"حمدي" ضحية ألغام الحوثي.. يكافح العيش بلا يدين

> تقرير /ابتسام الناصر:

> "قبل أن أفقد كلتا يدي بانفجار لغم أرضي كنت أعول أسرتين في وقت واحد، أسرتي وأسرة والدي الغائب، من خلال ما أحصل عليه من رعاية الأغنام، لكن بعد ذلك تحولت حياتي وحياة الأسرتين إلى جحيم لا يطاق"، بهذه الكلمات افتتح حمدي علي أحد أبناء محافظة أبين، قصته وقصة أسرته المأساوية.
لم تكن بداية الحكاية المؤلمة للمواطن حمدي علي محمد أحد أبناء قرية القرنعة بمديرية خنفر في محافظة أبين، مع انفجار اللغم بجسده الذي أفقده كلتا يديه بل بدأت قبل ذلك بكثير.

ما قبل الكارثة
كان مصدر دخل حمدي محمد، الوحيد هو ما يحصل عليه من رعي الأغنام الذي بالأساس لا يكاد يكفي لسد الاحتياجات الأساسية لأسرته، لكنه على الرغم من ذلك وجد نفسه فجأة مسئولًا عن رعاية أسرتين معًا، أسرة والده الغائب، وهم والدته وأشقائه، وأسرته المكونة من زوجة وطفلين الأولى بعمر ثلاث سنوات والصغرى ثمانية أشهر، تسكن الأسرتان في منزل مصنوع من الأخشاب وسقفه من الطرابيل، يتكون من غرفتين لا تتعدى مساحتها ثلاثة أمتار مربعة، بنوافذ صغيرة تكاد بصعوبة ترى ما يحدث خارجهم.

كان حمدي طموحًا يتمنى أن يتعلم ويحصل على الشهادات التعليمية بدءًا من المدرسة وحتى الجامعة، لكن ظروف أسرته وضعته أمام خيارين، إما الذهاب للمدرسة وبالتالي يموت هو وأسرته جوعًا أو يترك تعليمه ويذهب لكسب لقمة العيش، من جهة ويوفر فرصة التعليم لأشقائه ليحصلوا على مستقبل أفضل، وبالفعل اختار الشاب الخيار الثاني، ولم يكن حينها يعلم أن القادم المجهول كان هو الأكثر إيلامًا.

يضيف حمدي "كنت مرحًا أحب الحياة ولم أذهب للمدرسة لأني كنت أرى أن إخواني ومستقبلهم هو أكبر همي".

الانفجار
اعتمد حمدي على رعي الأغنام كمصدر دخل وحيد استطاع من خلاله تأمين الأساسيات الضرورية لحياة أسرته وأسرة والده، لكن ما حدث في الانفجار وفقد يديه غير مسار حياته وحياة أسرتيه معًا.
يقول حمدي "كنت انهض باكرًا في كل يوم وأذهب مع صديقي حسن لنرعى في مكان يبعد عن القرية قليلًا، وفي إحدى الأيام، رأينا هناك في مكان الرعي، شيئًا غريبًا من بعيد كأنه قنبلة".

ساورت حمدي شكوكًا حول ماهية ذلك الشيء الغريب، وكحب استطلاع اقترب منه لتفحصه ومعه صديقه حسن، لكن هذا الأخير استشعر الخطر وتوقف، مطلقًا تحذيرات لزميله، طالبًا منه التوقف، فالشيء الغريب يبدو أنه قنبلة، لكن حمدي أحب أن يستكشف الأمر بنفسه بل بيديه وهو ما كان.
يقول حمدي "أخذت ذلك الشيء بيدي وبدى لي أنه قنبلة أو بقايا صاروخ.. شي غريب وكان حسن يقول لا تأخذها، فلم أعطِ لكلامه أي اهتمام فأخذت ألعب بها ثم رميتها على الأرض".

توقف حمدي عن الحديث قليلًا وتبدلت ملامحه قبل أن يعاود الحديث بصوت متهدج فيقول: "لم أرَ سوى انفجار وغبار كثيف وحينها اختفى صوت صديقي وشعرت بنفسي وأنا على الأرض لا أستطيع الحركة، ولكني أشعر بالألم، حاولت تحريك جسمي أو أزحف على بطني، لكني عجزت عن ذلك، فجلت بنظري على جسمي فتفاجأت أني بلا يدين وما تبقى منهما كان ينزف منهما الدم بغزارة".

كان صديق حمدي هو الآخر مرميًا على الأرض، بعد أن أصيب بعدة شظايا، وهنا تحامل حمدي على ألمه ونهض متجهًا للبحث عن مساعدة، أغمي عليه في الطريق ثم أفاق وواصل السير حتى الطريق العام، وهناك رأى امرأة تسوق حمارًا، فأخذته إلى أقرب نقطة عسكرية والتي ذهبت لأخذ حسن الملقي على الأرض وذهبا بهما إلى مستشفى أطباء بلا حدود.

تقول والدة حمدي: "عندما وصلني خبر الحادث، كنت كالمجنونة، مشوشة، تائهة، ضائعة، فذهبت إلى المستشفى وأنا أشك أنه قد توفي ويخفون عني خبر موته، وعندما وصلت رأيته حيًّا لكن الأطباء طلبوا موافقتي لبتر يديه ففعلت وكذلك هم، وحينها تخيلت وضعنا المعيشي بدون الأيدي التي كانت تطعمنا"، وتضيف: "ستكون حياتنا أكثر صعوبة؛ بل أنها باتت أقرب إلى الموت جوعًا".
مع بتر يدي حمدي، بتر مصدر دخل الأسرتين، وباتت المعاناة مضاعفة، فلم يعد بإمكانه العمل وأخواته صغار لا يقدرون على العمل.

دعم نفسي
بعد الحادثة، أصبح حمدي بحالة نفسية صعبة، وبات بحاجة ماسة لدعم نفسي يعزز أمله في العيش بنفس راضية، وفي هذا السياق، تتحدث الاختصاصية النفسية زينب علي حسن عن حالة حمدي، بأن الشاب تلقى دعمًا نفسيًا ساعده على تخطي الأزمة التي كان يعاني منها.
وأشارت إلى أن هناك برامج خاصة، تدعمها بعض المنظمات الدولية، تقدم خدمات متنوعة خاصة بالمتضررين من الألغام، وتركز على تقديم الدعم النفسي للمتضررين من الحرب خاصة المتأثرين بالنزاع وذوي الإعاقة الناتجة من مخلفات الحرب أو الألغام التي لم تنفجر.
وأضافت "سعينا كثيرًا إلى التخفيف من الأثر النفسي الناتج عن الإعاقة ولله الحمد أصبح أغلب من تم تقديم الدعم لهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي واعتيادي، وتعايشوا مع هذا الوضع".

ضحايا
في حديث صحفي قال فارس الحميري المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام: سجلنا منذ بداية العام الجاري، وحتى منتصف سبتمبر المنصرم 207 ضحية من المدنيين نتيجة الألغام المزروعة بشكل مفرط في مناطق واسعة من البلاد.
وصلنا منذ مطلع العام مقتل 60 شخصًا، معظمهم نساء وأطفال، و147 مصابًا معظمهم تعرضوا لإعاقات مستديمة بسبب حوادث انفجار ألغام في محافظات (تعز، الحديدة، البيضاء، مأرب، الجوف، حجة).

وأشار الحميري إلى أن أكثر المناطق الملوثة بالألغام مديريات الخوخة والدريهمي والتحيتا في الحديدة، ومديريات المخا والوازعية وموزع وأجزاء من جبل حبشي بمحافظة تعز، وكذا مديريتي حرض وميدي.
ورصد المرصد وقوع حوادث ألغام متكررة للمدنيين نتيجة العبوات المموهة التي تكون على شكل أحجار أو ألعاب أطفال وهذه من الأشكال المداعبة التي تترصد المدنيين بشكل مباشر.

حتى لا تتكرر المعاناة
تقوم بعض المنظمات الدولية العاملة في اليمن وبعض المؤسسات بعمل توعية تثقيفية بين الحين والآخر في المناطق التي شهدت اقتتالًا لتجنيب المدنيين المخاطر التي قد تلحق بهم جراء الألغام.
وتطالب حملات التوعية من المواطنين عدم الاقتراب من أي أجسام مشبوهة أو العبث بها، كما تدعو إلى سرعة الإبلاغ عن أي أجسام غريبة أو غير مألوفة وعدم الاقتراب منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى