اليمن والقرن الأفريقي.. علاقة تجارة بحرية تواجه ألغام الحوثي

> «الأيام» العين الإخبارية:

> كانت ولا زالت ضفتي البحر الأحمر والقرن الأفريقي تشكل سوقًا مشتركًا وخطًا لموجات الاغتراب لكثير من اليمنيين منذ ما قبل منتصف القرن الماضي.
ومن المخا والشريط الساحلي الغربي لليمن، انطلقت أبرز موجات الاغتراب اليمني إلى مدينة عصب الإريترية ومنها إلى دول أفريقيا وأوروبا لتتشكل بعد ذلك تباعًا جاليات اليمن في القارة السمراء محققه نجاحات تجارية واجتماعية كبيرة.

وفي المقابل لا زالت سواحل اليمن بين محافظات الحديدة (غرب) وتعز ولحج (جنوب) تمثل سوقًا لمواطني دول القرن الأفريقي ومنفذًا للمهاجرين واللاجئين الذين أجبرتهم صراعات دولهم على الرحيل قسريًا.
وتعد التجارة بين ضفتي البحر الأحمر أحد الأنشطة الاقتصادية القديمة التي لا زالت قائمة حتى اليوم بذات نظامها القديم؛ إذ يجلب الأفارقة المواشي والأسماك، ويعودون بالمؤن والسلع الأساسية والمتنوعة.

حلقة وصل
في سواحل المخا ترسو قوارب صيادين ومستهلكين وتجار قدموا من دولة إرتيريا يبيعون ما تحمله قواربهم من مواشي وأسماك وأحيانًا عطور وملابس سواحلية يشترك في لبسها سكان ضفتي البحر الأحمر اليمنيين والأفارقة ويعودون محملين بسلع مختلفة.
وعلى الرغم من تأكيدات القادمين من إرتيريا، أنهم لا يقومون ببيع تلك البضائع بقدر ما يشترونها لأنفسهم، إلا أن هناك من يعتبر هذا النشاط تجارة غير مشروعة، تتم بين اليمن وإريتريا.

ويقطع الإرتيريون المنخرطون في هذه التجارة خمس ساعات يوميًا في رحلة الذهاب على متن قوارب صغيرة ومتوسطة غالبيتها متهالكة، ويفرغون بضائعهم من الأسماك والمواشي في سواحل اليمن الغربية.
ويتم بيع حمولة هذه القوارب لتجار يمنيين، ينتظرونهم على الشواطئ ضمن حلقة التواصل اليومية التي تحدد موعد الوصول ووقت إنزال البضائع، فيما يقوم أصدقاء التجار الإرتيريين الذين قاموا مسبقًا بشراء تلك البضائع من مدن الساحل الغربي، بإعادة شحن تلك القوارب من جديد ضمن رحلة العودة.

تتعدد الأصناف التجارية التي يتم شحنها من مدن سواحل اليمن إلى إرتيريا بين المواد الغذائية بمختلف أنواعها إلى المنتجات الإلكترونية والأقمشة، فضلًا عن أجهزة وألواح الطاقة الشمسية.
وتتعدى هذه التجارة إلى شحن مكملات التغذية الخاصة بالأطفال المصابين بسوء التغذية، وبعض الأدوية، وأن كان هذا الصنف يحتل نسبة ضئيلة من إجمالي السلع التي يتم شرائها.

مخاطر التجارة.. تهديدات الحوثي
هذه التجارة وإن بدت محفوفة بالمخاطر، إلا أنها تجارة تتحدى المخاطر والصعاب وتقدم قصص اجتياز المياه لبلوغ الضفة الأخرى من البحر الأحمر.
وتتم هذه التجارة التي ينخرط فيها المئات من الإرتيريين، عبر قوارب متهالكة وتشكل خطورة على العاملين فيها، وكذا من يستقلونها في رحلة الذهاب والعودة.

وخلال السنوات العشر التي بدأت فيها هذه التجارة بالازدهار لم تسجل أي حوادث غرق ناتجة عن استخدام تلك القوارب المتهالكة، بل إن غالبية الحوادث ترتبط بتجارة تهريب البشر غير المشروعة.
وترتفع المخاطر على هذه التجارة بفعل الألغام البحرية لمليشيات الحوثي وكذا الزوارق المفخخة الحوثية التي تطلق بعشوائية لمهاجمة السفن التجارية جنوب البحر الأحمر.
كما تتحدى هذه التجارة الصعاب عبر مقاومة ارتفاع الأمواج وسط المياه، خصوصًا في هذه الأيام التي يشهد جنوب البحر الأحمر ارتفاعًا في سرعة هبوب الرياح، والتي تصل إلى نحو 30 درجة في الساعة.

سوق حرة
تحتاج هذه التجارة إلى قوانيين منظمة لتساهم في رفد اقتصاد البلدين أو تحويلها إلى سوق حرة على الأقل، إذ تقول السلطات اليمنية إنها تكبد اقتصادها الوطني خسائر سنوية تقدر بملايين الريالات.
كما تشكو السلطات اليمنية من تفضيل العاملين في هذه التجارة، الطرق غير القانونية، إذ يرفضون استخدام ميناء المخا الذي أعيد افتتاحه هذا العام.

وربما المكاسب المالية، تقف وراء ذلك الخيار، إذ أن إنزال المواشي والأسماك على الشواطئ اليمنية دون الولوج عبر الجمارك يجنبهم دفع مبالغ مالية تضاف إلى أرباحهم اليومية.
قال مدير مكتب الزراعة في المخا اليمنية، محمد قليهط، لـ"العين الإخبارية": إن تهريب المواشي تعد من أبرز المشاكل التي يعانيها العاملون في مكتب الزراعة والجمارك، والضرائب، إذ يتم إدخالها دون التأكد من خلوها من الأمراض.

وإضافة إلى ذلك فإن دخولها إلى اليمن عبر التهريب يكبد خزينة الدولة ملايين الريالات، بحسب قليهط الذي كان يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن ضرورة إيجاد قوانين منظمة لهذه التجارة بين البلد والقرن الأفريقي.
وعلى الرغم من الوعود بالعمل على إعادة تقييم ومراجعة كافة السبل التي تتيح منع هذه التجارة، أو جعلها بطريقة قانونية، يؤكد قليهط إن ذلك يحتاج إلى وقت حتى يتاح تنظيمها بشكل نهائي.

ويعتقد العديد من اليمنيين أن الخسائر التي تتكبدها خزينة الدولة لا تقتصر على تجنب دفع الضرائب والجمارك، وإنما تهريب السلع التي يتم شرائها بالعملة الصعبة، ويعاد بيعها لدولة أخرى بالعملة اليمنية.
ويرون أن تحسين بنية القوانين التي تنظيم هذه التجارة، يجب أن تبدأ العمل الآن كي لتجنيد اقتصاد البلاد أي خسائر مالية سنوية.
في المقابل هناك من يرى أن هذا النشاط التجاري تشكل بفعل عوامل الجغرافيا المشتركة التي أسست سوقًا حرة بين ضفتي البحر الأحمر يصعب تقنينها أو إدارتها وفق منظومة لوائح التعرفة الجمركية.

اليمن وجيبوتي
ويربط سكان ضفتي البحر الأحمر علاقات زواج وقرابة عائلية توطدت خلال عقود من التبادل التجاري والرحلات البينية بحرًا حيث كانت جيبوتي تمثل مزارًا سياحيًا يقصده سكان الشريط الساحلي الغربي لليمن من باب المندب في تعز وحتى الحديدة.
وإلى جانب هذه العلاقة التي خلقها النشاط التجاري المفتوح عبر ضفتي البحر استوطن كثير من اليمنيين جيبوتي ليتحول الكثير منهم إلى تجار وأصحاب رؤوس أموال وعمال في كل المهن المطلوبة في سوق العمل.

وتشير دراسات متخصصة أن اللاجئين الذين غادروا اليمن إلى جيبوتي مؤخرًا مع بداية حرب الانقلاب الحوثي قبل 7 أعوام اندمجوا في شبكات التجارة التي شكلها تجار يمنيون كانوا قد وصلوا قبل ذلك أو من يمنيين حاصلين على الجنسية الجيبوتية لوجودهم منذ عدة أجيال.
وتشير مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين أنّ أكثر من 36 % من اللاجئين الوافدين عام 2016 إلى جيبوتي هم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و25 عامًا وأنّ أسباب الهجرة مختلفة وتشمل الهرب من الحرب والفرص الاقتصادية (المتاحة) في جيبوتي التي تشهد قدوم مؤسسات صينية وظهور موانئ جديدة.
وحسب المفوضية يعتمد اللاجئون على جالية يمنية متجذرة، ويندمج هؤلاء “اللاجئون” المدنيون ضمن مسالك اقتصادية تقوم بتزويد دول الخليج والصين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى