"الرؤى المتضادة.. سنوات الصراع في اليمن"

> القاهرة «الأيام» ميدل إيست أونلاين:

> عاش اليمن دورات عنف شمالًا وجنوبًا، انطلاقًا من الشمال مع قيام النظام الجمهوري، مرورًا بأحداث أغسطس عام 1968 التي اختلط فيها الانتماء السياسي بالانتماء الجغرافي، وحركة 5 نوفمبر عام 1967 والإطاحة بنظام حكم الرئيس عبدالله السلال، وصولًا إلى حركة بنظام حركة 13 يونيو واغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، والمحاولة الانقلابية للناصريين على حكم الرئيس السابق على عبدالله صالح، ومرحلة حكم الحزب الاشتراكي في الجنوب، وعلاقته مع أنظمة الحكم في الشمال وتشكيل الجبهة الوطنية لإسقاط نظام الحكم في صنعاء، والصراع بين أجنحة الحزب، وصولًا إلى أحداث يناير في عدن ونتائجها وتأثيراتها، انتهاءً بمرحلة قيام دولة الوحدة في مايو 1990 والأحداث التي واكبت هذا الحدث ومن ثم الصراعات التي تبعته حتى حرب 1994.

وهذا الكتاب للباحث والصحفي محمد الغباري "الرؤى المتضادة.. سنوات الصراع في اليمن" الصادر أخيرًا عن مؤسسة أروقة يوثق لهذه الدورات من العنف التي عاشها اليمن واليمنيون، من خلال حوارات كان قد أجراها وهي تمثل شهادات لشخصيات معروفة بعضها فارق الحياة والبعض لا يزال بيننا، عايشت تلك الفترات المهمة من تاريخ اليمن. من بينها عبدالباري طاهر أحد أبرز مؤسسي حزب العمل اليساري، القيادي الناصري عبدالله سلام الحكيمي رئيس تحرير صحيفة 13 يونيو سابقًا (26 سبتمبر حاليًا) الناطقة بلسان الجيش ورئاسة الجمهورية في سبعينيات القرن الماضي، القيادي السابق في حزب البعث طه سيف نعمان، محمد سالم باسندوة وزير خارجية اليمن الأسبق، العميد محمد الأكوع وزير الداخلية إبان حكم الرئيس الراحل عبدالرحمن الإرياني في شمال اليمن، عبدالله بركات وزير الداخلية اليمني الأسبق، اللواء عبدالله الراعي، محمد عبدالله القردعي أحد مشايخ قبيلة مراد، عمه علي ناصر القردعي منفذ عملية اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في فبراير عام 1948.

وأوضح الغباري أنه مثل كثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية وكانت اليمن طرفًا فاعلًا فيها، لم تنل الحركات والقوى السياسية اليمنية وأدوارها في التحولات الوطنية والإقليمية، حقها من التوثيق والإنصاف، أما لأن الحركات السياسية ذاتها لم تهتم بتوثيق وتدوين مسارها، أو لأن الجامعات المحلية ومراكز الدراسات ظلت محكومة بتوجهات أنظمة الحكم المتعاقبة، التي سعت أحيانًا لتوظيف كل الأحداث والوقائع لخدمتها.

وقال "مع وجود عدد محدود من الكتابات أو المذكرات الشخصية، إلا أن ما يرتبط بتفاصيل تلك الأحداث أو الحركات السياسية، وعلاقاتها مع الجماعات الأخرى أو الصراعات الداخلية التي شهدتها، ظلت بعيدة عن التناول لفترات زمنية طويلة، وأن بعض الكتابات إما كانت تعبر عن طرف من الأطراف داخل هذه الحركة أو تعكس وجهة نظر هذه الحركة تجاه الجماعات الأخرى، ولعل ما كان ملاحظًا في هذه الحوارات، هو أن تأثير تلك الصراعات لا يزال يلقي بظلاله على الأحداث والتحولات التي شهدتها وتشهدها الساحة اليمنية حاليًا، والعلاقات حتى فيما بين الفصائل المكونة لتلك الحركات، هي امتداد لحقبة الصراعات، حتى بعد أن انضوت في إطار تكتل سياسي واحد معارض لحكم الرئيس صالح، وصولًا إلى أحداث الربيع العربي وإزاحته عن الحكم".

ورأى الغباري أنه على خلاف ما كان المتابعون والمهتمون بالشأن اليمني يتوقعون، فإن انهيار الاتحاد السوفيتي لم يؤدِ إلى اندثار القوى الحليفة له، ولم تولد حركات سياسية بديلة، بل استمرت الحركات السياسية بمسمياتها وإرثها، كما أن الممارسات التي أعقبت حرب صيف 1994، لم تنهِ وجود الحزب الاشتراكي، على الرغم من الضربات التي وجهت له، وعلى الرغم من تسريح جيش جمهورية اليمن الديمقراطية، وإدخال الجناح الذي انهزم في أحداث6 يناير 1998 كبديل للحزب في السلطة، حيث أظهرت الأحداث أنه تمثيل شكلي، كما أن تخلي الدولة الجديدة عن كافة مسؤولياتها تجاه سكان المحافظات التي كانت تشكل جمهورية اليمن الديمقراطية ذات التوجه الاشتراكي، وما رافق ذلك من استيلاء للأراضي وتوزيعها على حلفاء الحرب، كل ذلك دفع باتجاه عودة قوية للحزب الاشتراكي، وكان إيذانًا بولادة الحراك الجنوبي الذي ولد من رحم الحزب وهم من تضرروا من تحالف الحرب، حيث بدأ الحراك مطالبه بإصلاح مسار الوحدة وإعادة الشراكة وانتهى بالمطالبة بالانفصال.

لم تنل الحركات والقوى السياسية اليمنية وأدوارها في التحولات الوطنية والإقليمية حقها من التوثيق والإنصاف

وتابع أنه من الغرائب التي أثارتها تلك الحوارات أثناء إعدادها للنشر في هذا الكتاب، ودخول الحرب في اليمن عامها السابع، هو إعادة تشكيل الخارطة السياسية والتحالفات، فالمملكة العربية السعودية التي كانت على رأس الدول الداعمة لعودة نظام حكم الإمامة في شمال اليمن، وانتصر حكم الجنوب الماركسي، تقود التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دوليًا، وتساند القوى المكونة لهذه الحكومة والتي تتمسك بنظام الحكم الجمهوري، لكن ومع هذه الحرب عاد الخطاب الذي كان حاضرًا في ستينيات القرن العشرين وقبل قيام النظام الجمهوري في الشمال والجنوب. ولأن اليمن بشطريه تأثر منذ خمسينيات القرن الماضي بحركة التحرر العربي التي اجتاحت المنطقة فقد شهد ولادة وحضور مختلف التيارات السياسية وزاد من حضورها وتأثيرها قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر سواء بانتهاج الرئيس جمال عبدالناصر الخط التحرري القومي أو من خلال الدور الفاعل لمصر في دعم ثورتي اليمن 26 سبتمبر و14 أكتوبر إلا أنه سرعان ما تأثر بصراعات فصائل وقوى التحرر في المنطقة العربية، وانتقلت تلك الصراعات إلى الساحة اليمنية، وتكونت تحالفات وعلاقات ومحاور كانت القاهرة مرتكزًا لها ونافستها بيروت وبغداد ودمشق، قبل أن يتحول مركز الثقل إلى موسكو.

وأشار الغباري إلى أنه مع اتساع دائرة المد القومي والثورات التي شهدتها معظم الأقطار العربية، وما تبع ذلك من بروز اليسار العربي المتأثر بالنظرية الماركسية، والصراع ما بين الشرق الاشتراكي والغرب الإمبريالي شهدت اليمن جنوبًا وشمالًا منعطفات سياسية وصراعات وانقسامًا بين قوى اليسار من جهة والقوى المحافظة - قبلية أو دينية - من جهة أخرى وزاد من حدتها تمحور الشمال ضمن المعسكر الغربي الإمبريالي الذي تقوده الولايات المتحدة وتمحور الجنوب ضمن المعسكر الشرقي الاشتراكي الذي يقوده الاتحاد السوفيتي حتى بداية التسعينيات.

وقال "خلال عملي الصحفي الممتد لأكثر من ربع قرن أجريت عدة حوارات مع شخصيات أساسية شاركت أو ساهمت في أغلب التحولات التي شهدتها اليمن منذ ستينيات القرن الماضي وحتى بداية الألفية الجديدة أو كانت شاهدة عليها، وسعيت من وراء هذا الجهد لإلقاء الضوء على جزء من تاريخ الحركة السياسية اليمنية، حيث تتناول هذه الحوارات تجربة اليسار اليمني الذي تعددت مسمياته، القومية والماركسية، ومرورًا بتوحيد جميع فصائل اليسار في إطار الحزب الاشتراكي اليمني. كما نقلت شهادات من عاصروا فترة الصراع التي رافقت قيام النظام الجمهوري في الشمال بما فيه أحداث أغسطس عام 1968 والتي اختلط فيها الانتماء السياسي، مع الانتماء الجغرافي، وما ترتب على حركة 5 نوفمبر عام 1967 والإطاحة بنظام حكم الرئيس عبدالله السلال، وصولًا إلى حركة 13 يونيو التي قادها المقدم إبراهيم الحمدي، ودخول التنظيم الناصري كطرف فاعل في السلطة التي تكونت في الشمال أثناء فترة حكمه، وحتى محاولتهم الانقلابية الفاشلة على حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح والإعدامات التي نفذت في حق قادة الحركة الانقلابية".

وتابع "في الجنوب أيضًا توثق هذه الحوارات لمرحلة حكم الحزب الاشتراكي، وعلاقته مع أنظمة الحكم في الشمال، وتشكيل الجبهة الوطنية الماركسية لإسقاط نظام الحكم في صنعاء، والصراع بين أجنحة الحزب الاشتراكي، سواء فترة حكم الرئيس قحطان الشعبي أو سالم ربيع علي "سالمين" ومن ثم عبدالفتاح إسماعيل، ومن بعده علي ناصر محمد وصولًا إلى أحداث يناير في عدن ونتائجها وتأثيرها، وفترة حكم الرئيس علي سالم البيض وما تبع ذلك بإعلان دولة الوحدة في 22 مايو 1990، والأحداث التي واكبت إعلان هذا الحدث، والصراعات التي تبعته بين البيض والحزب الاشتراكي من جهة والرئيس علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي وحليفه حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي من جهة ثانية، وصولًا إلى حرب صيف 1994، وهزيمة الحزب الاشتراكي لصالح تحالف حكم الرئيس السابق صالح وحزب الإصلاح. ولعل أبرز ما لاحظته خلال هذه الحوارات هو الدور الكبير والحضور الفاعل لحزب البعث الاشتراكي في الساحة اليمنية، خاصة أثناء حكم الرئيس عبدالرحمن الإرياني في الشمال، وخصوصًا جناح حزب البعث العراقي، حيث استطاع الحزب استقطاب شخصيات سياسية وثقافية وعسكرية بارزة، وتقلد هؤلاء مواقع مهمة في الدولة مدنية وعسكرية، لكن الصراع على الأموال التي كانت تقدم كدعم قومي للحزب خلقت صراعًا لم يتوقف، وتسببت في انشقاقات كبيرة ومدمرة داخل الحزب، والمشكلة ذاتها وإن كانت أقل حدة عرفها التنظيم الناصري، خاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة على حكم الرئيس صالح وانتقال أبرز قادته إلى خارج البلاد".

ولفت الغباري إلى أنه "إذا كانت المحاولة الانقلابية للتنظيم الناصري والتي لم تقيم حتى الآن حسب معرفتي، هي أبرز حدث سياسي في مسيرة التنظيم، فإن ما جاء في حديث القيادي البارز وأحد المشاركين في المحاولة الانقلابية، عبدالله سلام الحكيمي عن العلاقة التي جمعت التنظيم بالرئيس إبراهيم الحمدي لا يجيب على التساؤلات الأساسية، لكنه يثير الكثير من التساؤلات حول تلك العلاقة، خاصة أن الرجل يتحدث عن تفاصيل اتفاقات بين الحمدي والرئيس سالمين لقيام دولة واحدة، دون معرفة موقف التنظيم من تلك الاتفاقات، ولا أبعادها، والتحديات الكبيرة التي ستواجهها داخليًا وخارجيًا، خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار أن الجنوب جزء من المحور الشرقي الذي يقوده الاتحاد السوفيتي سابقًا، والشمال عمليًا ضمن المحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، وكانت السعودية صاحبة النفوذ الأقوى والأوسع في الشمال. كما تغيب الإجابات عن دور التنظيم في حماية الرئيس الحمدي أو تحذيره من مخطط اغتيال يستهدفه، وهو الرئيس الذي تمتع بشعبية غير مسبوقة، ولا تزال حتى الآن، وعن أسباب فشل المحاولة الانقلابية، وما هي العلاقة التي ربطت التنظيم بالرئيس أحمد الغشمي المتهم الأساسي في حادثة اغتيال الحمدي، ودور وزير الخارجية الأسبق عبدالله الأصنج المعروف بعلاقته الوطيدة مع الرياض".

وكشف الغباري أنه "على الرغم من حرصه على أن تشمل هذه الحوارات كافة الحركات السياسية إلا أني أخفقت في الحصول على موافقة شخصية قيادية من الجبهة الإسلامية التي كانت تمثل الطرف الآخر في الصراع، وتشكلت في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي لمواجهة الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى، ولعبت هذه الجبهة دورًا فاعلًا في الصراع حيث كانت تمثل الجناح العسكري لفرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وارتبطت بتحالف وثيق مع نظام حكم صالح منذ نهاية السبعينيات وحتى آخر انتخابات رئاسية في مطلع الألفية الثانية، حيث كانت جماعة الإخوان لاعبًا أساسيًا في الشمال، منذ الستينات".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى