ريفيٌّ في المدينة

> جهاد العبادي

> ها قدْ ولدتُ ودوني الأمس قدْ شهقَـا

ونـزوة العمـــرِ زادتْ يومــــنا رهـــقَـا

أستوحش الصُّـبحُ وجهـــي بعـد طلته

وحــــارسُ اللّيـلِ آوى حلمَـــه النفــقَا

إذ قال لي الوقتُ: ... لم أفهمْ بلهجتهِ

يا مخصف الحرفِ فيك الشَّيب قدْ طفقَا

هناك في التيهِ أمضى اسمه ومضـى

يسـابقُ الرّيحَ حتَّــى عــانـقَ الشفقَــا

كـانتْ ليـاليــه أنْــسًا رغــمَ حـاجــته

إلى"النقــودِ"...أجل، لمْ يعـرفْ الأرقَــا

سحــر الطبيـعــة والأجــواء فــاتنــة

وراحـة البــال... كان الحــال منغلــقا

لو خـافهُ اللَّيل... ذاك البــدرُ يُرقُــبُــه

للبـدرِ ثـوبٌ يــواري خلــفــه الغسـقَــا

يســـاور الشَّــكُ- أحــيانــًا- سعــادتَــه

أتــوجــد الآن نفـــسٌ تنكـــرُ النـزقَـا؟

ولــي بـلادٌ... هـنا مــا زلــتُ أجهــلـها

يبقـى الســؤالُ غــريبـًا كلّـمــا نطـقَــا

مـا حــاجــة اللّيل للسُّمــار إذ سكــبتْ

هـذي الدَّياجـيرُ فـي أكـوابِــهِ القلـقَــا

والآن، بالرغـم ممــا فيــه مــن تـرفٍ

في حضـرة المـاء، والبحر الذي انفَلَقَا

هــذي المــدينةُ- والأحــلام تنسجــها

أنامــل الفجــر، لكــن حـلمــها ســرقــا

أزجـتْ إليهِ ربيــعَ العمـــرِ في شغــفٍ

وأكـرمـتْــه الهــــوى والمــالَ والألقَـــا

تَفَــرَّسَــتْ فـيــه أحــلامــًا مــؤجــلــةً

رأتْ بعــينــيــهِ تاريخــًا لها انبـثــقَــا

لـمْ يكـتـرثْ... إنَّمـا في الحـالِ ألْثَمَها

آثــرتُ-تُــفٍّ- عليــك البعــدَ والحــنقَــا

قلــبي إلى مــوطـنِ الأجــدادِ تسبقــه

خُطَى حروفـي، ونفـسٌ تسكنُ العبـقَا

أمسى هــناك على شــطِّ الولوجِ إلى...

يستعطـف البحــرَ: رفقـًا بالذي عشقَــا

'وخِيفَةً أَوْجَــسَت فِي نَفْسِـهِ'... فنـأى

عن لهفــةِ المــاء... ثمَّ خاطبَ الأفقَــا

ما حاجــة البحر للبحَّــار إذ صــدقــتْ

فيه النُّبُــوءاتُ حتَّــى يعلــن الغــرقَــا

تذَكّرَ الأمس، جـاس الشّـوق داخلــه

وعــاتبَ النَّفـــسَ بالحـبِّ الـذي هــرقَا

يقـــول- والعــمـــرُ مــازالــتْ تـــراودهُ

حكـايــةٌ تسكــنُ الأفـكــار والورقــا

رجـعـتُ مـن غربــة الأيَّام تحملـنــي

هــذي الدّروبُ إلى حلمي وقدْ سحــقَا

عشـرون عــامًا وهـــذا اللّيل يعـبرني

إلى ضـياعــي وحلمٌ جـــانب الطُّـــرقَا

إيـــهٍ *"أُرُسْتـــد"*(١) لا التَّيَّــار يسعـــفنــي

ولا التَّمـغْـنط يُذْكِــي داخلـــي الألقَـــا

*"وكهـرمان"* (٢) الهــوى في خِــدْرِ قافيــتي

أضَــاءَ للشِّعـــرِ حـــرفًا سـامــرَ الأرقــا

لكــنَّـهُ لــمْ يضِـيءْ للفكــرِ وجــهــتَــه

وحدي وحرفي عيــونٌ تحرس السَّرقَا

فاتَ القطــارُ، وحــرفٌ ضــلَّ وجهــتَه

ما قــال حتَّــى... ولكنْ حُــزْنه نطــقَا

والعمــرُ ما بيــن ذكــرى مـاتَ كاتبُــها

وأمنــيــاتٍ تضـاهـي كلَّــمــا ســبــقَــا

عـادتْ بهِ الريح، صــوتٌ كانَ يحمــله

وكـان ما كــان؟ أرث الأمــس قدْ نَفَقَا

فلــم تعــد غــيــر أطــلالٍ، تــذكــره..

بالراحليــن... دمــوعٌ تغــزو الحــدقَـا

ـــــــــــــــــــــــــــ

(١) *أورستيد* عالم دينماركي مكتشف الظاهرة الكهرومغناطيسية (الكهرباء - المغناطيس) التي بسببها صرنا إلى ما صرنا إليه اليوم من تقدم هائل في مجال الكهرباء والتكنولوجيا.

(٢) *الكهرمان*: شجرة لونها يشبه الشمس تجذب الأشياء وعن طريقها تم اكتشاف الكهرباء الساكنة من قبل اليابانيين عام 600 ميلادية ومنها جاء اسم الكهرباء فيما بعد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى