"يذهبون للحرب ولا يعودون".. يمنيون مكلومون على أبنائهم

> جمال الناصر

> بارتباك شديد يحاول إخفاء دموعه التي تسابق لسانه في الحديث، لتختصر كثيرًا مما يمكنه التحدث به.
وبتنهيدة يجرها بألم يعصر فؤاده، يقول:"في مقتبل العمر، رحل عني وتركني وحيدًا"، هذا ما جاد به صادق قاسم - اسم مستعار - في حديثه عن ولده عبدالرحمن الذي قتل في معركة البلق الشرقي بمحافظة مأرب، وهو ضمن مجاميع الحوثيين.

صادق قاسم، مواطن يسير في عقده الخامس من العمر، نموذج لمئات الآباء والأمهات الذين سلب الحوثي أبناءهم منهم، وغرر بهم في لحظة طيش ونشوة شبابية، أو استغلالًا لحالة مادية صعبة وفقر وعوز نتيجة الحرب المدمرة التي تشهدها اليمن منذ ما يقارب 7 سنوات.
ويضيف صادق الذي يعمل في إحدى المصالح الحكومية بالعاصمة صنعاء: كان عبدالرحمن الابن الأكبر لي، وفرحتي الأولى بالدنيا، هو وأخواته الأربع وأخوه الأصغر سليم البالغ من العمر 8 أعوام، وكان يعلم كم أحبه وكم تعبت من أجل أن أعلمه وأخواته وأخاه.

ويتابع: لم يكن أبدًا من أصحاب الميولات العنيفة، كنا جميعًا سعداء بنجاحه بترتيب مميز في عامه الجامعي الأول، ولكن مع بداية دراسته بالمستوى الثاني جامعة، التم على شباب مهمتهم ربما الاستقطاب لصالح الحوثي.
فكنا نلحظ عليه أنه كثير السرحان، والانطواء، لنتفاجأ بأنه ذهب في دورة ثقافية في شهر ربيع الأول لمدة شهر، وعاد.

صادق قاسم، أب مكلوم، ورجل أثقلت كاهله مستلزمات الحياة، خصوصًا في ظل انقطاع صرف الرواتب، وغلاء الأسعار، الأمر الذي جعله يتأخر في تسديد إيجار مسكنه، ودخوله في مشاكل مع مالك العقار، ولعل هذا ما دفع ابنه عبدالرحمن للالتحاق بجماعة الحوثي، بعد أن سلموا له سلة غذائية شهرية، ووعدوه بمرتب شهري قدره 70 ألف ريال، أي ما يعادل 116 دولارًا في صنعاء (الدولار= 600 ريال يمني)، مقابل أن يعمل معهم ثقافيًا”، كونه يمتلك لباقة في الحديث، حد وصف والده.

مشيرًا إلى أنه نصح ولده عبدالرحمن، وقال يعلم الله إنني نصحته، ومنعته، وطلبت منه أن يهتم بدراسته فقط، وأنني سوف أتدبر أمور البيت ومصاريفه، وسوف أبيع قطعة أرض أمتلكها في منطقة الحثيلي، وأشتري منزلًا متواضعًا، وأزوجه مع نهاية دراسته للمستوى الثاني جامعة.
وهنا نزلت دموع الأب المفجوع في ولده، وبصوت تغالبه نبرة البكاء وكمد الحزن تابع قائلًا: “الله يرحمك يا عبدالرحمن، كسرتني، وأنت سندي، وقتلت الفرحة في، ورغبتي بالحياة”.

ووفقًا لرواية والده، فقد غادر عبدالرحمن في يوم الأحد 28 نوفمبر، صنعاء، متجهًا إلى مأرب، دون علم والده، كونه أخبره بأنه ذاهب إلى محافظة إب في رحلة مع مجموعة من أصدقائه.

ظل عبدالرحمن يتصل بوالده طيلة ذلك اليوم، حتى يطمئنه ويشعره بأنه يقضي وقتًا ممتعًا مع رفاقه، إلا أنه ومنذ يوم الاثنين انقطع الاتصال بينهما، وكلما كان يتواصل به والده يجد رقمه مغلقًا، ليخبره مشرف الحي بعدها بعدة أيام، أن ولده انطلق مع مقاتلي الحوثي إلى مأرب التي تشهد معارك هي الأعنف بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران والحكومة المعترف بها المدعومة من التحالف العربي.

ويضيف: أدركت حينها أن عبدالرحمن ذهب إلى مصير مجهول، إلا أنني كنت أدعو الله أن يعيده إليّ وإلى والدته وأخواته سالمًا، قبل أن نفجع باتصال في يوم الأربعاء 15 ديسمبر 2021، من مشرف الحي والعاقل، أن ولدي استشهد، وجثته موجودة في مستشفى الكويت، وأن موعد دفنه تقرر يوم الخميس، وما علي سوى اصطحاب والدته وأخواته وأخيه إلى المستشفى لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، كونه أصيب بعدة شظايا نتيجة قذيفة مدفعية.

رحل عبدالرحمن، ومثله المئات من الشباب الذين يزج بهم إلى محارق الموت كوقود لمعركة عبثية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
نجحت جماعة الحوثي في تجنيدهم وحشدهم لحرب مدمرة لا أفق لها، ولا جديد يمكن لليمني أن يلمسه سوى الحزن والحسرات.
وتشير الإحصائيات الصادرة من مأرب، إلى أن أكثر من 22 ألف قتيل خسرتهم جماعة الحوثي خلال الشهور الخمسة الأخيرة، بينما اعترفت الجماعة بمقتل 14.700 من مقاتليها خلال المعارك الدائرة في محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز، والمعقل الأخير للحكومة اليمنية.

"المشاهد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى