عمر الجاوي.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

> ربما يكون الموت أو الشهادة لواحد مثل عمر الجاوي تجتمع فيه خصال الجمع والكثرة والخصب والوفرة والنماء، أمرا بحاجة لإضافات شتى، فالرجل عاش شهيدا حيا غير مرة، وعلى مدى سبعين يوما من الجمر والرصاص والقذائف في حصار صنعاء في شتاء 1967م حتى فبراير من العام التالي، كان في مرمى سهام الملكيين وعلى قرب شديد من خناجر غدر الجمهوريين من الجناح الذي أرادها جمهورية بإمام قحطاني أو ملكية بيافطة جمهورية.

ولم تكن الشياطين حبيسة تفاصيل الحصار السبعيني، فقد فضح الاسرار كتاب الجاوي: (حصار صنعاء) الذي قال عنه البردوني في جلسة خاصة بموسكو أنه (ريبورتاج يومي لوقائع الحصار بلغة ضاهى الجاوي بها محمد حسنين هيكل من حيث الصياغة النثرية و الجمل القصيرة).
كان التمسك بالأحلام المبعثرة حتى الرمق الأخير سمة المدافعين عن صنعاء من بسطاء الناس، أما ما راوغ من أجله الصف العسكري - القبلي المتحكم هو جعل الجمهورية (في منزلة بين المنزلتين) بحيث لا تتوه خطى العودة إلى بيت الطاعة المجاور.
عمر الجاوي
عمر الجاوي

لم يكن عمر الجاوي حبيسا في محارة أيديولوجية بعينها، فهو وإن كان في صفوف (حدتو) المصري وقريبا من باذيب وحزبه وبعد ذلك في حزب العمل فهو يترك معطيات الأيديولوجيا الأساسية ويخلق رؤيته الخاصة انطلاقا من الوطنية الصرفة أس أساسياته في المثابرة والعمل شمالا وجنوبا بعيدا عن عقائدية تجعل (الوطن) ثانيا و(الأيديولوجيا) أولا، فشكل بذلك فرقا بحالته الفردية أو من خلال الكيانات التي كان منضويا فيها، وحتى في كيان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي تأسس بجهد خارق منه مطلع سبعينيات القرن الماضي، وكان مصدر حرج وإزعاج للسلطات في صنعاء وعدن بالثابت لديه وطنيا والذي لا يتغير معنى أو مبنى ولا يقبل التعديل حتى لمجرد المراوغة أو التقية كما يفعل آخرون.

لم يطمئن عمر لطوايا صدور أشخاص تصدروا مشهد الوحدة اليمنية وأرادوها عودة للفرع إلى الأصل امتثالا لفكرة ضم التهائم الجنوبية إلى المرتفعات الشمالية بحسب العقيدة الأمامية الزيدية.
ولذلك كانت نضالات الجاوي بعد الوحدة تتم في نسق ترابطي بين الوحدة و الديمقراطية بل كانت الديمقراطية الحصان الذي يجر عربة الوحدة، فالوحدة ليست هدفا (مكيافيلليا) يبرر الوسيلة، بل هي (الوحدة) وسيلة أمثل لعمل وطني أشمل بمقاييس الديمقراطية والحرية والمساواة في الحقوق و المواطنة.

و على هذا طاردته رصاصات إرهاب الدولة إلى بوابة (دار الأيام) ظهر يوم قاتم من سبتمبر 1991م فغدا الشهيد الحي -مرة أخرى- والمهندس حسن الحريبي شهيدا أول للديمقراطية.
كنت أشهد الحزن في وجوه من أقابلهم عصر اليوم الحزين 23/ 12/ 1997م وجلهم من أناس عاديين من قاع المجتمع في تعز ومن خارج طبقة السياسيين والمثقفين، وعندما حملتني سحابة من دموع إلى الوهط كان الجاوي قد أوى في لحده بعد حياة صاخبة لم يكن فيها يوما مهادنا أو مداهنا أو مستسلما لطاغ أو سلطان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى