​مطار أم محطة لسيارات الأجرة

>
من عجائب الزمن الراهن أن نرى ونسمع ما لم يخطر على بال ولا خاطر. وقد ابتُليَت مدينة عدن بالكثير من هذه العجائب والغرائب التي نراها في شوارعها وحواريها وفي أكناف جبالها وفوق هضابها وعلى شواطئها ومنتزهاتها، حتى ضاقت المدينة وأصبح المواطن فيها يشعر بالاختناق، في فصل الصيف وفي الأشهر التي تليه، بسبب كثرة المنشآت التجارية الكبيرة والمباني السكنية المرتفعة، خاصة في مديرية صيرة، عدن القديمة (كريتر) وفي مديرية المنصورة وفي أحيائها السكنية التي تغيرت ملامحها، كحي فضل عبد الله (ريمي) الذي لم يعد ذلك الحي السكني الجميل بنظافة شوارعه وبمنازله المستقلة الصغيرة الجميلة التي هدم بعضها، لتعتلي في مواقعها العمارات الشاهقة، بدلاً منها، بعد بيعها من قبل أصحابها الذين منحتهم دولة اليمن الديمقراطية (دولة النظام والقانون) هذه المساكن بنظام التمليك.

أعود لما سلف ذكره، فإن مدينة عدن شهدت ضروب التعامل الوحشي على أرضها وعلى تاريخها وحضارتها وكينونتها كمدينة عالمية، لم تشهدها مدينة مثلها في العالم. فقد نالتها قذائف الدبابات والطائرات والصواريخ بأنواعها إبان الحرب الغاشمة عليها عام 1994م، ومن ثم احتلالها من قبل نظام صنعاء بالقوة بذريعة الحفاظ على الوحدة (الشؤم) والبدء بعمليات النهب والهدم والتدمير لمعالمها ومواقعها التاريخية وآثارها، بغية القضاء على ذاكرتها وطمس هويتها وموروثها الثقافي. ودمرت حرب 2015م ما تبقى مما لم تدمره الحرب الأولى. وإلى يومنا هذا بعد دحر مليشيات الحوثي وتحريرها منها عام 2015م، ما زالت هذه المدينة المكلومة والمظلومة، تعاني ألم المعاول، في جبالها وشوارعها وأخيراً في ساحة مطارها الدولي الذي يربو عمره عن الثمانين عاماً وشهدت سماؤه أول استعراض للطائرات العالمية في الثلث الأول من القرن العشرين إبان الاستعمار البريطاني (البغيض).

لا أدري من أين جاءت فكرة إنشاء دكاكين صغيرة (أكشاك) في الساحة الأمامية للمطار، بل فوق الرصيف، أمام بوابته، ومن صاحب هذا العقل (الداهية) الذي انبثقت عنه هذه الفكرة الغريبة التي لا تخطر حتى على عقل إبليس نفسه؟
في مطارات العالم، حتى في مطار جمهورية أرض الصومال الذي كان آخر مطار وطأت أقدامي عليه، أثناء زيارتي لتلك البلاد الجميلة، قبل حوالي عامين، والرائعة بنظامها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، لم أجد ما يشوه جمال منظر المطار.

تتنافس مطارات العالم الدولية والداخلية بنظافتها وتصاميمها الرائعة وما تقدمه من خدمات وتسهيلات للمسافرين، من خلال الإدارات المختلفة وحسن المعاملة ووجود أسباب الراحة، فنجد المتاجر الصغيرة والكبيرة والمطاعم المختلفة وفروع البنوك للصرافة، ونجد صالات الرياضة والاسترخاء بعد عناء السفر، ونجد غرفاً للإيواء والمستوصفات والمساجد. كل ذلك وأكثر نجده في معظم المطارات الدولية في الخارج.

 كان يوجد، في مطار عدن الدولي قبل أكثر من ثلاثين سنة، مطعم وكافتيريا، في الدور الأعلى، أما الدور الأرضي فكان صالة للمسافرين ومودعيهم. وبدلاً من تطوير وتوسيع مبنى المطار وتوفير وتحسين خدماته، نجد من يتوهج فكره عن بناء أكشاك لبيع العصائر ولتغيير العملة (صرافة) أمام بوابة المطار، وهي المنفذ الجوي السيادي الذي لا يمنع الخروج منه والدخول عبره إلا بوثيقة سفر رسمية، لأن المطار واجهة البلاد وبوابتها الأولى.

مطار عدن الدولي -يا هؤلاء- ليس محطة سيارات أجرة، إنه أرض سيادية، يمنع حمل السلاح فيه إلا لرجال الأمن وبترخيص رسمي، ويمنع العبث به وبأي زاوية فيه، أو بمكب قمامة صغيرة فيه.
من يخدم هذا المنظر ألا حضاري؟ ومن يملك هذه الأكشاك المستحدثة؟ ومن سمح ببنائها؟
هذا هو الفساد الضارب أطنابه في عدن، والحقد على عدن بتشويه سمعتها ومعالمها ليس إلا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى