أزمة التشخيص وغياب الرقابة يضاعف من معاناة المرضى

> تقرير/ لمياء الشرعبي :

> في لحظة ما تتحول حقنة إلى سلاح قاتل عندما يقتنيها المريض كأي سلعة من أقرب صيدلية، وعندما يسطو الصيدلي على مهنة الطبيب وببرود أعصاب يشخص ويقرر العلاج.
تضاعف هذه الفوضى من معاناة المرضى في اليمن، بالإضافة إلى التشخيصات الطبية الخاطئة للمرضى من قبل الأطباء، والتي تؤدي في كثير من الأوقات لحدوث أضرار كبيرة أغلبها تنتهي بالوفاة.

وتُظهر التباينات في التشخيصات فروقًا كبيرة من طبيب إلى آخر، ما يجعل المريض في حالة شك دائم تدفعه غالبًا إلى عدم الثقة بالطب، والبقاء في حالة من الريبة والتوجس إزاء تعاطي العقاقير الطبية التي يصفها له الطبيب، وعلى مستوى ملموس في المجتمع فإن حالات الأخطاء الطبية التي نُقلت للقانون قليلة جدًا بينما الهائل منها تبقى مستورة خلف مشقات المحاكم في اليمن التي قد تستهلك من المواطن مبالغًا طائلة للمحامين إزاء مرافعاتهم لقضية ما، مما يجعل المواطن اليمني البسيط يلتزم الصمت تجاه ما يتعرض له من قبل الأطباء، بالإضافة إلى الاستهتار القانوني الذي لا يعتبر مثل هذه المسائل قضايا حماية وطن يربت على أعمدته جيل كامل وليست مسائل شخصية تعود للشخص ذاته.

الصيدلاني في دور الطبيب
تروي أم خالد (36 سنة) قصة زوجها الذي مات بسبب حقنة وصفها له صيدلي، تقول أم خالد لـ"المصدر أون لاين" "كان زوجي يعاني من وجع في رجله وأذنه فذهب إلى الصيدلي لأخذ إبرة مهدئة وكان حينها يعاني من السكر، لم يكن حينها محمد زوج أم خالد يعلم أن حقنة صغيرة ستكون بمثابة السلاح وستنتهي به إلى الموت

وبعد يومين ظهر مكان الإبرة جرح صغير، كانت بداية لرحلة ألم ومعاناة طويلة استمرت لستة أشهر وانتهت بالموت.
محمد من مديرية ماوية في محافظة تعز كان قد ذهب إلى صيدلي في سوق السويداء بمديرية ماوية ليطلب علاجًا مهدئًا لوجعه بجهل تام من أن الصيدلاني ليس طبيب ليقابله جهل آخر في استجابة الصيدلي الذي حقنه بإبرة مهدئة.

وتوضح أم خالد معاناة الستة الأشهر التي صارع فيها زوجها الحياة قبل الموت، فقد أدت الإبرة إلى جروح في رجله وتخيس في جلده ولحمه، وتم نقله إلى أحد المستشفيات في محافظة إب وهناك بدأ الأطباء باستئصال أجزاء من لحم رجله وأجروا له عدة عمليات، ستة أشهر ومحمد يعاني ويدفع ثمن العيش في بلاد تستهتر بحياة الناس، ويأخذ بها الصيدلاني دور الطبيب، حتى فارق الحياة مخلفًا أربعة أولاد وزوجة.

تقول أم خالد والحزن يكسو ملامحها إنها انتقلت من قرية زوجها إلى المدينة بعد وفاة زوجها كي تعمل بإحدى الكفتيريات في مدينة تعز وتعيل أطفالها اليتامى.
الطبيب اليمني في ألمانيا مروان الغفوري يقول إن: "اختلاف آراء الأطباء سلوك عادي في الطب في كل دول العالم"، ويضيف في حديثه لـ"المصدر أونلاين" "لكن الصيدلي في اليمن يمارس دور الطبيب، وهذه خطيئة مدمرة؛ إذ أن دوره يقتصر على صرف الأدوية فقط ووفقًا للائحة".

الأخطاء الطبية تحدث على مستوى العالم، لكن الفرق بين العالم واليمن يكون على مستوى تعامل القانون مع قضايا الأخطاء الطبية، وعلى مستوى اليمن فإن هناك تساهلًا قانونيًا إزاء الجرائم الطبية وعدم وجود الرقابة على المستشفيات.
وسجلت إدارة الشؤون القانونية في مكتب الصحة بمحافظة تعز 16 خطأً طبيًا، خلال العام الماضي والربع الأول من العام 2021 حسب إحصاءات صدرت عن مكتب الصحة وتداولتها وسائل إعلام محلية.

انعدام ثقة
تروي شقيقة مبارك البالغ من العمر 12 سنة تفاصيل حكايتها مع الأطباء: "كان أخي يعاني من صداع شديد، ووجع في العيون وعندما عرضناه على الطبيب قرر تحويلنا إلى طبيب العيون وكان تشخيص الطبيب يقول إن نظره سليم".
لم يتوقف الصداع عند مبارك وهذا ما اضطر أخته لعرضه على طبيب آخر حسب حديثها لـ"المصدر أونلاين"، ليأتي التشخيص المفاجئ من الطبيب إن نظر إحدى عينيه منخفض بنسبة 20 % وفي عينه الأخرى بقعة صفراء قد تكون خطيرة.

لم تتمالك شقيقة مبارك دموعها عندما أخبرها الطبيب أن نظر أخوها منخفض جدًا، وأن البقعة الصفراء قد تكون خطيرة، مع العلم أن مبارك رجل العائلة الوحيد.
حينها قررت أخذ شقيقها إلى طبيب ثالث وكان التشخيص الطبي يقول إن مبارك يعاني من نقص في النظر بنسبة 50 % وإنه ناتج عن عامل وراثي فيما شدد الطبيب بوضع نظارة طبية مع الالتزام بالأدوية.

التباين في التشخيصات الطبية جعل شقيقة مبارك تفقد ثقتها في الأطباء تقول "عندما عدت للمنزل رميت النظارة والأدوية، فلا يمكنني الوثوق بأي طبيب أخشى أن يسبب له الضرر".
ندى خالد لها حكاية أخرى مع الأطباء تقول كنت أعاني من مشاكل في الحمل، حملت مرتين ولكن الجنين يتوقف عن النمو في الشهر الثاني ومن ثم تحدث عملية إجهاض.

تشرح ندى قصتها مع الطبيبات بالقول: "ذهبت إلى أكثر من طبيبة وكان لكلٍ منهنَّ تشخيص مختلف، فالأولى قالت إن سبب موت الجنين هو وجود كيس في الرحم، والثانية قالت إن هناك تكيس في المبايض، وأما الثالثة فقالت إن سبب موت الجنين هو حدوث تجلطات في الدم".
جميع هؤلاء الطبيبات صرفن لندى أدوية كثيرة وبأسعار باهظة، وأكدن لها أن الجنين لن يسقط إلا بعملية إجهاض، عادت ندى إلى المنزل ولكن كانت عدم ثقتها بالطبيبات دافع لتتفادى أتعاب الإجهاض، تواصلت ندى مع إحدى الطبيبات المقيمات في الخارج ونصحتها أن تنتظر لأيام؛ لأن الجنين سيسقط دون الحاجة لعمليات إجهاض وبعد ثلاثة أيام أُجهض الحنين تلقائيًا.

الجشع المادي
مع الوضع المأساوي الذي يكابده اليمني في ظل الحرب يساهم الطبيب في جزء من هذه المأساة، وذلك بسبب الجشع المادي دون الشعور بالمسؤولية تجاه الناس، فقد يقرر الطبيب عملية فورية للمرضى، دون الحاجة لها وذلك لأجل المال.
طبيبة النساء والولادة (إ. ع) تقول إنها كانت تعمل في أحد المستشفيات الخاصة بمحافظة صنعاء، وعندما كانت تأتيهم حالات ولادة، كان الطبيب المسؤول يقرر بشكل فوري إجراء عمليات فورية للنساء الحوامل مع العلم أن أكثرهن لسن بحاجة لعملية، وأرحامهن مهيأة للولادة الطبيعية".
تقول "ذات مرة أتت امرأة حامل فقرر الطبيب إجراء عملية قيصرية لها، وعندما كشفت عنها وجدت رحمها مفتوح وقابل للولادة الطبيعية فرفضت إجراء العملية، كي لا أكون مشاركة بهذا الفساد، وقمتُ بتوليدها بشكل طبيعي".

الإجراءات القانونية
ويشهد الواقع الكثير من القصص التي تحكي عن موت أشخاص بسبب تخدير فاشل في العمليات أو نسيان قطن في جسد المريض أو تشخيص خاطئ وتتم إجراءات العمليات بتوقيع المريض أو ولي أمره إذا كان فاقدًا للوعي، أوراق تخلي المسؤولية عن الطبيب والمستشفى إذا ما تعرض المريض لأي مضاعفات خطيرة.

يشكو الكثير من المرضى بأن الأطباء يتحيزون لزملائهم في المهنة ضد المريض، ويقفون معهم لتتوه قضاياهم في المحاكم والنيابات ويستهلك من المريض الجهد والوقت وهذا ما يجعله يعزف عن ذلك مع خروقات للقوانين واللوائح النافذة، فهناك منشآت لم تجدد تصريحاتها وهي مخالفة للقانون، أو أنها لا تملك تصريحًا من الأساس.

نائب مدير مكتب الصحة بمحافظة تعز عبدالله القياضي في حديثه يقول: إن اللجنة الطبية العليا في عدن تقوم بمنح التراخيص لمزاولة المهنة دون اختبار للكوادر الصحية بعد إنهاء التخرج من الجامعات، ولذلك فإن كثيرًا من الجامعات العامة والخاصة تخّرج الطلاب قبل سنوات التطبيق العملي وبالتالي تتحمل الصحة أعباء تلك المعاهد والكليات".

نائب مدير مكتب الصحة بتعز عبدالله القياضي في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" يقول: "هناك تباين واختلاف في التشخيصات الطبية خصوصًا في فترة ما بعد الحرب منذ 2015"، ويضيف أن "أي شخص يتقدم بشكوى ضد طبيب، نُحيله على اللجنة التي تم تشكيلها في مكتب الصحة مع نقابة الأطباء واستدعاء أحد الاختصاصيين في المجال الذي تلقينا منه الشكوى، بالإضافة لنظر مدير مكتب الصحة والشؤون القانونية بالمكتب".

وفي الحديث عن المعايير التي تسمح للطبيب بحسب قانون المنشآت الخاصة فإن القانون واللائحة التنظيمية لهذه القوانين، تسمح بفتح العيادة الصحية بعد أن يتم إحالته إلى الإدارة المختصة في مكتب الصحة، ثم تُشكل لجنة بنزول ميداني بالتنسيق مع فروع مكاتب الصحة بالمديريات وعلى ضوئه يتم الفتح أو رفع تقرير بمخالفة الطبيب لهذه المعايير.

"المصدر أونلاين"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى