تسرب الطلاب من المدارس.. ظاهرة تهدد مستقبل الأجيال

> تقرير/ فردوس العلمي :

> تعتبر العملية التعليمية أحد أهم ركائز التنمية والنهوض بالأوطان ولن ترتقي أي دولة والتعليم فيها يعاني من التخبط والعشوائية والإهمال والتسيب.
من مدارس التعليم العام الأساسية والثانوية تتسرب فلذات أكبادنا بصورة مقلقة في وقت ينشغل الجميع بالخلافات والمكايدات والصراعات السياسية والمصالح الشخصية.
تربويون ومهتمون تحدثوا لـ"لأيام" عن تسرب الطلاب من مدارس العاصمة المؤقتة عدن وكثير منهم أشار إلى أن الحرب والمناهج الدراسية والفقر والجهل والفساد أهم العوامل التي أدت إلى تسرب الطلاب من صفوف الدراسة وتحول التسرب إلى ظاهرة لها تبعاتها الخطرة على مستقبل الأجيال القادمة

مناهج مملة
ترى دنيا محمد أن المناهج التعليمية تعاني من الضعف والرتابة وتقول في حديثها لـ"لأيام" : " أشعر بالملل حين أراجع لابني في الصف الثاني فالكتاب المدرسي لم يجدد وتعاد طباعته كل عام بنفس الأخطاء المطبعية التي كانت مرافقة له منذ عقود ".

وأضافت: "التسرب نتيجة الملل الذي ينتاب بعض الطلاب فالروتين اليومي ممل للأسر وللطالب والمدرس على حد سواء، والسبب الآخر أنه يرى بأم عينيه مستقبل من سبقوه فيترسخ في ذهنه بأن المستقبل ليس في التعليم، خاصة إذا كان لا يملك المقدرة المادية ونرى كثير من طلاب الثانوية يتركون تعليمهم للالتحاق بالسلك العسكري لضمان راتب شهري ولو غاب شهورًا المهم أن له في الأفق راتب، والأطفال يلتحقون بسوق العمل لضمان المصروف اليومي لهم ولأسرهم ".

أقنعت ابني بضرورة التعليم
ويقول جمال فضل وهو أب لأربعة أطفال جميعهم في مراحل دراسية مختلفة: "تعاني الكثير الأسر من الأوضاع الاقتصادية ومنها عدم قدرة الأسر تحمل تكاليف الدراسة، إضافة إلى المعاناة السنوية من نقص الكتب وعدم تحديث المناهج التعليمية ونقص الكتاب المدرسي ونقص المعلمين وازدحام الفصول بالطلاب وقلة الفصول الدراسية وإغلاق بعض المدارس بحجة الترميم والصيانة والإضراب وإغلاق الطرقات والأمطار والحروب والمشاركة في جبهات القتال كل هذا يؤدي إلى التسرب المدرسي للطلاب والطالبات والمدرسين".

ويضيف: "ابني الكبير في مرحلة الثانوية حاول أكثر من مرة ترك المدرسة والعمل وكنا في صراع مستمر حتى إكماله تعليمه الثانوي ورفض دخول الجامعة وقال سأتوجه إلى العسكرة من أجل الحصول على راتب وأتزوج وأكوِّن نفسي، وعملت ما بوسعي لإقناعه والحمد لله اقتنع ودخل الجامعة بعد أن رأى مصير زملائه ممن توجهوا إلى العسكرة ورجعوا جثثًا متفحمة أو أشلاء، والآن هو خريج ولكن بدون عمل ".

من جهتها تقول غادة المقبولي: "الحشو في المناهج والبيئة المحيطة بالعملية التعليمية أحد أسباب التسرب المدرسي أو الهروب وترك الأطفال للمدارس".
وتضيف: " هذا العام كان الدوام المدرسي في 30 سبتمبر وهو توقيت غير مناسب للدوام وحسب قولها الأسرة لها دور في متابعة الدوام المدرسي ولابد من تشكيل لجنة لتقييم المنهج التعليمي ومتابعة المدارس أولًا بأول ".
وأضافت: "بتكاتف الجميع ممكن نتجاوز أي صعوبات ومن الضروري إعطاء المعلم حقه وعلى المدرس ألا يتهاون في تأدية واجبه، فالطالب يأتي لتلقي العلم ولكي يدرس، ويجب أن تتوفر له أبسط حقوقه".

فقر وجهل وحروب
التربوية نادية ناجي تقول: "ربما قِدَم المنهج وعدم تغييره إلى جانب الحرب العبثية التي كان المتضرر الرئيس منها الأطفال، فالمنهج القديم بسلبيته في ذلك الزمن لم يكن هناك تسرب مثل ما هو حاصل الآن ".
وأضافت:"الفقر والجهل والزواج المبكر وعدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة أدى إلى تفاقم المشكلة من حيث صعوبة توفير المتطلبات الأساسية للدراسة وكثير من الأسر تجد صعوبة في توفير أبسط متطلبات التحاق أبنائهم في المدارس ".

وترى التربوية نادية:"أن المعالجة ليست مستحيلة، وأن الحل يبدأ بإحلال السلام وتكاتف الجهود لإنقاذ الأجيال القادمة من خلال التوعية المجتمعية، وتشكيل لجان تهتم بالجانب التعليمي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، من خلال حصر الأطفال المتسربين من المدارس، والأطفال الذين لم يتم تسجيلهم وقد بلغوا سن 7 سنوات، وتسجيلهم في المدارس القريبة منهم، وتوفير المستلزمات الدراسية، إلى جانب مساعدة أسرهم عن طريق الشؤون الاجتماعية بالمديريات.

وتضيف: " توقف الحرب ستعيد كثيرًا من النازحين إلى مساكنهم، وستساهم في إخلاء كثير من المدارس من النازحين، وستخفف من الكثافة الطلابية في المدارس.. يجب أن تتكاتف جهود الجميع فنتائج الثانوية العامة الأخيرة خير دليل لمعرفة حال التعليم ".

أسباب سياسية
من جهتها ترى إلهام عثمان غالب أن الفساد في أروقة وزارة التربية والتعليم في عدن هو السبب الأول لتسرب الطلاب من المدارس.
وتشير في حديثها إلى "الأيام" إلى أن العملية التعليمية القائمة منذ سنوات تكرس الجهل وتنتج جيلًا جاهلًا لا يجيد القراءة والكتابة بعد أن كانت عدن منارة للعلم والمتعلمين".

وأضافت: "ظاهرة التسرب من مدارس التعليم أسبابها الرئيسة سياسية، وجميعنا يعلم متى بدأت تمارس ضد عدن، وفي أي عام، فالمدرس أصبح لا يؤدي الأمانة كما يجب إلا من رحم ربي".
وتؤكد "بأن تدهور العملية التعليمية هو عدم إعطاء المعلمين حقوقهم كاملة، إضافة إلى وضع البلد غير المستقر من الناحية الأمنية ويساعد في تسرب الطلاب.

تقول عثمان:"اتجه البعض إلى الانخراط في السلك العسكري وهم لم يكملوا مرحلة التعليم، وإن تدهور صرف العملة، وارتفاع الأسعار دفعت بعض الأسر إلى غض النظر عن تعليم أولادهم بسبب عجزهم وعدم مقدرتهم تأمين مستلزماتهم الدراسة ".
وتشير إلهام إلى أن المنهج له علاقة بتسرب الطلاب، وأن المعلم غير المؤهل لا يستطيع إيصال المعلومة للطالب بالشكل الجيد، مما يجعله يلجأ إلى التلقين وحشو المقررات الدراسية دون تفصيل، وأن إضرابات المعلمين والوضع الأمني والغش مشكلات تدفع بكثير من الطلبة إلى العمل مادام النجاح مضمون :"

مراقبة الطفل ومستواه الدراسي
وترى ليلى الشبيبي المدير التنفيذي لمؤسسة أكون أن التسرب من المدارس أسبابها مختلفة تتحمل مسؤوليتها الإدارات المدرسية والأسرة، إضافة إلى طرق التربية الأسرية وعدم متابعة الطلاب منزليًا أو مدرسيًا، حيث لا تتابع الأسرة درجات وتحصيل طفلها أولًا بأول، وكثير من الأسر لا تعرف يوميات طفلهم في المدرسة، وهناك الكثير من الأسئلة لا بد أن تطرحها الأم على طفلها كيف قضى يومه المدرسي؟ لتعلم هل طفلها يصل المدرسة أو لا، وهناك أطفال لا يذهبون إلى المدارس، ومن خلال المتابعة تستطيع الأسرة أن تعرف إذا كان ابنها يتسرب من المدرسة أم لا.

وأشارت الشبيبي إلى أن وزارة التربية تتحمل جزءًا من المشكلة نتيجة المنهج الذي لم يتم تجديده منذ العام 2006، إضافة للكثافة الطلابية في الحجرات الدراسية مما يؤدي إلى عدم وصول المعلومة إلا للجالسين في مقدمة الصفوف، ونقص وغياب المعلمين المستمر، وعدم تحديث المنهج وتطويره من عام 2006م.

الطالبات أمانة
التربوية مريم الوهابي مديرة مدرسة أبو بكر الصديق بالمعلا قالت: "نواجه التسرب بأسلوب تربوي صارم، ولا نسمح بخروج الطالبات من المدرسة في وقت الدوام، ومن تتأخر عن الدوام بشكل مستمر لا نطلب منها العودة للمنزل؛ بل تبقى في المدرسة ونستدعي ولي أمرها لمعرفة متى تخرج ابنته من المنزل، لدينا كثير من الطالبات يأتين من مناطق بعيدة، وحتى المتغيبات لا نقبل حضورها في اليوم الثاني إلا بوجود ولي أمرها، وفي حالة قدوم الأم تأتي ببطاقة الأب، فالطالبات أمانة وعلينا أن نحافظ على هذه الأمانة ".

ظروف معيشية صعبة
وبحسب التربوي أحمد صالح جراد: "فإن التسرب والعزوف عن الذهاب للمدارس من قبل الطلاب والطالبات مشكلة اجتماعية نعاني منها في العاصمة عدن ولها أسبابها من جوانب اجتماعية وأسرية وجانب تعليمي" .

وقال: "الجانب الاجتماعي الذي يدفع إلى التسرب هو الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها أكثر الأسر في عدن، لاسيما بعد موجة الغلاء، وانقطاع الرواتب عن العسكريين والمتقاعدين في السلكيين العسكري والمدني، إلى جانب بقاء بند الراتب دون تحريك منذ سنوات طويلة لدى أغلب الموظفين، هذا جعل الكثير من الأسر غير قادرة على تلبية متطلبات ومستلزمات أبنائها التعليمية، مثل توفير الزي المدرسي والرسوم الدراسية ومحتويات الحقيبة المدرسية" .

وأضاف: "فيما يتعلق بالجانب التعليمي من أسباب عزوف طلابنا وتسربهم من المدارس المناهج التعليمية التي لا تلائم الكثير منها عقول التلاميذ، حيث يلاحظ أن أغلبها يفتقد للسلاسة والمنهجية والمرونة ويكثر فيها الحشو الذي لا طائل من ورائه، إلى جانب ضعف الكادر التعليمي في كثير من مدارسنا، حيث أن الكثيرين منهم لم يخضع لدورات تأهيلية، إضافة إلى أن بعض المعلمين يفتقد إلى كيفية التعامل النفسي مع التلاميذ، حتى وإن كان ملمًّا بالمادة التي يدرسها، بمعنى أنه معلم وليس تربويًا".

وتابع قائلا: "أما فيما يتعلق بتسرب الفتيات تحديدًا فهذا يعود أسبابه لعوامل اجتماعية منها زرع كثير من الأسر في عقول بناتهم أن مستقبل الفتاة في الزواج، لذا تلجأ كثير من الأسر لتزويج البنات في سن مبكرة. أما الشباب في وقتنا الحاضر وفي ظل ظروف الحرب التي نعيشها فقد وجدوا فرصًا وظيفية خطرة تتمثل في التحاق الكثيرين منهم في العسكرة، وأدى إلى انقطاع الكثيرين عن مواصلة التعليم والعزوف عن مواصلة الدراسة".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى