مَن يمتلك السلطة "المطلقة" في إيران.. الرئيس أم المرشد؟

> ​قالت صحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية، إن ”نظام الحكم في إيران ليس مزيجا بين الديمقراطية التي تدّعيها طهران، أو الثيوقراطية الأحادية التي يتحدث عنها النقاد“، مؤكدة أن ”الرئيس يمتلك صلاحيات حقيقية، ولكنه في النهاية تابع لسلطة مطلقة تتمثل في المرشد الإيراني الأعلى“.
وتم تنصيب إبراهيم رئيسي كرئيس لإيران، يوم الخميس، والذي فاز في الانتخابات التي أجريت في حزيران / يونيو الماضي، وتضمنت استبعاد أي منافس محتمل.

ووفقا للصحيفة، يقول المنتقدون إن ”فوز رئيسي تم تصميمه ليعكس اختيار مرشده وحليفه، المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي“، حيث ”لفتت الانتخابات الانتباه إلى دور الرئيس الإيراني في نظام حكم يهيمن عليه رجال الدين منذ الثورة الإسلامية التي أطاحت بالنظام الملكي المدعوم من الولايات المتحدة قبل أكثر من 4 عقود“.

وعلى الرغم من أن النظام يحتوي على بعض الضوابط، إلا أن السلطة باتت ترتكز بشكل متزايد في أيدي المرشد الأعلى، الذي يتمتع بموجب الدستور الإيراني بسلطة أكبر من سلطة الرئيس، بحسب الصحيفة.

من هو إبراهيم رئيسي؟
وقالت صحيفة ”نيويورك تايمز“، إنه ”حتى الشهر الماضي، كان رئيسي (60 عاما)، رئيسا للسلطة القضائية الإيرانية، وقضى معظم حياته المهنية كمدع عام وهو مدرج في قائمة العقوبات الأمريكية بسبب سجله في مجال حقوق الإنسان.. ووفقا لمنظمات حقوق الإنسان، في عام 1988، كان عضوا في لجنة أمرت بإعدام حوالي 5000 سجين من معارضي الحكومة“.

وأضافت: ”يعتبر رئيسي أحد تلاميذ خامنئي (82 عاما)، والذي كان مسؤولا عن صعود رئيسي للسلطة، حيث يتشارك الاثنان في وجهة نظر تتميز بالشك العميق تجاه الغرب بشكل عام، والكراهية تجاه الولايات المتحدة بشكل خاص“.

و“يُعتقد أن رئيسي هو الخليفة المرجح لخامنئي، ففي حين اختلف الرؤساء السابقون مع القادة الأعلى، إلا أن رئيسي يمكن أن يكون الرئيس الأكثر تشابها في التفكير مع المرشد الأعلى“، بحسب الصحيفة.
نظام الحكم في إيران

ووفقا للصحيفة الأمريكية، ”تنقسم الحكومة الإيرانية إلى سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، ويتم انتخاب الرئيس وأعضاء البرلمان والمسؤولين المحليين، ولكن يحكمها أيضا تسلسل هرمي ديني إسلامي يشرف على الإدارة المدنية“.

كما أن ”معظم سلطات هذا التسلسل الهرمي تكمن في مجلس صيانة الدستور، وهو مجموعة من 12 رجلا، يتم تعيين نصفهم من قِبل المرشد الأعلى، والنصف الآخر من المحامين الذين يختارهم البرلمان بناء على توصيات من رئيس السلطة القضائية، والذي يتم تعيينه أيضا من قِبل المرشد الأعلى“، ويقوم المجلس بفحص جميع القوانين التي يقرها البرلمان ويوافق على جميع المرشحين لمنصب الرئيس، مما يمنحه سيطرة هائلة، وفقا للصحيفة.
وتؤكد الصحيفة أنه ”يتم اختيار المرشد الأعلى من قبل هيئة خاصة من رجال الدين تعرف باسم مجلس الخبراء، وعلى الرغم من أن هذه المجموعة هي هيئة منتخبة، إلا أن المرشحين للعضوية يحتاجون لموافقة مجلس صيانة الدستور“.

مَن ابتكر هذا النظام؟
أوضحت ”نيويورك تايمز“ أنه ”تم وضع الهيكل الأصلي من قبل المرشد الأعلى الإيراني الأول، آية الله روح الله الخميني، وهو رجل الدين المنفي الذي عاد لإيران ليركب موجة من الغضب واسع النطاق ويطيح بالشاه محمد رضا بهلوي ونظامه الملكي القمعي في ثورة 1979.. وأنشأ الخميني نظاما هجينا لجمهورية إيران الإسلامية الجديدة، يتمحور حول الهوية الدينية“.

وقال محسن ميلاني، الباحث الإيراني والمدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في جامعة جنوب فلوريدا: ”يتكون النظام من نصف منتخب ونصف غير منتخب“.
وأوضح الدستور، الذي تمت صياغته في عهد الخميني، أنه ”صاحب السلطة الأعلى في البلاد، ولديه سلطة إقالة الرئيس، ولكن في عهد خامنئي، الذي شغل منصب الرئيس في عهد الخميني وخلفه بعد وفاته في عام 1989، تم تعديل الدستور لمنح المرشد الأعلى مزيدا من السلطة“، وفقا للصحيفة.
المرشد الأعلى الإيراني الأول، آية الله روح الله الخميني
المرشد الأعلى الإيراني الأول، آية الله روح الله الخميني

سلطات المرشد الأعلى
وقالت الصحيفة إن ”المرشد الإيراني الأعلى هو قائد القوات المسلحة، بما في ذلك فيلق الحرس الثوري الإسلامي، وهي قوة شبه عسكرية واسعة النفوذ داخل البلاد، ويمكنه إعلان الحرب والعفو عن السجناء، وله القرار النهائي في جميع مسائل الأمن القومي والسياسة الخارجية، وعلى الأخص فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني مع القوى الأجنبية المعرضة الآن لخطر الانهيار“.

وتابعت أنه ”بالإضافة إلى تعيين رئيس السلطة القضائية، يختار المرشد الأعلى أو يؤثر بشدة على عملية اختيار الرئيس للوزراء، وخاصة مناصب الدفاع والخارجية والاستخبارات والأمن الداخلي، كما أنه يسيطر على وسائل الإعلام الحكومية“.
وقال مهرزاد بروجردي، خبير دراسات إيران في مركز ”فيرجينيا تيك“، ومدير كلية الشؤون العامة والدولية: ”في النظام الإيراني، المرشد الأعلى هو السلطة المطلقة، ويمكنه أن يحدد السياسات العامة للنظام بأكمله“.

وتقدم هيمنة خامنئي الفعالة على مجلس صيانة الدستور لمحة عن مدى سلطته في إيران، فعلى الرغم من أنه يعين رسميا 6 أعضاء فقط في لجنة صيانة الدستور، إلا أنه يحدد الـ6 الآخرين بشكل غير رسمي من خلال تعيينه لرئيس السلطة القضائية، والذي من المستبعد أن يعين أي شخص يرفضه خامنئي، وفقا للصحيفة.
صلاحيات الرئيس

وأكدت الصحيفة أنه ”على الرغم من أنه تابع للمرشد الأعلى، إلا أن الرئيس لديه بعض السلطات المحدودة، حيث يعين الوزراء للمناصب الاقتصادية الرئيسية، ويوقع المعاهدات ويشرف على الميزانية ويسيطر على الهياكل المدنية للحكومة المسؤولة عن الأشغال العامة والرعاية الصحية والطاقة الكهربائية والمياه والموارد الطبيعية الأخرى، كما أنه يستمد السلطة من المرشد الأعلى باعتباره الشخص المسؤول عن تنفيذ سياساته“.

المشكلة الأكثر إلحاحا أمام الرئاسة
”تعتبر المشكلة الأكثر إلحاحا في إيران الآن هي الضعف الاقتصادي، والذي تفاقم بسبب الوباء ونقص المياه والآثار المدمرة للغاية للعقوبات الأمريكية، ولذلك سيحتاج رئيسي إلى إيجاد طريقة لإنهاء أو تخفيف أو التحايل على تلك العقوبات، والتي ساعدت في تفكيك الاتفاقية النووية لعام 2015 التي تفاوض عليها سلفه حسن روحاني، وفي حين انتقد المرشد الأعلى الولايات المتحدة بشأن النزاع النووي، إلا أنه لم يوقف المفاوضات لحلها، وفقا للصحيفة.
هل يمكن لرئيسي أن يتحدى المرشد الأعلى؟

استبعد الخبراء الإيرانيون سعي رئيسي لتحدي خامنئي معلمه السابق، أو الاختلاف معه أو حتى التلميح إلى الاختلاف معه، بحسب الصحيفة.
وقال الدكتور بروجردي: ”من الضروري أن نفهم أن رئيسي كان نكرة حتى قرر المرشد الأعلى تحويله إلى أحد رعاياه وتعيينه في مناصب قوية، ويتساءل المرء عن سبب استثمار خامنئي لكل هذه السلطة في فرد واحد إذا لم يكن يخطط لتهيئته كخليفة له؟“.

وقال غاري سيك، الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا والذي كان مستشار رئيسي في البيت الأبيض في الشؤون الإيرانية خلال ثورة 1979 وأزمة الرهائن الأمريكيين هناك، إن ”تقييم رئيسي سيستند إلى قدرته على تحسين نوعية الحياة للإيرانيين، بمن فيهم من لم يصوتوا له“.
وفي مقال حديث، أشار الدكتور سيك، إلى أنه ”ما دامت إيران تحت سيطرة المسؤولين المحافظين، فلن يتمكن رئيسي من إلقاء اللوم في أي إخفاقات خلال فترة رئاسته على العناصر الأكثر اعتدالا“.
وختم قائلا: ”حصل رئيسي على نعمة صفحة سياسية نظيفة، حيث يهيمن المتشددون على كل جزء من الحكومة، ولكن عمر هذه النعمة سيكون قصيرا“.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى