عدن بريشة أبنائها.. "أورفيك" معرض فني كشف الستار عن إبداع دفنته المعاناة

> "الأيام" فردوس العلمي:

> أربع ريشات واعدة أنتجت بإتقان لوحات تحاكي الواقع وتجذب الحواس مغلفة بالإبداع.. ولم تغب عن تلك اللوحات القضايا المجتمعية التي تشغل فكر كل مواطن؛ بل كانت نقطة الالتقاء المشتركة للشباب الأربعة أصحاب اللوحات.
على مدى ثلاثة أيام متتالية ضمت قاعة معهد جميل غانم للفنون الجميلة في مدينة كريتر بالعاصمة عدن، معرضًا للرسومات نظمته مؤسسة "عدن أجين" بالشراكة مع معهد جوتة الألماني.

معرض "أورفيك" الذي اختتم أمس الأول، شارك فيه شباب يافع تمكنوا بلوحاتهم من أسر الجمهور المتذوق للفن بطبيعته من خلال المواضيع التي تناولتها اللوحات والتي حملت الكثير من الجمال والإبداع وكم هائل من القدرة على إيصال الرسائل بوسائل مدهشة.
منار الجفري، صفاء أنيس، سارة وهيب، وأسامة أشرف، هم الرسامون الأربعة الذين تزينت صالة العرض بلوحاتهم المعبرة، الصادقة فيما حملته من مضامين تشاهدها بقلبك وروحك قبل عينك، فكانت بمثابة تغذية روحية وبصرية مشبعة على نغم موسيقى هادئة، تحمل توقيعات شباب عدن.

أثناء جولتنا في المعرض وتأملنا في للإبداع الصوري، التقينا بأصحاب ذلك الفن الذين نقلوا معاناة وزمنًا بأكمله من خلال لوحاتهم، فمنار الجفري عندما عرفت بنفسها قالت: "أنا ابنة عدن، عمري 19 عامًا خريجة ثانوية عامة وفنانة صاعدة في مجال الرسم".
منار التي شاركت بـ12 لوحة، تهتم بالفن التجريدي والتعبيري المعاصر، وتعبر مشاركتها في "أورفيك" كون مؤسسة "عدن أجين" تهتم بالقضايا الاجتماعية والتعبير عنها حتى من التغذية البصرية وكذا اهتمامها بالجوانب الفنية عمومًا.

وتقول عن المعرض:"هو تجربة جميلة وفريدة من نوعها بالنسبة لي كفنانة جديدة على هذا الوسط الفني اليمني تحديدًا، وهذا العمل الإبداعي الشبابي أعطى الناس تغذية فنية وبصرية، إذ شهد مشاركة ممتازة من بقية الزملاء".
وتابعت حديثها:"هذه أول مرة أعرض لوحاتي وأقدمها للجمهور مع شرح محتواها، ووجدت الجمهور سعيد بذلك وأنا أيضًا سعدت بها لأنها فرصة لصقل موهبتي واكتساب خبرات".
صفاء أنيس بجانب لوحتها المميزة
صفاء أنيس بجانب لوحتها المميزة

لوحات منار الـ12 انضوت تحت 6 سلسلات فنية، أسير، جغرافيا خاطئة، حدس، مُشع، الازدواجية، وخفى، وفي جميع تلك اللوحات اعتمدت الأسلوب التجريدي محاولة الوصول إلى كل بُعد نفسي داخل الإنسان يجهله الإنسان نفسه أو لا يعرف كيفية التعبير عنه.

وقالت:"الإستايل كان جديدًا على أرض المعارض في عدن من خلال التجريد المكتسي بمواد مختلفة باللوحة الواحدة، مثلًا مجموعة ازدواجية بالخط الواحد قدمت فيها الأبعاد النفسية التي تواجه أصحاب مرض ازدواجية الشخصية، واستغليت فيها أسلوب الخط الواحد في رسم شخصية واحدة تعاني من حالات وشخصيات متعددة بسبب تناقض في المشاعر، أما مجموعة حدس منحت زوار المعرض موضوعًا يفهموه، وحاجة ليفكروا فيها وتحرك مشاعرهم وتوضح وجهة نظرهم، ومن خلال مشاهدة الزوار وجدت أشياء في لوحاتي لم أرها من قبل من خلال شرح الزوار، حيث منحتهم فرصة للتعبير عن آرائهم، ومن ذلك تمكنت من رؤية أشياء جديدة وعرفت تخصصاتهم واهتماماتهم عبر شرحهم للوحات بدون أن يخبروني عنها بشكل مباشر.
مازن شريف رئيس مؤسسة عدن أجين الثقافية
مازن شريف رئيس مؤسسة عدن أجين الثقافية

وأكملت:"وفي مجموعة أسير شرحت نوع الأحزان والمشاعر التي لا نعلم سببها أحيانًا لقلة الوعي بالصحة النفسية خاصة في مجتمعنا، وعبرت الثلاث اللوحات تدريجيًا كيف أنه من الممكن أن يؤثر علينا الإهمال النفسي، يؤثر بمشاعرنا بأفكارنا وبعوالمنا الداخلية، وفي مجموعة جغرافيا خاطئة حاولت أن أصف الشعور بالغربة على الرغم من وجودك في بلدك، فتشعر بالغربة وتكون في عالم آخر لا علاقة له بمكان تواجد الجسد".

واستخدمت منار تقنية فنية تعبيرية تجريدية بواسطة كافة الألوان والأدوات لإنتاج مجموعة مُشع، فيما وتعتبر مجموعة حدس هي أبرز ما قدمته في المعرض.
صاحب الريشة الثانية هو أسامة أشرف، طالب في المستوى الرابع بكلية الهندسة تخصص مدني، يرى أن مجرد إقامة معرض مماثل وفعالية فنية أو ثقافية في ظل الظروف التي تعيشها المدينة يعد أمرًا ممتعًا.
اسامة اشرف يجانب لوحته المميزة
اسامة اشرف يجانب لوحته المميزة

وبالنسبة له فإن المعارض الفنية للشباب هي دفعة مشجعة لبقية المواهب لعرض أعمالهم والاستمرار في الإنتاج الإبداعي.
أسامة شارك في المعرض بـ9 لوحات، جميعها تتحدث عن قضايا مجتمعية"شاركت من قبل في معارض كانت على هامش فعاليات فنية ومجتمعية، المميز هنا أن هذا المعرض خاص بالرسم وأكثر تنظيمًا"، قال أسامة.

ومن اللوحات المميزة لدى أسامة "غربة " التي تبرز عن التأثيرات النفسية التي تعانيها الأسرة نتيجة اغتراب الأب، خاصة لدى الأطفال الذين يشاهدون أقرانهم يعيشون في كنف أسرة مكونة من أم وأب.
أما صفاء أنيس، فهي معيدة في جامعة عدن شاركت بعدد من اللوحات في معرض "أورفيك" أهمها لوحة تحاكي الطابع العدني وأخرى بعنوان ألم وأمل تصور معاناة الأسرة العدنية وجهادها لحماية الأطفال من سيئات المجتمع وإعدادهم ليكونوا نماذجًا جيدة.
سارة وهيب بجانب لوحتها المميزة
سارة وهيب بجانب لوحتها المميزة

وقالت صفاء أن المعرض جاء كختام دورة تدريبية اكتسبوا فيها الكثير من المعارف والمعلومات خاصة في كيفية إدارة المعارض الفنية، مقدمة الشكر وزملاءها لمازن شريف الذي أتاح لهم هذه الفرصة كونها ورشة فريدة من نوعها أول مرة تقام في عدن على يد مدربين، تبعها تطبيق عملي حسب قولها.
وأضافت:"سعدنا بالجمهور وتذوقهم للفن، ومما زاد من جمالية المعرض وإعطائه طابع متميز أن أقيم في أعرق المعاهد الفنية في عدن معهد جميل غانم، وحضور دكاترة فنيون لم يترددوا في إبداء إعجابهم بعملنا خاصة أننا لسنا متخصصين بالفن، والشكر لمؤسسة"عدن أجين" لإتاحتها هذه الفرصة لنا".

المشاركة الأخيرة جاءت مشاركتها بمحض الصدفة، حيث قرأت منشور على " الإنستجرام" حول إقامة معرض لتقدم وتحظى بفرصة المشاركة.
ذات الثمانية عشر عامًا سارة وهيب، ذات شغف عالٍ في هذا المجال على الرغم من أنها أول مشاركة لها على الإطلاق، إلا أنها شاركت بـ10 لوحات تتحدث عن موضوعات مختلفة.

وتتوق سارة إلى تنمية موهبتها التي بدأت بممارستها منذ 2017م، وقالت:" أبرز لوحاتي معنونة بـ"أسير" وهي تعبر عن الانحصار، وتصور شخصًا منغلقًا داخل فكره أو فكر شخص آخر سلبي مستهلك، ومن ذلك التأثر السلبي بالعادات والتقاليد الظالمة والتي دأبها وترك جوانب مشرقة في المجتمع يمكن العيش فيها والاندماج معها.
وفي ختام جولتنا كان لا بد أن نلتقي برئيس مؤسسة " عدن أجين" الثقافية الشاب مازن شريف، الذي أشار إلى أن " أورفيك" يأتي ضمن سلسلة معارض تنفذها المؤسسة بالشراكة مع معهد جوتة في إطار مشروع Regathered"".

وأوضح:"بدأنا العمل على المشروع قبل ثلاثة أشهر، واخترنا 12 فنانًا لتدريبهم حول الإدارة الفنية بداية، والمرحلة الثاني كانت بالإنتاج الفني، حيث تم توفير كافة المستلزمات والأدوات والإمكانات الإبداعية التي من شأنها مساعدة هؤلاء الفنانين على الإنتاج، وكان هدفنا ألا تكون مجرد أعمال فنية، ولكن أن تكون أعمال مليئة بالمشاعر تلامس القضايا المجتمعية بعمق وذات مغزى ودلالة قيمة".

وعن السلاسل الفنية تحدث قائلًا:"هي عبارة عن مجموعة أعمال تشكل بلوحة فنية واحدة وليست لوحات فردية، خرجنا بحصيلة كبيرة من الأعمال الفنية وعملنا على تنظيم ثلاثة معارض كان المعرض الأول بعنوان فوتوغراف، والمعرض الثاني نقطة تحت الخط للفن الرقمي، وهذا المعرض الثالث للرسم يشارك فيه أربع شخصيات من المستفيدين من المشروع".

وأكد شريف أن الهدف من هذا المشروع عكس صورة إيجابية عن الوطن عامة وعدن على وجه الخصوص، كونها مدينة فن وإبداع وليست بلد حرب وأزمات فقط، فالصورة المنقولة عن عدن بأنها بلد حروب وأزمات على الرغم من وجود شباب مبدع في نقل صورة إيجابية ومستوياتهم مشرفة، حد وصفه.
كما تحدث عن هدف آخر للمشروع وهو رفع مستوى الفنانين والرسامين ونقلهم من عر ض فنهم ولوحاتهم على السوشيال ميديا، إلى مستوى أفضل يشكل نقلة نوعية بالنسبة لهم.

واختتم بقوله:"الحمد لله استطعنا أن نحيي وننشط الساحة الفنية مرة أخرى من خلال ثلاثة معارض على مدى تسعة أيام، الحضور الجماهيري كان مميزًا ضم الكثير من الشباب وكبار السن وحتى الأطفال واستطعنا أن نوسع مدارك الجمهور بأن هناك فن يقدم وكان تفاعلهم إيجابي"، مشيدًا بالمشاركين الأربعة الذين انتجوا أعمالًا مشرفة بمستوى ممتاز يحمل اسم عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى