​عدن.. أسعار المواصلات بين غياب الرقابة الرسمية وجشع السائقين

> تقرير/ ريم الفضلي:

> "لا  أمتلك في جيبي سوى ما يكفي للذهاب إلى الجامعة وعودتي إلى المنزل"، هكذا ردَّت الطالبة الجامعية أمنية أحمد سالم على سائق الحافلة في إحدى محطات الباص في العاصمة عدن، بعد أن تفاجأت بطلب السائق زيادة 100 ريال فوق السعر المتعارف عليه.
وقفت سالم والعبرة تخنق حنجرتها وفي عينيها حياء الكون، راجية من كل جوارحها أن يقبل السائق منها النقود التي كانت تُمسكها بيدها دون أن يطالبها بالمزيد.

تَسكن أمنية في مدينة البريقة، وهي طالبة في كلية العلوم التي تقع في مديرية خور مكسر. وتتكبد عناء المواصلات التي باتت أسعارها غير معقولة بالنسبة لها، وتخسر في اليوم الواحد مقابل رسوم المواصلات ما لا يقل عن 2000 ريال يمني.
يعيش المواطنون في جنوب اليمن، في ظل انهيار شبه كلي لمنظومة المعيشة؛ أزمات متتالية تقطع أوصال ما تبقى من أمل لديهم، في بلاد توشك أن تختم عامها السابع من الاقتتال والصراع. 

وتأتي أزمة المشتقات النفطية وارتفاعها وتأثر أسعار المواصلات بها، في المراتبة الأولى من القائمة التي تطول ولا يبدو أنها ستنتهي إلا مع انتهاء هذه الحرب.
ويرى مختصون أنّ أجور المواصلات واحدة من أكثر الأعباء الحياتية التي يعاني المواطن منها وأكثرها تأثيراً على مهامه اليومية، وتستنزف نحو 40 بالمائة على أقل تقدير من دخل الفرد الواحد، (1) في بلاد يعاني غالبية السكان فيها من الفقر نتيجة لجملة من الأسباب منها عدم صرف مرتبات الكثير من موظفي القطاعات العامة وخسران العديد من الأسر مصادر عيشها الرئيسة.

ومع ما تشهده العملة المحلية على مدار الأشهر الأخيرة في مناطق حكومة المناصفة المعترف بها دوليا من انحدار متزايد في قيمتها وتسببها بموجة غلاء في أسعار المواد الأساسية، فضلا عن ندرة الكثير منها، الأمر الذي انعكس سلبا على باقي القطاعات.
شهد قطاع المواصلات منذ بداية الأزمة في اليمن، تغيرات عديدة وضخمة، خصوصا في مناطق الجنوب. وكان آخرها إقدام شركة النفط في عدن، على رفع أسعار الوقود إلى 17800 ريال (2) لصفيحة البنزين الــ 20 لترًا في المحطات الحكومية، بإضافة 3 ألف ريال يمني للسعر السابق، والذي لم يمضِ سوى بضع أشهر حين قامت شركة النفط برفع ألفين ريال على السعر الرسمي للوقود.  لتعيش المدينة ارتفاع أسعار المواصلات بشكل جنوني، بنسبة 300 % لتكلفة التنقل في داخل المديريات في عام واحد.

وفرض مُلاك الباصات والحافلات العامة تسعيرة جديدة على المواطنين الراغبين في التنقل بين المديريات والتوجه إلى أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم، مُرجعين ذلك إلى ارتفاع سعر الديزل والبترول في المحطات الخاصة وانعدامها في المحطات الحكومية.
وما يفاقم من المشكلة كونه لم يمضِ على آخر زيادة بضعة أسابيع حيث كانت تكلفة التنقل بين المديريات مطلع العام تبلغ 200 ريال يمني فقط قبل أن تزداد 100 في منتصف العام، لتصل مؤخرا 500 بعد آخر زيادة عشوائية ومن المرجحّ أن تتخطى حدود هذا المبلغ.

هدار جميل من محافظة أبين، طالب في كلية الاقتصاد في جامعة عدن. يسلك هدار والكثير من أبناء المحافظة، مئات الكيلو مترات كل يوم قادمين من مدينة زنجبار وضواحيها للدراسة في محافظة عدن.
يقول جميل، أنّ الكثير من الطلاب القادمين من محافظة أبين "يضطرون إلى إلغاء بعض من محاضراتهم وتقليص أيام الحضور الى الجامعة ليوم أو يومين، للتخفيف والتقليل من ضغط المصروف على المواصلات".
ويضيف: "للأسف هنالك الكثير من أبناء أبين الدارسين في كليات محافظة عدن، قد عزفوا منذ بداية الأزمة على الذهاب لإكمال الدراسة وعلاوة على ذلك قاموا بالتسجيل في كلية أبين لتفادي المصاريف الجنونية التي كانوا يدفعونها للمواصلات".

الطلاب أشد المتضررين
ولا يغفل على بال أحد حين يتم الحديث عن المواصلات، صور الطلاب المنتسبين إلى مختلف المراحل الدراسية، كونهم الشريحة الأبرز التي لا تستطيع التخلي عن ركوب المواصلات بصورة يومية، وإن كانت ميزانية الموظفين قد تتأثر نتيجة ارتفاع المواصلات فإن حال الطلاب هو الأصعب كون الغالبية ما زالوا يعتمدون بشكل رئيس على عائلاتهم.

شهد قطاع المواصلات منذ بداية الأزمة في اليمن، تغيرات عديدة وضخمة، خصوصا في مناطق الجنوب، تزامنا مع رفع أسعار الوقود.
أستاذ التاريخ في أحد المدارس الحكومية في محافظة لحج، أنيس ممدوح، حكى معاناته في تدبير تكاليف الدراسة ورسوم مواصلات ابنته رقية، طالبة علم النفس في كلية الآداب بجامعة عدن.

يقول ممدوح: "ابنتي لاتزال في سنتها الثانية، لا أعلم إلى متى سأتظاهر بالصمود ومحاولة وضع حل مؤقت للوضع الذي أمسينا عليه اليوم" ويضيف: "رقية أكبر أبنائي وأكثرهم حبا للتعليم، لكن أسعار المواصلات التي أصبحنا نتكبدها يوم بعد آخر ونتحمل وطأة ارتفاعها الذي تعدى حدود المعقول منذ مدة، ولم يعد بمقدوري أنا ووالدتها على تحمل كل هذه الأعباء التي سكبتها أحوال هذه البلاد على كاهلنا" .

وتابع والد رقية، قائلا: "130ألف ريال يمني (قرابة 90 دولارا أمريكيا) هو مجموع راتبي أنا وزوجتي التي تشغل وظيفة في أحد الدوائر الحكومية في المحافظة، ولدينا أربعة أبناء جميعهم طلاب بمراحل مختلفة، ولكِ أن تتخيلي البقية" .
جملة أخرى من الطلاب ممن تمكنوا من إيجاد أعمال بمرتب ثابت نسبيا - في ظل ترنح سعر الصرف - استطاعوا إعانة أنفسهم على تحمل اعباء ومتغيرات هذه الأوضاع. وعلى الرغم من اضطرار بعضهم للقيام ببعض الأعمال الجانبية لتحمل تكاليف الدراسة ومنها المواصلات فإنّ ذلك يعني القيام بأعمال إضافية وضياع ساعات أخرى في العمل، هذا لمن كان سعيد الحظ ووجد عملا يعينه على مصاعب الحياة في المدينة، بحسب ما قاله وجدي سمير، 22 سنة، الطالب في معهد أمين ناشر للعلوم الطبية بخور مكسر.

يشرح أحمد، والحسرة بادية على ملامحه الصعوبات الجمة التي بات يواجهها كل صباح مع ركوب المواصلات واضطراره للخروج مبكرا من المنزل لتدارك الوقت الذي يقضيه في انتظار من يقبل ركوبه بقيمة التسعيرة القديمة.
يضيف أحمد: "هذا اللون الذي يكسو بشرتي الآن ليس لي، اكتسبته في الأيام الماضية جراء مكوثي طويلا تحت أشعة الشمس القارسة، والمهين في الأمر أن حق من حقوقي بات كأنه نوع من التسول بينما لو كان هناك دولة حقيقية تقوم بواجباتها لكنت أقوم بركوب الباص ودفع قيمة المواصلات دون الاضطرار لأخبار سائق الباص عن المبلغ الذي بمقدوري دفعه" .

دور نقابة المواصلات
ومع زيادة حدة الانفلات الإداري الذي تشهده بعض مؤسسات الدولة في المناطق الخاضعة لحكومة المناصفة، يتساءل المواطنون عن دور النقابة العامة للمواصلات، مما يرتكبه سائقو سيارات الأجرة، مطالبين في حديثهم السلطات المحلية في المحافظات والنقابة العامة والجهات الحكومية المختصة إعادة النظر في موضوع ارتفاع أجرة المواصلات كونه المطلب الذي يهم جميع المواطنين.

وفي السياق كشف عضو في النقابة، فضل عدم ذكر اسمه، لـ «سوث24»، عدم مشروعية ارتفاع أجرة التنقل بين المديريات وضواحيها وعدم مواكبتها مع المسافات المقطوعة، مؤكداً أنّ النقابة تُلزم سيارات الأجرة التابعة لها بالتسعيرة الرسمية بما يتوافق مع سعر البترول الرسمي، وأنّ أي ارتفاع في بقية المواصلات التي لا تخضع للنقابة لا تتحمل النقابة مسؤوليتها.

وأكد أنّ "النقابة تهيب بالمواطنين بركوب المواصلات من الفرز الرئيسة في مختلف مديريات المحافظة وعدم الركوب في الباصات التي تعمل دون مشروعية قانونية كون من يركب معهم يُساعد في انتشارها" .
وشدد على أنّ النقابة ليست من مهامها مراقبة كل حركة المواصلات، محملا إدارة مرور عدن مسؤولية العشوائية والفوضى التي تحدث.

ويعتقد مراقبون أنّ الفوضى الحاصلة وغياب الرقابة ساهم في مضاعفة جشع السائقين الذين باتوا ينتظرون بفارغ الصبر أي جرعة جديدة في الوقود كي يرفعوا السعر والضحية دائما هم المواطنون وعامة الشعب خاصة البسطاء منهم والفقراء وذوي الدخل المحدود.
وفي وقت سابق من شهر أكتوبر الماضي، وجه محافظ محافظة عدن، أحمد لملس، على ضرورة ترتيب النقل العام في المحافظة، وإعادة عمل وتنظيم الفرزات بهدف معالجة إشكاليات خطوط السير وصولا إلى آلية عمل للتسعيرة . كما وجه اجتماع لاحق للسلطة المحلية بتشغيل الورشة الفنية للنقل البري وتكليف رئيس الغرفة التجارية بإعداد دراسة لتقييم وضع المؤسسة.
ولم تكن "الجرعة السعرية" التي أدخلت اليمن في الحرب الجارية هي الأخيرة ويبدو أنّها لم تكن كذلك على المدى القريب القادم، بل إنّ معاناة المواطنين، الذين يتجرعون نتائج الاحتراب السياسي منذ سنين ستظل في تزايد مستمر ومؤسف بانتظار من يضع الحد لكل ما حدث ويحدث.

"سوث24"  

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى