الكتابة بروح فراشة!

> شيماء صالح باسيد

> صباح اليوم، وأنّا أرشفُ كل هذا القهر، اكتشفتُ اكتشافا مرعبا أن اللغة إبرة ثخينة جدا تغزّها ممرضة مبتدئة في أصغر وريد في يدي، وأنا أغمض عيني كي أتقوى على الألم، لا أن أدفعه بعيدا عني. ربما لرغبتي أن أمنح تلك الممرضة البائسة تجربة وخبرة ما، تحمي وريدًا آخرا من طيش الألم.

التفكير في الكتابة إيذاء سطحي للذكريات، فعل الكتابة نفسه اعتداء صارخ، كما لو كانت هي تعيش باستقلال تام خارجنا، ثم ندخلها قسرا إلى هواجسنا، نلتحمُ بها بقوة، فتهطلُ هي كمطرٍ كثيف قطرةٍ بعد قطرةٍ، إنّها تمطرُ الآن. روحي تنصتُ لسماع صوت المطر، لا تخشى الزكام المؤلم الذي سيصيبها بعد قليل. المطرُ كثيفٌ ويطول ليتركني بعده منهكة جدا جدا بعد رحلة شاقة في خضمّ اكتشاف اللغة لكنّها أكثر جمالا بالتأكيد.

ها هي كلماتي الآن تقاتلُ بعضها، وأنا أتكئ على صوتِ تهدجها. قد كنتُ معلقة لسنواتٍ طويلةٍ بجِسرها، لكني أراها اليوم تسقط أمامي فقرَرت أن اسقط معها أيضًا، نشوة التحليق عاليًا حيث لا حبال ولا هواء، ثم الارتطام بقوة ٍ في القاع. يلتوي عنقي يمينا ويسارا تفلتُ يديّ مني. استلقي على ظهري وأترك مجرى الذكريات يجرفني، ظلي يتأرجحُ فوقي محاولا جمع الحروف المتساقطة، كل المساحات الفارغة حولي تمتلئ بركام اللغة، لماذا ظلّي يكره الفراغ بل يخافه إلى هذه الدرجة؟ بينما أنّا أحبّ الفراغ وأتشبثُ به. الفراغ واضحٌ جدًا، فوحده المكان الذي يتسعُ لي أكثر مما أطيق، ولطالما استهوتني المساحات التي لا تحتوي على شيء، لا شيء إطلاقا.

شعرتُ في أثناء سقوطي العظيم أني لا أكتبُ كي أكسب الزمن، بل لكي أبدده، أتفننُ في انفاق موهبتي وحياتي التي أصبحت مفترق طرقٍ وعرة. سيكلفني، بالطبع، جهلي أيّها أسلك، الكثير من أصابعي، ولن أتمكن من الكتابة مجددًا. سأغمضُ عينيّ الآن وسأطلبُ من ظلّي أن يخفّف وقع خطواته وأن يترك لي مساحة لا بأس بها من فراغ تمتصُ جنوني وتخففُ وطأة الزمن على حياتي. التي تتصنع الظرف معي دومًا وكأنها تمنحني كل مرة سببا كافيًا لليأس، لكني لن أفعل.

رغم روحي التي تحترق لكنّها لن تتحول إلى رماد بل ستستمر بالتجديف نحو السماء، لقد توقفتُ عن محاولات فهم الحياة حولي، وانغمستُ في محبتها اللامشروطة، سواء أهدتني ورودا أم سكاكين، أليست بالمحبة وحدها تحوم الفراشات حول النار ولا تحترق؟ تجرؤ على رقص التانغو رغم كل هذا الظلام الفاحش حولنا، آه من روحِ فراشةٍ مكابرة ٍ تسكُنني منذُ زمن!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى