أيها الشاكي

> إذا تراحم الناس في هذا البلد لن يضرّهم الجوع ولن يموتوا من مخمصة سواء صعد الدولار أو هبط، وإذا عرف المواطن طريقه إلى الكسب وتوكل على الله فلن يفلح معه الغلاء ولن يهدّه سعر الصرف.

في المناطق التي يزرع فيها الناس الحبوب في موسم المطر ليست هناك أزمة غذاء "وفي السماء رزقكم وما توعدون".

عندما يتناول المواطن فأسه ومنجله ويخرج للعمل في الصباح فلن يقف شيء أمامه لتحقيق عيش أفضل ولو جمع العشب أو احتطب من الجبل.

الآن في ظل الغلاء الفاحش هناك مواطنون في مناطق كثيرة من هذه البلاد ينعمون بخيرات أرضهم من مختلف أنواع الحبوب "الغَرِب والدخن والذرة بمختلف أنواعها عدا الخضروات والفاكهة والبقوليات وهي محاصيل من تربة البلد "بلدي" جودة ومذاق وقيمة غذائية، ناهيك عن تربية الماشية والنحل والطيور.

هناك مواطنون لا يجدون قيمة الزبادي، وهناك مواطنون يشربون اللبن من ضرع البقرة.

هناك بيوت لا يجدون زيتاً لطبخ الخبز وهناك بيوت فيها جِرار من السمن البلدي الخالص.

في زمن الحرب والغلاء يدع كثير من الناس في اليمن الحديث عن السياسة جانباً ويذهبون إلى المزارع، لأن الحكومات والجيوش والحروب لن تغيّر من معادلة الرزق عندما يكون أمر الرزق بيد "الرزّاق"، و "ما من دابّة في الأرض إلاّ على الله رزقها.

هذه السُّفن والبواخر التي تمخر عباب البحر في الليل والنهار محملة بالغذاء والمؤونة هي حصاد الحقول وثمرات المراعي من كل الأقطار، بينما نحن سوق للبيع وبطون لأكل الأرز والدقيق القادم من خلف المحيطات، عندما نصرف كل الراتب في "الراشان"، ونستكثر إذا سخّرنا جزءاً منه لزراعة الأرض وفلاحتها.

وحتى يعلم القريب والبعيد الموسر والمُعسر هل تربة هذا البلد غنية وتنتج الخير، فليذهب إلى أسواق الجملة الخضار والفواكه ومحلات بيع الحبوب البلدي والبقوليات والبهارات في البقالات والمقالي والسوبرات، هذا عدا أماكن بيع اللحوم والعسل البلدي.

إنّ الخير في هذا البلد وافر لكن الحكومة أضاعت الخطط والبرامج وأهملت القضية الزراعية وذهبت تنتظر طعام الشعب من عرض البحر، وهي ترى أن في بلد كالصين تعداد سكانه 1.4 مليار نسمة يأكلون أجود أنواع الأرز من تراب بلدهم ويصدرونه إلى كل الأقطار.

أيها الشاكي في هذا البلد لا تنسى نعمة العافية، بادر واعمل وكافح، كُن ذاك الفلاح، الحدّاد، النجّار، الحطّاب، البزّاز، العطّار، البقّال، الصيّاد، الملّاح، الدهّان، الخبّاز، البنّاء، الحفّار، الخيّاط، الورّاق، السبّاك.

بِعْ ماءً.. بِعْ شاياً.. بِعْ أقلاماً.. تحرّك لا تتعطّل.. كُن أجيراً في حراثة أرض أو رعي ماشية، فليس العيب في المِهَن إنما العيب في الأشخاص "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".

وأنشد مع من قال:

ماء وخبز وظِل

ذاك النعيم الأجل

كفرتُ نعمة ربّي

إنْ قلتُ إني مُقِلُّ

إن المواطن في هذا البلد صاحب روح جميلة لذا فهو صبور ومكافح، لكن لا ننسى أن نذكره بجمال الحياة حين يشكو من المصائب والملمات، حتى ينشد مع إيليا أبو ماضي:

أيُّها الشاكي وما بك داء

كيف تغدو إذا غدوت عليلا

أترى الشوك في الورود وتعمى

أن ترى فوقه الندى إكليلا

والذي نفسه بغير جمالٍ

لا يرى في الوجود شيئاً جميلا

أخبرني شاب مكافح بأنه ذهب يقطّع سمكاً مع بائع سمك في السوق فعاد إلى منزله بـ 15 ألف ريال من الصباح إلى الظهر، "وأما بنعمة ربّك فحدّث".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى