(النعاش) يستحق أن نتذكره كبطل

> ياسر محمد الأعسم

>
ياسر الأعسم
ياسر الأعسم
استفاقت مدينة عدن صباح يوم الأحد العاشر من شهر مايو الماضي على خبر حزين، تشوحت سطوره بالسواد، وهي تنعي رحيل الكابتن سامي النعاش المدير الفني للمنتخب اليمني الأول، وأحد رموز كرة القدم اليمنية، متأثراً في إصابته بفيروس كورونا.
كانت وفاته صدمة كبيرة عاشها ليس الوسط الرياضي فحسب، لكن الجميع في الوطن، حيث عاد من معسكر المنتخب بمحافظة شبوة إلى العاصمة عدن، بعد اكتشاف إصابته بالفيروس، وفي الوقت الذي راودتنا الطمأنينة فيه بأن يتعافى من شر الجائحة، كانت إرادة الله سبحانه وتعالى قد سبقتنا، واختاره إلى جواره.

ألقت عدن نظرة الوداع الأخيرة على وجه ابنها المسجي في ثوبه الأبيض، وشيعت جثمانه حزينة، ووارت جسده الطاهر الثرى بمقبرة القطيع، في تراب المدينة التي عشقها، وعاش يتنفسها في كل لحظة من حياته.

اللهم لا اعتراض.. (سامي) الذي رحل عن الدنيا فجأة، لم تنعه القلعة الحمراء، ومدينة عدن وحدهما، بل نعاه وطن بكامله، أصبح اليوم صفحة طواها القضاء والقدر، وترك فراقه الحزن والحسرة، لكنه أيضاً ترك مجداً يستحق أن نتوقف عنده كثيراً، ونحسب أننا كنا بخلاء أو ربما جاحدين لحقه حياً، وقد لا نجد عذراً يعفينا، ونظن أن مواقفنا المخجلة وإحساسنا بنكرانه ستبقى تلاحقنا، وشاهدة على خذلانه، وربما لا تشفع لنا كلمات العزاء بعد رحيله، لكننا لا نملك سلطاناً، ولسنا أصحاب قرار في هذا البلد، وعشمنا أن يستر هذا عورة مواقفنا، ولا نعلم إذا كانت مشاعرنا تؤثر على قرارنا، فأحياناً نسأل أنفسنا: هل خطفه الموت، وجعلنا ندرك قيمته ومرارة خسارته؟

الكابتن سامي النعاش الذي شهدت عدن مسقط رأسه قبل (64) عاماً، واحتضنت أزقة وحوافي مدينة كريتر العتيقة طفولته، وعرفت ملاعبها الترابية موهبته، الشاب نحيل الذي ولدت نجوميته في سبعينيات القرن الماضي بصفوف نادي الأحرار، وكان أحد الذين صنعوا العصر الذهبي لنادي التلال العدني الشهير، وأفراح جماهير عميد أندية الوطن، وشبه الجزيرة العربية، وقاده إلى منصات التتويج لاعباً ومدرباً، وترك المستطيل الأخضر نهاية التسعينيات، بعد أن دوّن مجداً بين جدران القلعة الحمراء، وحفر اسمه في لوحة شرفها، وأصبح رمزاً في صفحات تاريخها العريق.

حياته المهنية على الدكة كانت مع بداية الألفية الثالثة، وخاض تجربته الأولى كمدرب من بوابة ناديه التلال، وانتقل بعدها إلى أكثر من نادٍ محلي، وخلال سنوات عمله استطاع تحقيق إنجازات في كل محطاته التدريبية، وسطر اسمه كأفضل مدربي كرة القدم على الساحة اليمنية.

كما تولى مهمة تدريب المنتخبات الوطنية اليمنية بكل فئاتها السنية، حيث بدأ مشواره بترشيحه لقيادة المنتخب الوطني للناشئين عام 2007م، مروراً بمنتخبي الشباب والأولمبي في عام 2018م، و قد استدعي كمدير فني للمنتخب اليمني الأول أكثر من مرة، و كان أولها عام 2011م، ثم عاد مرة أخرى في التصفيات المؤهلة لكأس آسيا، وكأس العرب عام 2014م، وليعود اتحاد الكرة اليمني، ويجدد ثقته به للمرة الثالثة، حيث اختير عام 2019م لقيادة المنتخب في تصفيات آسيا المزدوجة المؤهلة إلى كأس العالم 2022م وكأس آسيا 2023م، وذلك قبل أن يغيبه الموت.

كل شيء تعيس في هذا الوطن، وأكثر ما تملكه ضمائر المسؤولين، هو أن يمدحوك ويكرموك بالكلام، فالبلاد التي تعيش حرباً منذ أكثر من ست سنوات، وفي الظروف الصعبة، والأزمات والخيبات المزمنة للكرة القدم اليمنية، لم يتردد الكابتن سامي النعاش فيها عن تلبية واجبه الوطني، وإن كان على حساب صحته وسمعته وحقوقه، وفي النهاية لم يتذكروه بالوقوف دقيقة حداد على روحه في أول مباراة للمنتخب بعد رحيله، ولا حتى بخرقة سوداء، ولا نعلم متى تستحي وجوههم!.

يستحق (النعاش) أن يتذكره الجميع كبطل، وندعو المسؤولين عن الدولة والرياضة اليمنية، أن تتجاوز مواقفهم صفحة نعيه، فإذا كانوا قد مارسوا جحودهم، ونكرانهم في حياته، فلا يبخسونه حقوقه، وشرف تكريمه بعد موته.
رحمة الله عليك كابتن سامي النعاش، ونسأل رب العرش العظيم أن يغسلك بالماء والثلج و البرد، ويجعل قبرك نوراً وروضة من الجنة، وترقد روحك بسلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى