يافع.. إطلاق الأعيرة النارية عشوائيًا هم يشغل المجتمع والأمن

> > يافع«الأيام» صالح البخيتي:

>
  • ضحايا بالعشرات لطائش خلف الزناد..
  • ظاهرة منبوذة تشوه مناطق يافع..
  • التهور يسقط قتلى ويقلق السكينة ويحول الأفراح إلى أتراح..
كغيرهم من سكان القرى؛ بل وحتى المدن، يشكو أهالي يافع من ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية أثناء الاحتفالات بالأعراس والمناسبات، التي تعد ظاهرة سلبية خطيرة تهدد حياة الأبرياء.

خلال السنوات الأخيرة الماضية توسع نطاق تفشي الظاهرة حتى تكاد اليوم كالعادة المتجذرة في أصل كل منطقة، سواءً كنت في الحضر أو الريف، فترى أشخاصًا من أصحاب الشأن أو المناسبة يطلقون الرصاص الحي في الهواء دون تفكير أو مراعاة لحياة الآخرين الآمنين في منازلهم، الذين يتسبب لهم ذلك بالخوف والقلق، باستثناء من يسهم ويشارك في تلك الممارسات بتهور ينم عن انعدام التفكير بعواقب إطلاق النار عشوائيًا ونتائجه المؤسفة.

ظاهرة لا تنتهي إلا بقرارات صارمة
في مناطق مديريات يافع التابعة لمحافظة أبين، تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد الإصابات من إطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات والأفراح خلال السنوات الأخيرة تقدر بالعشرات، ومنهم من تؤدي الإصابة إلى وفاته فورًا، ومنهم من يصاب بعجز كلي دائم أو مؤقت، وآخرها كان حادثة الطفلة مارينا مالك، التي أصيبت برصاصة طائشة اخترقت رأسها مطلع الأسبوع المنصرم من رصاص أطلق عشوائيًا في عرس جماعي شهدته منطقة رخمة بيافع رصُد.

نقلت الطفلة على إثرها لتلقي العلاج في العاصمة عدن، الحادثة أثارت استنكارًا وغضبًا شعبيًا كبيرًا من الوسط الاجتماعي بيافع، كونها لا تعد الأولى؛ بل هي أبشع حادثة من حوادث تلك الظاهرة.
قال الأكاديمي د. عيدروس نصر ناصر النقيب، بأن ضحايا إطلاق النار العشوائي يتضاعفون، وأن هناك أناس لم تعد تميز بين أن تفرح وبين أن تؤذي الآخرين، بما يلحق بهم من أضرار قد تصل إلى الموت، ومارينا مالك عصام آخر ضحايا هذه الظاهرة البغيضة المدمرة.

"كانت مارينا تلعب مبتهجة في أجواء العيد، وليس بعيدًا عنها كان هناك حفل زواج لأناس نعزهم ويرتبطون بالجميع بما في ذلك أهل مارينا بروابط مودة واحترام ووشائج قربى ووئام، وكان يمكن أن يمر الفرح بدون دواعي للحزن والألم والخوف من الموت المحتم؛ لكن أحد الفرحين أطلق العنان لبندقيته لتستقر إحدى الطلقات في رأس مارينا، وشاء الله أن يلطف بقدره لتنجو مارينا من موت محقق؛ لكن إنقاذها وعملية استخراج الرصاصة وملحقات العلاج الأخرى ومستلزماته كلفت ملايين، في ظل ارتفاع سعر كل شيء في هذه البلاد، عدا الإنسان والريال" أوضح النقيب.

ودعا النقيب الجميع إلى ترك هذه الظاهرة قائلا: «تعلموا من أخطاء غيركم، وافرحوا كما تشاؤون؛ لكن دون حاجة إلى صناعة الحزن والرعب للآخرين، وهنا أشكر طاقم مستشفى عدن الألماني الدولي بقيادة الدكتور علي محمد منصر حلبوب، على جهودهم النبيلة في إنقاذ مارينا، وجميع المواطنين قبل السلطات الغائبة".
من جانبه تحدث أ. عبدالمنعم الرشيدي مدير التدريب والتأهيل التربوي بيافع رصُد قائلًا: «إطلاق النار عشوائيًا مشكلة اجتماعية ستظل تلاحقنا، ولن تحل إلاّ بقرارات صارمة من قبل السلطات المحلية والأمنية والوجهاء والمشايخ والشخصيات الاجتماعية في مختلف المناطق بيافع».

وتابع: «إن مُطلق الأعيرة النارية في الهواء بصورة عشوائية هو مجرم وقاتل لقضية حصلت أو قد تحصل طالما استمر هؤلاء الطائشين في ممارسة سلوكهم المشين والقاتل، لأن الأعيرة النارية التي تُطلق لن تستقر في السماء، وإنما تعود راجعة إلى الأرض لترهب الأمنين في منازلهم، وتصيب الأبرياء مثلما حصل للطفلة البريئة مارينا.. تخيَّل حجم الذنب الذي يرتكبه مطلق النار في الهواء عندما تصيب طلقاته إنسانًا بريئًا، بينما هو يسرح ويمرح دون أن يدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المصاب وأهله".

"المجتمع الذي يحتفل بإطلاق النار متخلف"
ويرى الناشط الإعلامي أحمد صالح العُمَري، بأن ظاهرة إطلاق النار في الأعراس واحدة من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تعكس ثقافة المجتمع، وتعد دليلًا على انخفاض مستوى الوعي المدني.

وقال :"المجتمع الذي لا يزال يحتفل بهذه الطريقة التي ثبت له مدى خطرها ومقدار ما تزهقه من أرواح وما تسببه من مآسي وألآم يُعد مجتمع متخلف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن كثير من الناس تحولت أفراحهم إلى أتراح بسبب هذه العادة المقيتة التي تجاوز فيها البعض التعبير عن فرحته بطريقة غير مشروعة، وذلك من خلال حمله للسلاح وإطلاقه للرصاص في الهواء بطريقة عشوائية ابتهاجًا في الأعراس والمناسبات التي غيرت معها مظاهر التهاني إلى تعازي بدلًا من أن تكتمل الأفراح والمسرات في مثل تلك المناسبات التي رسم معالمها خطأ بشري جسيم بحق غيره من الأبرياء، يجب أن يعلم الجميع أن الفرح في القلوب وليس بإطلاق النار، ومهما كان الهدف من إطلاق الأعيرة النارية كتعبير عن الفرحة، الدموع التي تذرف والدماء التي تسيل عندما تخطئ الطلقات كفيلة بالابتعاد عنها".

وأردف: "إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تضافر الجهود والتعاون مع رجال الأمن في المهمة الوطنية، باعتبارها نوعًا من الإخلال بالأمن و الاستقرار، مما لاشك فيه أن التوعية بالمخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة السلبية ستسهم كثيرًا في تقليصها والحد من عواقبها بمساعدة المواطن لرجال الأمن، وندعو وسائل الإعلام وخطباء المساجد أن تنشط وتتحرك لتوعية الناس بخطر هذه الظاهرة، وكذا دور المواطنين بالتحدث لبعضهم البعض بالامتناع عنها في كل المناطق والتجمعات وأماكن اللقاءات".

الرصاصة التي لا تقتل تدوِش
أدى تزايد انتشار الظاهرة إلى تزايد ضحاياها، وبالتالي يؤكد الرأي العام في مناطق يافع سواءً من المثقفين أو حتى المواطنين البسطاء على خطورة الفعل، وكارثية نتائجه التي يمكن تجنبها منعًا لإهدار الأرواح، وسلب الآخرين سكينتهم وأمنهم.

رئيس المنتدى التربوي بيافع القارة أ. طاهر حنش السعيدي، تحدث لـ"الأيام" حول هذه الظاهرة وقال:"كما يقول المثل الشعبي «الرصاصة التي لا تقتل تدوِش» لكن الرصاص الذي يطلق بكميات كبيرة وبأنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في الأعراس والمناسبات وبطريقة عشوائية يدوِش، وقد ربما يقتل، يدوِش المتواجدين، ويقتل الأبرياء في أي بقعة من بقاع الأرض، وقد تتحول الأفراح بذلك إلى مآتم وأتراح".

ووصف السعيدي، من يمارس هذه الظاهرة بالقاتل المتنكر المجهول:" بعد إطلاق الرصاصة التي لا يشعر صاحبها أين تتجه إلا بعد أن يفرغ مخزنه من الرصاص، يسمع خبرًا مؤلمًا بإسعاف أو وفاة شخص حيثما جرى ذلك الضرب الهمجي والجنوني، وتجده يتأسف على الضحية قائلًا «أنا ضربت بهذا الاتجاه مغالطًا حتى لنفسه»، لذلك نقول يا هؤلاء الهمجيين والمتهورين بإطلاق الأعيرة النارية بالهواء اتقوا الله في أنفسكم واعقلوا، فقد ربما تكون تلك التصرفات قاتلة لأنفس بريئة، ويا صاحب العرس أو المناسبة إذا تريد الناس يفرحون معك امنع الضرب العشوائي لا تفرح أنت وتحزن آخرين".

جهد وكلفة على الأمن العام
وتساءل مدير مكتب إعلام مديرية يافع سباح فواز منصور الشقي، إلى متى سيبقى هكذا الوضع في يافع؟، "التهور في استخدام السلاح وإطلاق الأعيرة النارية، الأمر أمر خطير ومأساة تعرض حياة الإنسان للخطر، و يهدد أمن وحياة الإنسان وخاصة الأطفال الأبرياء والنساء في الأفراح والمناسبات إلى متى سيبقى هذا الفعل الذي تزهق به الأرواح من دون ذنب من هذه التصرفات الطائشة التي نعبر بها عن فرحنا ونحول الأفراح إلى أحزان وقتل النفس البشرية التي حرمها الله".

ووجه الشقي رسالة إلى أبناء يافع قال فيها :"آباؤنا وإخواننا في يافع الحبيب إن ما يثير الدهشة والاستغراب حجم إطلاق الرصاص المنهمر والجريء من رشاشات أوتوماتيكية مختلفة الأصناف والأنواع، وحتى الألعاب النارية، واستعمال الصوتيات، وخاصة في المناسبات السعيدة، وتطور الأمر إلى استعمال الأسلحة في مشاكل بسيطة صبيانية بين المواطنين في عدد من الأماكن على مستوى يافع عامة، وهذا جهد وكلفة على الأمن العام، وأعباء مالية ومعنوية وجسدية، وعلينا وعلى الأجهزة المعنية تكثيف الحملات التوعوية التي تكشف خطورة ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية، وتحفيز المواطنين على الابتعاد عن الممارسات الخاطئة التي تهدد أمن المجتمع لمناطق وقرى يافع".

وشدد الشقي على أهمية فرض القانون والعقوبات وعدم التهاون مع هذه الظاهرة حفاظًا على سلامة الإنسان والحيوان والطبيعة، لأنه قد يتحول بسببها الفرح إلى حزن، وقد يؤدي ذلك إلى قتل أرواح بريئة أو جرحهم ويسبب لهم عاهات وإعاقات جسدية مدى الحياة.

وثيقة قانونية اجتماعية لإنهاء الظاهرة
وقال فواز الشقي، بأن هذه الظاهرة يعاني منها المجتمع اليافعي بشكل عام، وخلقت مشاكل عديدة وكثيرة بين العائلات، وراح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم جاؤوا للمشاركة في الفرح، وتقديم واجب اجتماعي، أو جلسوا في شرفات بيوتهم، أو كانوا من المارين الكرام، "ظاهرة إطلاق النار في الأعراس تعد وباءً وآفة خطيرة لا يمكن السكوت عليها، إن الرصاص المتطاير قد يخترق أجساد الأطفال والكبار دون استئذان، ويحولهم إلى جثث هامدة، أو أجساد مشلولة لا تتحرك، من أجل إرضاء غرور بعض المستهترين والمتهورين، فلا بد من التحرك وإيجاد حلول رادعة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة على مجتمعنا اليافعي، ولا بد من إيجاد وثيقة أمنية قانونية اجتماعية تشكل عقد ملزم لدى كافة الجهات، وعلينا جميعًا تحمل المسؤولية حيال ذلك، ولا عذر لأحد منا، علينا حماية مناطق يافع، ونتمنى من الأجهزة الأمنية المشاركة يد بيد للعمل على وثيقة، لكي نضع حلًا جذريًا لحماية أرواح الأبرياء من البشر، من جراء ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية بكثافة في الأفراح والمناسبات في مختلف مناطق يافع.

وأوضح أنه" لم يكن يومًا التعبير عن أفراحنا بهمجية إطلاق الرصاص، وقتل الناس الأبرياء، لا تنسى عزيزي المواطن إن رصاصتك التي تطلقها في الهواء وتصيب الإنسان البريء أنها خطيئة في رقبتك تبقى معلقة إلى يوم الدين".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى