أب تقطعت السبل أمامه لإنقاد ولديه الصغيران.. الجوع وسوء التغذية يقتلان الأطفال في اليمن

> ​نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعدته سيوبان أوغاردي وعلي المجاهد عن الخيارات الصعبة التي تواجه اليمنيين الفقراء في علاج وإطعام أطفالهم في بلد يعاني  أسوأ كارثة إنسانية في العالم حسب الأمم المتحدة.

وقالا إن محمد فليت أحمد من بلدة موليس في منطقة المغربة في محافظة حجة كان يواجه اختيارا يثقله ويشعره بالخجل. فقد كان أولاده يعانون من الجوع ويعاني ولداه الصغيران من المرض، وأصابت الحرارة جسديهما الصغيرين الهزيلين اللذين يكافحان للتنفس. وجيوبه فارغة من المال والرحلة إلى المستشفى التي تبعد مسيرة ثلاث ساعات ستكلفه أكثر مما حصل عليه في أشهر.

ونظرا لحاجته الماسة للمال، فقد ناشد رجل أعمال محليا أن يقرضه. ووافق الرجل على توفير 50 دولارا كافية لنقل واحد من الطفلين، وترك الآخر. ويواجه محمد في كل يوم الذل والعذاب والمأساة التي لا يستطيع تحملها، فهل يجب عليه تناول حصته من الطعام القليل المتوفر للعائلة أم عليه تركه لأطفاله كي يحصلوا على لقيمات زائدة. هل عليه الخروج من البيت والبحث عن عمل يعرف أنه غير موجود أم عليه التسول للحصول على القات وإعادة بيعه بدراهم معدودة.

ولكنه اليوم يواجه خيارا بين ولديه الصغيرين البالغ عمراهما تسعة أشهر، كل واحد من زوجتيه الاثنتين. ومرض علي الصغير أولا وساءت حالته ببطء ثم تدهورت بشكل سريع. وقبل يوم من تدهورها أغلق عينيه ولم يعد قادرا على فتحهما. أما الطفلة رينا، فهي ضعيفة لكنها لا تزال في وعيها.

ولم يكن لديه أي وقت لموازنة الخيارات المتوفرة، فقد قرر أن الطفل الأكثر مرضا بحاجة للعلاج، ولهذا دثروا الطفل وحمله مع زوجته أنيسة وبدآ رحلة شاقة إلى الوادي على أمل العثور على وسيلة نقل تأخذهم إلى البلدة. ففي هذا الوادي من محافظة حجة، حيث تنتشر البيوت الحجرية على التلال، ويعيش فيها أناس يبحثون عن لقمة العيش مثل محمد، قصار الأجساد ونحيفين، وكانوا يعملون مرة في أعمال المياومة ومزارعي قات.

وبسبب نقص الوقود والحرب الأهلية لم تعد الشاحنات التي كانت تحضر لنقلهم للعمل. وتوقفت الأعمال الإنشائية التي كانوا يعملون فيها، وهناك تنافس شديد على ما تبقى من أعمال بشكل ترك الكثير من الرجال بدون مصدر للرزق. وفي نفس الوقت زادت أسعار الطعام ولم تعد العائلات قادرة على توفير المواد الأساسية من الأرز والخضروات. وفي حجة سجل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة زيادة بنسبة 25% في ارتفاع أسعار الطعام هذا العام.

وقالت عدة نسوة إن الجوع الذي يعانين منه جعلهن غير قادرات على إرضاع أطفالهن. وانتشرت أزمة الجوع في اليمن لدرجة أن العائلات الفقيرة مثل محمد تعيش على أوراق الشجر المغلية.

وتجنب البلد إعلانه عن منطقة مجاعة في السنوات الماضية بعد زيادة الدعم الإنساني، إلا أن الأمم المتحدة تقول الآن إنه بدون تدخل عاجل فاعتبار اليمن محورا للمجاعة لا يمكن تجنبه، فهناك 5 ملايين نسمة يعيشون على حافة الجوع، حسب الأمم المتحدة. وهناك 47.000 يعيشون في ظروف تشبه المجاعة بمن فيهم 5.000 شخص يعيشون في منطقة محمد، المغربة.

وتشير الصحيفة إلى أن الكارثة هي نتاج بشري، فالمشكلة ليست نقص المواد الغذائية ولكن المال لشرائها. ولسنوات قاتل المتمردون الحوثيون  الحكومة المعترف بها دوليا وتدعمها السعودية. وتسيطر الحكومة على المجال الجوي وفرض التحالف الذي تقوده السعودية قيودا مشددة على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، وهو شريان مهم لمرور المساعدات الإنسانية ويقع تحت سيطرة الحوثيين.

وقال الدبلوماسيون والمسؤولون في مجال الإغاثة الإنسانية إن القيود تمنع من وصول المساعدات التي يحتاج إليها السكان بشكل عاجل. ويلقي الحوثيون بمسؤولية نقص المواد الغذائية والوقود على القيود المفروضة. ورفضوا الموافقة على هدنة إلا في حالة إعادة فتح مطار صنعاء الخاضع لسيطرتهم ورفع كل القيود على الميناء.

وأوضح المحللون الذي يتابعون التطورات في اليمن أن القيود على الميناء تسهم في أزمة الوقود إلا أن ما يدخل مناطق الحوثيين ينقل ويباع بأسعار مرتفعة في السوق السوداء.

واستخدم محمد المال الذي اقترضه من رجل الأعمال في أغسطس ووجد هو وزوجته أنيسة مكانا في عربة صغيرة مضت بركابها إلى مدينة حجة عاصمة الإقليم، وكان يفكر والسيارة تعبر الطريق غير المعبد بطفله المريض وتلك التي تركها مريضة في القرية. وهنا قامت زوجة محمد الثانية، بشرى بتقديم العناية لـ8 أطفال الذين قالت إنهم كانوا يستيقظون كل يوم يصرخون من الجوع. ولأنها لا تملك هاتفا أو أحدا من العائلة فلم تكن قادرة على سماع أخبار المريض الذي نقل إلى المدينة ولا إخبار زوجها عن حالة رينا التي كانت تتدهور. وقالت “كنت خائفة أنه سيموت هناك وستموت هي هنا”.

وعندما وصل محمد إلى المستشفى مع أنيسة، كان التشخيص الأولي لعلي غير مشجع، فقد كان يعاني من فقر التغذية والتهاب في الصدر. وبقي في المستشفى أربعة أيام كانت حالته تتراجع بشكل سريع “ومات بين يدي” كما قالت أنيسة، و”حضنته وقبلته وهذا هو ما حدث”.

وفي ذلك اليوم حملت دراجة الوالدين المنكوبين حيث تداولا على حمل الطفل الميت الذي لف الآن بكفن. ودفن في تلك الليلة قرب البيت حيث أهيل عليه التراب.

وبعد وفاة علي بأيام، أغلقت رينا عينيها، وهو تطور كان ينذر بالشؤم وعرفه محمد، ولأنه كان فقيرا مثل جيرانه لم يكن هناك أي مجال لاقتراض المال بل ودفع الدين. وفي ذلك اليوم جلست بشرى أمام البيت وهي تعد الطعام من أوراق الشجر المعروف بحلص، وبدأت رينا تفقد الوعي ثم تصحو وتدلت بين يديها. وعندما تحول الورق المغلي وأصبح لونه أخضر تجمع بقية الأولاد حول القدر وتناولوا ما فيه بأيديهم ولحسوا أصابعهم حتى انتهى ما فيه. ووقف محمد خلفهم يسف تنباكا رخيصا لتقل شهيته للطعام. وقالت “لو كان لدينا مال لأخذناها إلى المستشفى” و”ربما ستموت هنا” قال محمد و”ماذا بيدنا؟”. وفي تلك الليلة مشى محمد وزوجته أنيسة إلى قبر ابنهما، وقال “أفكر بالبنت وربما ستتبعه”.

وفي ذلك اليوم الذي أغلقت فيه رينا عينيها، سمع فريق من الصحيفة عن حالتها وعرض أفراده على محمد وبشرى نقل ابنتهما إلى المستشفى في حجة. ونقلت إلى مستشفى الجمهوري حيث قام الممرضون بفحص رينا وقياس وزنها، وتأكد أنها مصابة بفقر تغذية الذي يفقد الجسم مناعته.

وقال الدكتور عادل علي العبدلي إن الطفل إن لم يقتله الجوع فسيموت بسبب أعراض جانبية أخرى، وحتى الذين يحالفهم الحظ ويتجاوزون هذا الوضع، فإنهم يعودون إلى نفس الظروف التي أدت لمرضهم، ويعود بعضهم للعلاج وآخرون لا يعودون أبدا. ووضع العبدلي رينا على طاولة العلاج واستمع لدقات قلبها وشك أنها مصابة بالتهاب في الصدر، وقال إنه بمضاد حيوي وفيتامينات وحليب فلديها فرصة للنجاة، ولم يكن هناك سوى سرير متبق ويمكن أن توضع فيه، وعلى خلاف أخيها فلديها فرصة للنجاة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى