭ ‬الحضور‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوازن،‭ ‬وتعكس‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬أمن‭ ‬المنظومة‭ ‬الخليجية‭ ‬ومصر‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وأمن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فهناك‭ ‬تعاون‭ ‬وتكامل‭ ‬بين‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬والجامعة‭ ‬العربية‭ ‬ومجلس‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تأسيس‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬يفتح‭ ‬فرصًا‭ ‬كبيرة‭ ‬للتعاون‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬لضمان‭ ‬المصالح‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬أعضائه‭ ‬وهذه‭ ‬القوى‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬المرور‭ ‬بقناة‭ ‬السويس‭ ‬يمثل‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري،‭ ‬وتحرص‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬تأمينه،‭ ‬ويرتبط‭ ‬هذا‭ ‬التأمين‭ ‬بتحقيق‭ ‬المرور‭ ‬الآمن‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬ومضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬وخليج‭ ‬عدن،‭ ‬ويمثل‭ ‬قاسمًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬بين‭ ‬أمن‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬المصري؛‭ ‬فإن‭ ‬السعودية‭ ‬تنظر‭ ‬إليه‭ ‬باعتباره‭ ‬‮«‬ضرورة‭ ‬اقتصادية‭ ‬واستراتيجية‮»‬،‭ ‬فرؤيتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2030‭ ‬تستهدف‭ ‬تطوير‭ ‬شبكات‭ ‬الطرق‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬ساحل‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وتطوير‭ ‬50‭ ‬جزيرة‭ ‬صغيرة‭ ‬ضمن‭ ‬المبادرات‭ ‬السياحية‭ ‬وجذب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬كما‭ ‬تقع‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬نيوم‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي‭ ‬السعودي‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وهناك‭ ‬مشروع‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬والرياض‭ ‬لإقامة‭ ‬جسر‭ ‬فوق‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ (‬مشروع‭ ‬الجسر‭ ‬العربي‭) ‬لتسهيل‭ ‬المرور‭ ‬المباشر‭ ‬وتحقيق‭ ‬تكامل‭ ‬الأسواق‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬الرياض‭ ‬المباشرة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وحمايته‭ ‬بما‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬الآمن‭ ‬جنوبًا‭ ‬إلى‭ ‬خليج‭ ‬عدن‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي‭ ‬عبر‭ ‬مضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب،‭ ‬وشمالاً‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬واستراتيجيًا‭ ‬تسعى‭ ‬بتركيزها‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬إلى‭ ‬تفادي‭ ‬التهديدات‭ ‬الإيرانية‭ ‬بإغلاق‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الدعوة‭ ‬لإقامة‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬فإنما‭ ‬عجل‭ ‬على‭ ‬قيامها‭ ‬جملة‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬هذا‭ ‬الممر‭ ‬المائي‭ ‬الحيوي‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬13 ‭%‬‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬ونحو‭ ‬3‭.‬3‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬نفط‭ ‬يوميًا،‭ ‬والرابط‭ ‬الأساسي‭ ‬لحركة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬حيث‭ ‬يمر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬سفينة‭ ‬سنويًا،‭ ‬ويقع‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات،‭ ‬التهديدات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬بإمكانية‭ ‬استهداف‭ -‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الميليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭- ‬حركة‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن‭.‬

‮ ‬وبالفعل،‭ ‬أعلنت‭ ‬طهران‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬تهديدها‭ ‬بإغلاق‭ ‬ممرات‭ ‬العبور‭ ‬الضيقة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬ويرتبط‭ ‬بهذه‭ ‬التهديدات‭ ‬تعقيدات‭ ‬الأزمة‭ ‬اليمنية،‭ ‬ورفض‭ ‬مليشيات‭ ‬الحوثي‭ ‬المرتبطة‭ ‬بطهران‭ ‬مقترحات‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬تبذل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬ينهي‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭.‬ ومن‭ ‬بين‭ ‬تهديدات‭ ‬الحوثي،‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحركة‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬واستخدام‭ ‬ذلك‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬أوراق‭ ‬الضغط‭ ‬في‭ ‬التفاوض،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تورطت‭ ‬هذه‭ ‬المليشيات‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬الممرات‭ ‬والمضايق‭ ‬المائية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬حيث‭ ‬حاولت‭ ‬استهداف‭ ‬ناقلات‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬بزوارق‭ ‬مفخخة‭ ‬مسيرة‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وزرع‭ ‬ألغام‭ ‬عائمة‭ ‬لعرقلة‭ ‬الملاحة‭ ‬واستخدم‭ ‬القوارب‭ ‬المتفجرة‭ ‬والقذائف‭ ‬المضادة‭ ‬للسفن،‭ ‬مثال‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬سفينة‭ ‬إماراتية‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2016‭ ‬وناقلة‭ ‬نفط‭ ‬سعودية‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2018. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تنظر‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬باعتباره‭ ‬يشكل‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬تنفيذ‭ ‬أجندتها‭ ‬التوسعية،‭ ‬وتعمل‭ ‬بشكل‭ ‬حثيث‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬خاصة‭ ‬القريب‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ومضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب، ‬يقابل‭ ‬ذلك‭ ‬سعي‭ ‬تركيا‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬أيضا،‭ ‬كسعيها‭ ‬لتأجير‭ ‬جزيرة‭ ‬سواكن‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وإقامتها‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬تعد‭ ‬أكبر‭ ‬معسكر‭ ‬تدريب‭ ‬لها‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭،‬ ومع‭ ‬هذا‭ ‬التنافس‭ ‬الإقليمي،‭ ‬تتنافس‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى؛‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والصين،‭ ‬وفرنسا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رؤى‭ ‬وتصورات‭ ‬متباينة‭ ‬بل‭ ‬ومتعارضة‭ ‬أحيانًا‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التنافس،‭‭ ‬هناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬النجاح‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬الوليدة،‭ ‬حيث‭ ‬تحظى‭ ‬بتأييد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بما‭ ‬يفتح‭ ‬فرصًا‭ ‬عديدة‭ ‬للتعاون‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬القوى،‬ خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأمن‭ ‬الملاحة‭ ‬وأمن‭ ‬الطاقة‭ ،‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ،‬ تعد ‭‬هذه‭ ‬المنطقة‭‭ ‬جزءا‭ ‬رئيسا‭ ‬من‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ‬الصينية،‭ ‬أو‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الجديد،‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬فرصًا‭ ‬للتكامل‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الصين‭.‬

ويعد‭ ‬التحدي‭ ‬البيئي‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬السفينة‭ ‬‮«‬صافر‮»‬‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬ميناء‭ ‬بحري‭ ‬عائم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتحمل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬نفط‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬الوليدة‭،‬ وكانت‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬أعربت‭ ‬عن‭ ‬تضامنها‭ ‬مع‭ ‬اليمن‭ ‬والسعودية،‭ ‬ووضعها‭ ‬خبراتها‭ ‬وإمكانياتها‭ ‬الفنية‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬جذري‭ ‬للأزمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬طلب‭ ‬الدعم‭ ‬الفني‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬بيئة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬المعرضة‭ ‬للتلوث،‭ ‬والطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وخليج‭ ‬عدن‭ ‬تفعيل‭ ‬خططها‭ ‬الوطنية‭ ‬للاستجابة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬المحتملة‭ ‬حالة‭ ‬حدوث‭ ‬تسرب‭ ‬أو‭ ‬انفجار‭ ‬للسفينة،‭ ‬ودعم‭ ‬جهود‭ ‬الهيئة‭ ‬الإقليمية‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن،‭ ‬لمراجعة‭ ‬مشروع‭ ‬الخطة‭ ‬الإقليمية‭ ‬المحددة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية، ‬وتأتي‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬تحلل‭ ‬لهيكل‭ ‬السفينة،‭ ‬وتسرب‭ ‬النفط‭ ‬نظرًا‭ ‬لعدم‭ ‬إجراء‭ ‬صيانة‭ ‬دورية‭ ‬لها،‭ ‬كما‭ ‬تزداد‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬انفجارها‭ ‬نظرًا‭ ‬لتوقف‭ ‬إنتاج‭ ‬الغاز‭ ‬الخامل‭ ‬الذي‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬تراكم‭ ‬وتفاعل‭ ‬الغازات‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬التهديد‭ ‬البيئي‭ ‬على‭ ‬اليمن‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭.‬

وترسو‭ ‬السفينة‭ ‬‮«‬صافر‮»‬‭ ‬قبالة‭ ‬ميناء‭ ‬رأس‭ ‬عيسى‭ ‬النفطي‭ ‬في‭ ‬الحديدة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬وترفض‭ ‬ميليشيات‭ ‬الحوثي‭ ‬دخول‭ ‬فريق‭ ‬أممي‭ ‬لصيانتها‭ ‬وتفريغها،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬أعرب‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬قلق‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬وقوع‭ ‬كارثة‭ ‬بيئية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الناقلة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحدد‭ ‬موعدًا‭ ‬لعملية‭ ‬تفتيش‭ ‬السفينة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فريق‭ ‬أممي‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لإفراغ‭ ‬حمولتها‭.‬

ودعت‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬عاجلة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬إنقاذ‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬كارثة‭ ‬محتملة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لاحظت‭ ‬بقعا‭ ‬نفطية‭ ‬غرب‭ ‬الناقلة،‭ ‬وتكرر‭ ‬هذا‭ ‬التحذير‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬وزراء‭ ‬البيئة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬الشهر،‭ ‬وتبلغ‭ ‬ضراوة‭ ‬التأثير‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬سوف‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬حتى‭ ‬تتعافى‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ،‬وستفقد‭ ‬قرابة‭ ‬115‭ ‬من‭ ‬جزر‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬تنوعها‭ ‬البيولوجي‭ .‬

وفي‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي‭ ‬شدد‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬التهديد‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬ناقلة‭ ‬النفط‭ ‬‮«‬صافر‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬حالتها‭ ‬المتردية‭ ‬والمتداعية‭ ‬بكارثة اقتصادية‭ ‬وبحرية‭ ‬وإنسانية‭ ‬للبيئة‭ ‬والتنمية،‭ ‬وشدد‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحوثيين‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬تسهيلهم‭ ‬العاجل‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬دخول‭ ‬فريق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإجراء‭ ‬تقويم‭ ‬أساسي‭ ‬وإصلاح‭ ‬للسفينة‭ ،‬فيما‭ ‬يتخذ‭ ‬الحوثيون‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬وسيلة‭ ‬لابتزاز‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬ومادية‭ ‬دون‭ ‬اكتراث‭ ‬بالعواقب‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬تسرب‭ ‬أو‭ ‬غرق‭ ‬أو‭ ‬انفجار‭ ‬الناقلة،‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬اليمن‭ ‬والمنطقة‭ ‬أمام‭ ‬كارثة‭ ‬وشيكة‭.‬

وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬يرفض‭ ‬الحوثيون‭ ‬كل‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬الحكومة‭ ‬الشرعية‭ ‬حسم‭ ‬الأزمة؛‭ ‬لأنها‭ ‬تبعد‭ ‬مسافة‭ ‬كبيرة‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬رسو‭ ‬السفينة‭ ‬‮«‬صافر‮»‬‭. ‬وفضلا‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬الابتزاز‭ ‬السياسي،‭ ‬فإن‭ ‬الحوثيين‭ ‬يطمعون‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬نفط‭ ‬السفينة،‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬قرارات‭ ‬حاسمة‭ ‬لهذه‭ ‬القضية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى