​فورين أفيرز: الولايات المتحدة لم تسحب قواتها من الشرق الأوسط ولن تفعل

> لندن «الأيام» القدس العربي:

> ناقشت الزميلة البارزة في مركز بيرك للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس داليا داسا كي أن الولايات المتحدة لن تنسحب من الشرق الأوسط وهي بحاجة لاستراتيجية جديدة وليس استراتيجية خروج.
وجاء بمقالها بمجلة “فورين أفيرز” أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تخف نيتها الخروج من الشرق الأوسط. وفي مقابلة مع وزير الخارجية انتوني بلينكن قبل توليه منصبه قال فيها إن رئاسة بايدن “ستولي اهتمامًا قليلًا بالمنطقة”. وأخبر مسؤول بارز الكاتبة أن إدارة باراك أوباما لم تمض في استراتيجية التوجه نحو آسيا و” هذه المرة سنفعل”.

ويمثل التنافس الاستراتيجي مع الصين الموضوع الرئيس في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو موضوع يجمع عليه الحزبان في واشنطن المنقسمة. وعلى الرغم من كل الحديث عن خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط والقلق الذي انتشر بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلا أن الواقع على الأرض غير هذا: لا تزال واشنطن تحتفظ بشبكة واسعة من القواعد العسكرية وأثبتت استعدادًا للتعامل مع شركاء غير مرغوب بهم باسم تقوية الأمن الإقليمي. وأكثر من هذا فستؤدي الديناميات الإقليمية ومزيد من عدم الاستقرار والعنف، لمطالب ببقاء الوجود الأمريكي.

وحتى نكون واضحين، فلم تعد الولايات المتحدة القوى العظمى الوحيدة المهيمنة في الشرق الأوسط، فقد نما الاستثمار التكنولوجي الصيني والوجود العسكري الروسي في المنطقة على مدى العقد الماضي. وبهذا المعنى فاللحظة الأمريكية قد انتهت. ومع أن معظم الأمريكيين يريدون الانتهاء من الشرق الأوسط إلا أن الأخير لم ينته بعد من أمريكا ولن يتركها في حالها.

وعليه فالحديث عن الانسحاب الأمريكي ليس مجرد أسطورة ولكنه يمنع النقاش الحقيقي والمهم حول الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة تحسين حياة المواطنين في المنطقة وتسهم ببناء نظام سياسي عادل في الشرق الأوسط. وتشير كي إلى أن الأمور لم تتغير في المنطقة على الرغم من المخاوف من خروج الأمريكيين، فالحضور العسكري الأمريكي مستمر أكثر من العادة أو مما يعترف به.

وقررت إدارة بايدن المضي في صفقة مبيعات أسلحة بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات، مع أنها وعدت بمراجعتها للتأكد أنها متناسقة مع حقوق الإنسان. وبنفس السياق أدى قرار بايدن “النظر” في العلاقات مع السعودية إلى تحول في السياسة. وحظي نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وأخ ولي العهد محمد بن سلمان بمقابلات مسؤولين بارزين عندما زار واشنطن في يوليو، على الرغم  من نشر تقييم استخباراتي توصل إلى أن جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018 تمت بموافقة ولي العهد.

والتقى مسؤول الأمن القومي جيك سوليفان في سبتمبر مع ولي العهد. ودفعت الإدارة لاحقًا بصفقة أسلحة للسعودية بقيمة 650 مليون دولار. كل هذا لا يعطي صورة عن إدارة تدير ظهرها لحلفائها التقليديين أو أنها تتعامل مع “حقوق الإنسان كمركز” سياستها الخارجية.
وهذه الأشكال من التعامل تتجاوز الدول الثرية في الخليج، فقرار فريق بايدن حجب 130 مليون من أموال الدعم الأمريكي لمصر كان أقل من توقعات منظمات حقوق الإنسان والتزام الإدارة بالتشريع في الكونجرس الذي يشترط 300 مليون دولار الدعم العسكري بالتقدم في إصلاحات تتعلق بحكم القانون. وتظل مصر واحدة من أكثر ثلاث دول في العالم تحظى بالدعم الأمريكي، فهي تحصل سنويًا على 1.3 مليار دولار من خلال برنامج أمريكا للتمويل العسكري الأجنبي، مع أن نظام عبد الفتاح السيسي يواصل قمعه للمعارضين ومنظمات المجتمع المدني.

صحيح، أعربت إدارة بايدن عن عملية تغيير في موقفها العسكري من خلال تخفيض أنظمة الدفاع الصاروخية في المنطقة والتركيز على التحدي الذي تمثله روسيا والصين. وأدى سحب أنظمة الدفاع من السعودية في سبتمبر، وعلى الرغم من استمرار المتمردين الحوثيين في اليمن توجيه الصواريخ إلى الأراضي السعودية، إلى زيادة إحساس الرياض بتخلي أمريكا عنها. وفي الوقت نفسه تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بمراجعة قد تؤدي لتخفيف البصمات الأمريكية في المنطقة والتركيز على منطقة الباسيفك الهندي، لكن من المستبعد أن تؤدي هذه التحركات لتغيرات جذرية وتخفيض أعداد عشرات الألاف من الجنود أو أن واشنطن مستعدة لتجاهل احتياجات شركائها الأمنية.

وتقول إن النقاش الداعي لتخفيف الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط واضح، فبالإضافة لتحويل المصادر باتجاه آسيا، لم تعد أمريكا تعتمد على نفط المنطقة. وهناك حديث حول جدوى الاحتفاظ بقواعد عسكرية كبيرة وإن كانت فاعلة لمكافحة الإرهاب أم أنها تعمل على استفزازها من إيران.
لم تعد أمريكا تعتمد على نفط المنطقة، وهناك حديث حول جدوى الاحتفاظ بقواعد عسكرية كبيرة.

ويدعو بعض المحللين إلى سحب كل القوات من الشرق الأوسط، وهناك من يرى توزيع القوات على قواعد عسكرية صغيرة. وهو ما سيخفف اعتماد الولايات المتحدة على قواعد عسكرية كبيرة مثل العديد في قطر ومعسكر عريفجان في الكويت، والتي قد تكون عرضة للهجمات الإيرانية، في الوقت الذي طورت فيه طهران قدراتها من المسيرات والصواريخ.

وتعلق كي أن هذه النقاشات مقنعة لكن الاعتبارات السياسية والبيروقراطية تؤشر إلى استمرار تأثر الولايات المتحدة للهزات في سوق النفط ومصالح الصناعة الدفاعية الأمريكية ولا حاجة لذكر المصالح الاستراتيجية بشكل يجعل من عملية تراجع سريعة غير محتملة. ويريد شركاء الولايات المتحدة في الخليج بقاء القوات الأمريكية باعتبارها علامة على التزام واشنطن السياسي بأمنهم. وبعد الدور الذي لعبته قطر ودول الخليج في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فإن تخفيض عدد القوات الأمريكية قد يكون محتملًا لكن سحبها بالكامل مستبعد.

وترى أن تركيز الحزبين في الكونجرس على إيران سيكون عاملًا في صالح الوجود الأمريكي بالشرق الأوسط. فالمناورات العسكرية في محاولة لردع إيران مستمرة وتضم الآن الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين. وليس من الواضح تعرض القواعد العسكرية الأمريكية للمخاطر، فقطر والكويت التي يرابط فيهما آلاف الجنود الأمريكيين، على علاقة جيدة مع إيران. ولن تكون القوات الأمريكية داخل البلدين عرضة والحالة هذه لهجمات إيرانية. وعليه فمنافع تخفيض القوات الأمريكية بالمنطقة يتفوق على الثمن السياسي وتنفير الشركاء في الخليج.

وترى كي أن النقل الدوري لأنظمة الصواريخ من الشرق الأوسط هو علامة عن تخفيف الوجود الأمريكي، وسيصبح دوريًا مع زيادة تحويل المصادر نحو آسيا. ولن تتقبل القوى في المنطقة هذا لكنها ستعلم العيش معه. ويظل إغلاق قواعد عسكرية بالكامل أمرًا آخر.
وأشارت كي عن حرب الظل مع إيران، فهذه ترى في استمرار الوجود العسكري الأمريكي تهديدًا لمصالحها وهدفًا جيدًا. وربما حاولت إيران وهي تبحث عن طرق لتعزيز قدراتها الردعية ضرب القواعد العسكرية في مناطق النزاع وتجنب القواعد الكبيرة في الخليج.

واتهمت الولايات المتحدة وإسرائيل إيران باستهداف قاعدة التنف في سوريا الشهر الماضي، انتقامًا على ما يبدو للغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا. وانخفض عدد القوات الأمريكية في العراق لعدة آلاف مما جعلهم عرضة لهجمات الميليشيات التي تدعمها إيران. فالعداء متجذر في مؤسستي البلد وبخاصة التيار المتشدد الذي عزز موقعه في انتخابات إيران الأخيرة. وهو ما يعني أن إعادة ضبط العلاقة في السنوات المقبلة غير محتمل.

وترى أن قرار إدارة ترامب الخروج من الاتفاقية النووية وفرض عقوبات قصوى بهدف عزلها سياسيًا واقتصاديًا حولت إيران لدولة تبحث عن الحرب وليس أقل. ودخلت الولايات المتحدة وإيران في حرب مباشرة بعد مقتل القيادي العسكري قاسم سليماني في 2020، وهذه المرة الأولى منذ ثمانينات القرن الماضي. وحتى لو وجد صناع السياسة الأمريكية طرقًا لتجنب حرب شاملة واحتواء طموحاتها النووية فسيظلون في حرب متدنية الوتيرة معها في المنطقة. وعلى الرغم من التزام إيران بشروط الاتفاقية النووية، إلا أنها زادت من تخصيب اليورانيوم فوق المعدلات المسموح بها بعد قرار ترامب، وقللت جهودها في التخصيب المدة الزمنية التي تجعلها قادرة على تخصيب كميات كافية لإنتاج الأسلحة النووية التي لم تعد سنوات بل أشهر.

وكل هذه الخطوات أدخلت عوامل جديدة زادت من توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وليس من الواضح رغبة إيران في إحياء الاتفاقية النووية، فلم يعد الوفد الإيراني لمحادثات فيينا إلا بعد خمسة أشهر من انتخاب إبراهيم رئيسي في يونيو. وليس من الواضح إن كان لدى إدارة بايدن القدرة على تخفيف العقوبات التي تطالب بها طهران أو أن الأخيرة مستعدة للتوقف عن نشاطاتها النووية. ولن تدعم إسرائيل أي عودة للاتفاقية على الرغم من محاولات بايدن التشاور معها.

ويتحدث المسؤولون الأمريكيون مع نظرائهم في إسرائيل حول “خطة ب” حالة فشل المفاوضات، وستشمل على ضغوط اقتصادية وربما خيارات عسكرية. وهناك صعوبة لتخيل توقيع اتفاقية جديدة وبدون الدعم الدولي الذي كان قبل توقيع اتفاقية 2015، ولا يعرف إن كانت الصين ستوافق على عقوبات اقتصادية ضد إيران، في ظل التوتر بين بكين وواشنطن.

وبالتأكيد عبرت الصين عن موقف متعاطف مع حقوق إيران لتخصيب اليورانيوم بعد قرار الولايات المتحدة وبريطانيا بيع غواصات نووية لأستراليا. وفي حالة فشل المفاوضات، فهناك إمكانية لتكرار ما حدث بعد خروج ترامب من الاتفاقية وهو تصعيد للعمليات العسكرية في المنطقة، بما في ذلك القوات الأمريكية. لو فشل الاتفاق فمن الصعب على أمريكا تخفيض قواتها في المنطقة أو نقلهم لأي مكان، ولن تتخلى إسرائيل عن محاولاتها لتدمير البرنامج النووي. وحرب الظل مع إيران قد توسعت خارج المسرح السوري.

وتقوم إسرائيل وبشكل منتظم بضرب الجماعات الموالية لإيران بالإضافة لهجمات بحرية، وواصلت عمليات الاغتيال والتخريب داخل إيران، بما فيها التفجير في مفاعل ناتنز في إبريل 2021، كما وتوسعت الحرب الإلكترونية بين البلدين لتشمل أهدافًا مدنية.
ولا يوجد فرق بين سياسات نفتالي بينيت رئيس الوزراء الحالي وسلفه الصدامي بنيامين نتنياهو، مع أن بينيت تجنب الخلافات مع واشنطن، لكنه واصل حرب الظل ضد إيران وتحدث مسؤولون آخرون عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها. ولا توجد معاهدة دفاع مشترك مع إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة الملتزمة بأمنها ستجد صعوبة في الوقوف متفرجة حالة مواجهة بين إسرائيل وإيران.

ولم يختف النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني فهو يغلي تحت السطح. ولم يعد أولوية للمنطقة وواشنطن حيث يفضل صناع السياسة تحسين حياة الفلسطينيين بدلًا من الضغط على إسرائيل في القضايا الجوهرية مثل المستوطنات.
وكشفت الحرب الأخيرة في غزة، عن قدرة الولايات المتحدة العمل خلف الأضواء لكنها لا تستطيع تجاهل النزاع. ويعد التطبيع خطوة لكنه ليس بديلًا عن التسوية بين طرفي النزاع. لكل هذا فلن تغادر الولايات المتحدة المنطقة، وهي لن تنسحب لكنها موجودة للأسباب الخطأ، فإدارة بايدن لا تزال ملتزمة عسكريًا للحلفاء في المنطقة. وتمرير الصفقات العسكرية للسعودية والإمارات دليل على بصماتها في المنطقة على الرغم من الشك من أهداف السياسة الأمريكية. لكن منح الأولوية للسلاح سيظل خطأ إن لم تتم موازنته بالمساهمة في الأمن السكاني وتحسين الحكم، بل وسيغذي القمع والنزاع. فاستمرار الولايات المتحدة بالاستثمار بالدعم العسكري لمصر مثلًا هو وصفة لاستمرار الأزمة ويجبر الولايات المتحدة على اتخاذ الخطوات المكلفة لاحتواء الأشكال الجديدة من التطرف والعنف. والطريقة الوحيدة لتخفيف الالتزامات العسكرية هي الاستثمار في التنمية وفتح الفرص والتركيز على التحديات اليومية التي تواجه الناس العاديين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى