شبوة.. تعثر خطواتها للمدنية وصهر التشريعات على أعتاب مجالس التحكيم

> تحقيق/أديب صالح العبد:

>
  • دولة داخل دولة وأحكام نافذة خارج المحاكم
تعيش عدد من الدول العربية ازدواجية حقيقة بين حضور الدولة وتسلط القبيلة، واليمن واحدة من تلك الدول التي تعد فيها القبيلة ركيزة أساسية للتوازن السياسي فضلًا عن الاجتماعي.

وبعيدًا عن القوانين والدساتير التي تحكم الشعوب، تحتكم القبائل وأبناؤها لأعراف وأسلاف قبلية تمثل قوانين نافذة، فهي بالفعل قوانين متعارف عليها بين الجميع على الرغم من كونها غير مكتوبة إلا أنها تُتبع للفصل في النزاعات والتحكيم بين القبائل والأفراد منذ مئات السنين إلى يومنا هذا. وفي اليمن بصورة عامة يعتبر حكم الشيخ القبلي نافذًا لا يجوز نقضه إلا عبر محكمة استئناف، والجدير بالذكر أن الأغلبية يفضلون الاحتكام للقبيلة بعيدًا عن المحاكم والتشريعات القانونية.

وفي شبوة ثالث أكبر محافظة مساحة، توفر القبلية الحماية لأبنائها ومن يسكن بينهم من القبائل والعشائر الأخرى ممن يسمون "الربيع" أو "القطير"، ولا يوجد هناك تضارب بين وجود الدولة المدنية وسيادة القبيلة، ذلك أن القبيلة استطاعت أن تذيب الدولة بداخلها وتصهر القوانين والتشريعات على أعتاب مجالس التحكيم.

يظهر دور القبيلة جليًا في حين يغيب دور مؤسسات الدولة كالقضاء والنيابة العامة، فتلجأ القبائل للاحتكام عند شيخ قبيلة أخرى للفصل في أي نزاع سواء ثأر قبلي أو مشاكل أرض أو قضايا اجتماعية أو جنائية أو مدنية وتصدر الأحكام الرادعة، وتنفذ حسب المدة الزمنية المحددة لها كما وتقدم الضمانات والتي يطلق عليها اسم "العدول" من سيارات وغيرها قبل صدور الحكم، يقدم كل طرف ضمين تجاري كفيل في تنفيذ الحكم الصادر من شيخ القبيلة مهما كان نوعه، وذلك كله بأمر الشيخ لا القاضي.

شبوة المدينة التي كادت تتخلص من سطوة القبلية وتنضوي تحت عباءة المدنية قبل إعلان الوحدة اليمنية، تعيش اليوم واقعًا متباينًا في المواقف حيال المدنية، أما القبلية فيها الأساس كونها تمكنت بجدارة من حل الخلافات الداخلية، وتسيير شؤونها الاقتصادية والأمنية، وتطبيع علاقاتها مع جيرانها شفاهية دون الحاجة للرجوع إلى محكمة أو الاستشهاد بمادة من الدستور أو ما إلى ذلك من صور الاحتكام لسلطة الدولة. ولا يقتصر دور القبيلة هناك بالفصل بين النزاعات وإصدار الأحكام؛ بل وتقوم بدور قوات حفظ سلام من خلال الدخول لوقف أي اشتباكات بين القبائل المختلفة، والعمل لإسعاف الجرحى، وإخراج جثث القتلى حال الحرب، وتملك كل قبيلة صندوق لدعم المريض والمحتاج من أبنائها دفع ما يحكم على أحد أفرادها لإنهاء إشكال مع قبيلة أخرى.

كما تلعب القبيلة دورًا هامًا جدًا في حماية الضعفاء ونصرتهم من أي تعسفات، سواء داخلية أو خارجية، وهي ذاتها لا ترفض العمل السياسي طالما وأنه لا يتجاوز أو يعيق تنفيذ أعرافها، فتجد أفراد القبيلة يرتصون أمام صناديق الاقتراع لمساندة أحد أبنائها ترشح للانتخابات، إيمانًا منهم بأن ولاءه للقبيلة يأتي أولا.

"تعتبر القبيلة مرجع هام حسب الأعراف السائرة، ولكنها في ظل ضياع وضعف الدولة تعتبر قوة لحفظ التوازنات في المجتمع، ونبذ الظلم من خلال الأحكام النافذة الرادعة" قال الشيخ محمد أحمد شيخ الفاطمي، أحد أبرز المشايخ والشخصيات الاجتماعية في مديرية بيحان بشبوة، والذي يقوم بإصدار الأحكام العرفية في الكثير من القضايا.

ويوضح أنه عندما أعيد الوضع القبلي إلى شبوة بعد قيام الوحدة اليمنية في العام 90م حدثت انشقاقات وثارات قبلية وتفاوتات، ولكنها على الشكل العام تعتبر إيجابية حد قوله، "فالقبيلة لو تم أخذها من منظورها القديم ما قبل الدولة فهي تعتبر دستور بحد ذاته، وكان الجميع يحترمه ويتماشى معه حتى ضر الدجاجة أو الخروف أو الجمل وغيرها إذا ذهبت إلى مزرعة ورعت فيها فقد كان عليها حكم في الضرر الذي أحدثته، وكان الجميع يحترم هذا الحكم فما بالكم إذا اعتدى إنسان على إنسان".

محمد الفاطمي
محمد الفاطمي
ويشير الفاطمي إلى أن القبيلة تعد الاعتداء على المرأة والطفل والأعزل عيبًا أسودًا، حتى بعد أن فقدت الكثير من أعرافها وخضعت لاجتهادات وتدخلات تصدر للواجهة الدولة مرة ومرة القبيلة، إلا أنه يصر على أن إيجابيات حكم القبيلة تطغى على سلبياته، فهي من تتولى تأمين الطرق وإغاثة الملهوف، وتخدم المواطن من خلال صور عدة، يؤكد عليها الشيخ الفاطمي قائلًا :"عندما يتعرض أي إنسان لسطو أو لقرصنة مثلًا تلتحم قبيلة كاملة حتى ترفع هذه المظلومية التي عليه، وعلى الرغم من أنه اليوم خف هذا الأمر فمن سابق كانت القبيلة تفزع على الخيل والإبل وسيرًا على الأقدام، ذلك كله كان احترامًا للقبيلة والقبائل الأخرى، حيث لا يتجاوز أحد على الآخر، وهذا الشيء كان سائدًا في مختلف المناطق بشكل عام".

ويرى الفاطمي أن الإمارة الهبيلية في بيحان كانت أولى خطوات تشكل الدولة، إلا أنها استخدمت سياسة التفريخ لتشتيت الآراء، وإضعاف قوة القبيلة القوية باتحاد كلمتها، مؤكدًا أن القبيلة كانت ولا تزال دستورًا قائمًا بحد ذاته، مسخرًا لخدمة وحماية المواطن.

وفي ظل حكم القبيلة يظهر أثر لوجود حزبي كان من المقرر له أن يعمل لخدمة المواطن في شبوة التي باتت بعيدة كل البُعد عن أي شكل من أشكال العمل السياسي. ومن هناك حاولنا اللقاء بعدد من شخصيات حزب المؤتمر الشعبي العام بشبوة إلا أننا كنا نتفاجأ بعدم التجاوب والرغبة في الطرح، في اعتراف ضمني لانعدام العمل الحزبي، وكذا ممثلو حزب الإصلاح الذي يسيطر على جميع مفاصل الدولة بالمحافظة، وعلى جميع أجهزتها العسكرية والأمنية والمدنية امتنعوا عن الإفصاح عن رأيهم فيما يخص دور الأحزاب في خدمة المواطنين، معللين ذلك بأنه لا يمكن إصدار تصريحات إلا عبر الأطر الرسمية للحزب.

صالح رويس
صالح رويس
في الجانب الآخر كان لقاؤنا بصالح رويس عوض علي بن لصور، عضو سكرتارية لجنة منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بشبوة، وسكرتير دائرة الشؤون القانونية والحريات العامة، الذي لم يتردد عن القول بأن الحزب الاشتراكي اليمني امتدادًا للحركة الوطنية اليمنية، ووليد تنظيم الجبهة القومية مفجرة ثورة الـ14 من أكتوبر، ثم التنظيم السياسي الموحد إلى إعلان الحزب الاشتراكي اليمني، "كان الحزب تواقًا للأحزاب الطليعية التقدمية، واستطاع في مراحله المختلفة البناء الحزبي والتكوين لمختلف هيئاته القيادية، وقاد الحزب الدولة الديمقراطية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المشهود لها، وعلى الرغم من مختلف المنعطفات التي مر بها الحزب إلا أنه حزبًا جماهيريًا قويًا ومتماسكًا، دعا إلى تحقيق الوحدة اليمنية كهدف من أهدافه وتحققت الوحدة لأول مرة في التاريخ في22 مايو1990".

ويؤكد لصور على أن الحزب مستمر في تفعيل نشاطه في سبيل تحقيق نجاحات ملموسة على مختلف الأصعدة يتلمس من خلالها هموم المواطنين في كل جوانب الحياة، ويرصدها ليعمل على إصلاحها، وتحسين معيشة المواطن في ظل غياب الدولة، وسيطرة بعض القوى الوصولية الانتهازية حد وصفه، على عدد من المحافظات.
وقال "سيطرة حزب الإخوان مثلًا على شبوة وجزء من أبين تمت لاستنزاف خيرات البلاد لصالح قوى ظلامية وعصابات مافيا تأكل الأخضر واليابس وتروج إعلاميًا عن أعمال تنموية كاذبة لكبح جماح مسيرة النضال الشاق لشعبنا التواق لإحداث نقلة نوعية، لا بد من الالتفاف الجماهيري حول الأحزاب في شبوة للوقوف في وجه العتاة".

صالح علي
صالح علي
وفي أثناء التحركات الخجولة للأحزاب في المحافظة باستثناء حزب الإصلاح، قال عضو الجمعية الوطنية في المجلس الانتقالي الجنوبي العميد صالح علي بلال أن المجلس الانتقالي يواجه عملًا ممنهجًا لتفتيت المجتمع في شبوة من خلال استغلال ماضي الصراعات السياسية والأخطاء الشخصية ترتكب في عدن وغيرها من المحافظات، وترجم من قبل مطابخ الأحزاب اليمنية والنافذين الشماليين على أنها صراع سياسي مناطقي، حسب بلال.

وأكد أنه على الرغم من إقصاء المجلس من المحافظة عقب أحداث أغسطس، إلا أنه يعمل ما استطاع على التخفيف من معاناة المواطن، مشيرًا إلى أن مناضلي الانتقالي يسعون منذ ما قبل أحداث أغسطس إلى تجنيب شبوة سفك الدماء، متجنبين نتائج صراعات سياسية جرت في السبعينيات وما قبلها واستغلها نظام صالح في دورة عنف في المحافظة بدأت من الأيام الأولى للوحدة.

ويظل المجلس باعتباره إطارًا مرحليًا يهدف إلى تحقيق الاستقلال، واستعادة الوطن والهوية، وغيره من المكونات الفاعلة على الأرض، وإن كانت قوضت قواها مؤخرًا، تبحث بشكل أو بآخر عن احتواء القبيلة والسعي لتحقيق شراكة حقيقية بين الدولة المدنية المنشودة والقبيلة التي وإن افتقرت في مرحلة ما للقبول المجتمعي لكنها صمام أمان وقوة عظيمة ينبغي ترويضها للوصول لمصالحة مجتمعية تقدر قيمة القبيلة وتحترم القوانين المشرعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى