ديسمبر.. جردٌ أخير

> شيماء باسيد

> في ديسمبر أتملصُ من الحياة على نحوٍ لا أفهمه. لقد عشتها كثيرا وعميقا كما ينبغي، حتى أني أرغب أن أكرر الخطأ ذاته أكثر من مرة أيضًا، بأن أعيشها مجددًا بذات الجنون، كأن تأتيني مثلا كل الأشياء المبهجة طواعيةً، ثم أفكر في وداعها قبل ارتطامي الأخير بسرابها الخادع! لم يكن مطبا صغيرا كل ما مضى خلال عام، تتعثر به ثم تنهض مجددًا بل كانت لحظات فارقة كثيرة ثقيلة هرست روحي ونثرتها في الأكف البعيدة.

لقد تغيرت، تغيرت كثيرًا، حتى أنني في أوقاتٍ كثيرة لا أعرفني، أواصل اكتشاف المزيد مني كل يوم، أقع في غرام نفسي فأصالحها وأعلّمها الكثير من اللامبالاة حول كثير مما يدور حولها.
أتملص من هذه الحياة المتعبة التي تمضي حولي مكتشفة حياة جديدة بداخلي لم أكن أعرف عنها شيئا.

لا نار سأرقص حولها أتلوى من هول الفجيعة، لا نار ستتقد في الروح لتحرق ضحكتي الثابتة. لا ندم على شيء.
لا ندم مطلقا. فماذا تريد يا ديسمبر؟، دمي الذي لا يُرى أم وساوسي التي ضلّت مؤخرا فتفجرت براكين مزروعة في صدري البارد.

لماذا تتقهقر دون استئذان، لمَ لا تخبرني بموعدٍ ما فنتشارك معا كل الخذلان!
ديسمبر، ماذا صنع بك أخوتك 11؟ هل – كالعادة - خذلوك؟ كيف رموك بكل هذه الخيبات، ها أنت تشبهني في جردك الأخير في اكتظاظك بكل هذه الخيالات، الخوف، الأمكنةٌ التي تزدحم بزوابع الفراغ وأجسادٌ تُرمى بعبثية في لعبةِ النردِ الخاسرة.

سؤالٌ عابثٌ في هذا الجرد الأخير: ما الحياة، ما الحياة؟ مجرد زنزانة قسرية لطيفة، مبهجةٌ ألوان جدرانها لتقليص حجم استيائك من تقاسمها مع نزلاء يشبهونك، لكنهم ليسوا بلطفك.
ما رأيك لو نتشاركها معًا؟ سأعلّمك بعضًا من حرفتي فيها، كأن تتحسس الذكريات بيديك بدلًا من تخيلها، أن تجيد بمهارةٍ عشق امرأة تبعًا لمزاجيةِ اللحظة، أن تخصص لها وقتك أكثر من مجرد صديق فتمنحك فوضى الحياة.

ما رأيك أن تختنق بها حد الموت وتربيك هي في داخلها ببطءٍ وأناقة؟ فكّر لو تؤثثها في قلبك وتسكنها وحدك في محاولة للانتصار على الذاكرة أو محاولة استرجاع ما يمكن أن يكون.
هل تشعر مثلي بتلك الحفر القديمة في جدران قلبك، حين جربت لأول مرة كيف تبدو عضات الذئاب؟ ألم تفكر أيضا أنه لو حالفنا الحظ رغمًا عنه، أن نصبح معًا هنا هنا، والآن حيث لن تعضك الوحدة بعد اليوم.

لماذا يمضي بنا النسيان بشكلٍ موجعٍ حين نقرر أن نكون نحن من ينسى لا من يُنسى، لماذا يُخفق البحر في جذبِ نوارسه بينما تجيد اليابسة دوما جذب الغرباء !! هل نحترم المسافة التي بيننا بأن نمنح هذا الفراغ الموحش مقعدا يستندُ إليه.
ديسمبر الماكر سأغدو فيك (شجرة) لكن لن يُعلق أحد عليّ أيّ أمنيات تُذكر ورغم ذلك سأودعك بحبٍ كما استقبلتك بكل حسن ظنٍ ساذج، سأحتضنك كعصفورٍ شارد يا آخر وأبشع وأجمل شهور العام، أُحدّق فيك طويلا كظلامٍ يسكنني ولا أمتلكه، يوقدني شمعة تُحرقني وتنطفئ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى