رسائل تهديد الحوثيين بحجم مخاوف الهزيمة الميدانية

> زكريا الكمالي

> ​لا تعكس رسائل التهديد الصريحة والمتكررة التي توجهها جماعة الحوثيين لدولة الإمارات باستهداف منشآت اقتصادية عملاقة، استعراض فائض قوة كما جرت العادة، بقدر ما تكشف حجم المخاوف الحقيقية التي تحيط بحلفاء إيران في اليمن، من انتكاسة عسكرية مدوية لم تحدث منذ 3 سنوات.
وخلال العامين الماضيين، هيمن الحوثيون على المشهد العسكري بشكل تام. ففي مقابل هجوم واسع انتهى بتطويق محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز من 3 اتجاهات، زادت أطماع الجماعة باجتياح كافة مدن الجنوب بعد التوغل السلس في 3 مديريات غربية بمحافظة شبوة (بيحان وعسيلان وعين)، مطلع سبتمبر الماضي.
شعر حلفاء إيران بالزهو أكثر من أي وقت مضى، وخلافاً لرفض كافة مبادرات الحل الأممية والسعودية والأميركية، امتنعت جماعة الحوثيين عن استقبال المبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرغ منذ تعيينه قبل خمسة أشهر، لإدراكها أن مدينة مأرب وثرواتها باتت في متناول اليد.

تغيّر ميزان القوى بين الحوثيين والتحالف
مطلع العام الحالي، بدأ ميزان القوى العسكرية بين الحوثيين والتحالف يتغيّر بشكل لافت. وجد الحوثيون أنفسهم في كماشة عسكرية مُحكمة أعدها التحالف الذي تقوده السعودية.
وخلال أقل من شهر، فقدت الجماعة العديد من الأوراق الهامة التي كانت تمنحها ميزة تفوّق عسكري وسياسي، بعد دحرها من المديريات الثلاث في محافظة شبوة النفطية، فضلاً عن تشديد الخناق عليها في محافظتي مأرب والبيضاء.

بدت المكاسب الصعبة والمكلفة التي حققتها جماعة الحوثيين أواخر العام الماضي في الخاصرة الجنوبية لمحافظة مأرب، مهددة بالتلاشي دفعة واحدة بعد خسارة حريب، المدينة الاستراتيجية التي تمنح المسيطر عليها أفضلية عسكرية لإسقاط معظم مديريات مأرب الجنوبية.
يُضاف إلى ذلك تضييق الخناق على الجماعة بإطلاق عمليات عسكرية في تعز وبلدات الساحل الغربي.

الحوثيون يلومون الإمارات
ألقى الحوثيون باللائمة في الانتكاسة الجديدة على دولة الإمارات التي حرّكت ألوية العمالقة السلفية من الساحل إلى شبوة. وللمرة الأولى منذ سنوات، كانت وسائل إعلام الجماعة تحمّل أبوظبي مسؤولية التصعيد وتحذّر من عواقب ذلك.
وبما أن منطق القوة العسكرية هو رأسمالها الوحيد أمام أنصارها وخصومها على السواء، لم يكن أمام جماعة الحوثيين سوى التصعيد عسكرياً، باستهداف الإمارات بطائرات مسيّرة وصواريخ بالستية، ولو كان ذلك على حساب التخلي عن الحضور الدبلوماسي أو إعادتها إلى خانة المنظمات والجماعات الإرهابية.

وبعد تنفيذ عمليتين هجوميتين في العمق الإماراتي خلال أسبوع واحد، تواصل جماعة الحوثيين مساومة الإمارات، بالتلويح المستمر باستهداف منشآتها العملاقة وتهديد استقرارها الاقتصادي الذي يعد ركيزة أساسية في البلاد.
وبما أن الهجمات السابقة لم تنجح في ثني الإمارات وتجبرها على رفع يدها عن العملية العسكرية التي وصلت إلى جنوب مأرب، شعر الحوثيون بنوع من الاستفزاز. وللمرة الأولى، كان عدد من قيادات الصف الأول العسكرية والسياسية بالجماعة، يطلقون رسائل تهديد صريحة.

وبالتزامن مع تلويح المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، باستهداف معرض إكسبو الدولي في دبي، وتهديد قيادات أخرى باستهداف برج خليفة، كان المتحدث الرسمي للحوثيين وكبير مفاوضي الجماعة، محمد عبد السلام، يساوم كافة دول التحالف على معادلة "لا أمن ولا استقرار إلا للجميع".
ويحاول الحوثيون تصوير عملياتهم في العمق الإماراتي، والتي قُوبلت باستهجان دولي واسع، بأنها دفاع عن النفس.

والثلاثاء، أعاد المتحدث الرسمي للجماعة، الاستشهاد بالآية القرآنية التي دائماً ما يرددها مع كل موجة تصعيد "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، قبل أن يعود الأربعاء، ليهدد بأنه "لن يتحقَّق للإمارات أي أمن إذا استمر عدوانها على اليمن".

وكتب عبد السلام على "تويتر": "تعاني دويلات العدوان على اليمن من أزمة أمن ذاتي، كما هو حال الإمارات، فلا تستطيع الوقوف على قدميها إلا بعكازات أميركية، وتجهد في تسوّل الدعم الأميركي، وهي في غنىً عن ذلك بأن تخرج من المستنقع اليمني فعلياً، وإلا فلن يجديها أي دعم، ولن يتحقق لها أي أمن إذا استمر عدوانها على اليمن".

لم تكتف جماعة الحوثيين بذلك. إذ ظهر نائب رئيس الأركان في صنعاء، علي الموشكي، لتأكيد جدّية التهديدات، وذلك بالقول إنهم يمتلكون أسلحة دقيقة وطائرات مسيّرة بمقدورها الوصول إلى أي نقطة يريدونها داخل أي دولة معتدية أو مساندة للتحالف.

مراهنة الحوثيين على الصواريخ البالستية والمسيّرات
وتراهن الجماعة في تهديداتها هذه، على صواريخ بالستية مجنحة من طراز "قدس 2" و"ذو الفقار"، والتي تم استخدامها في الهجمات الأخيرة على الإمارات، فضلاً عن طائرات مسيّرة من طراز "صماد 3 " بعيدة المدى.
وحسب تقارير دولية، فإن هذا النوع من الصواريخ الجوالة، التي تشبه النسخة الإيرانية من الصاروخ المسمى "يا علي"، يبلغ مداها أكثر من 1500 كيلومتر، وتكمن خطورتها في أنه بالإمكان إطلاقها من البر والبحر.

ويبدو أن تكثيف التحالف غاراته الجوية على مدينة الحديدة المشمولة باتفاق استوكهولم خلال الفترة الماضية، يهدف إلى درء مخاطر حقيقية.
وحسب الإعلام العسكري للحوثيين، فإن صواريخ "قدس 2"، رادارية التوجيه والتحكم، ومزودة بجهاز استشعار تصويري يعمل بالأشعة تحت الحمراء ونظام توجيه ملاحي.

كما تطير هذه الصواريخ بسرعة عالية جداً وعلى ارتفاع منخفض، وهو ما يفسّر فشل منظومات الدفاع الجوي باعتراضها في مناسبات مختلفة.
وقال تقرير سابق للحوثيين، إن هذه الميزات، تجعل من عملية اعتراض هذه الصواريخ غير ممكنة، نظراً لكونها غير مرئية لأجهزة الرادار والمضادات الجوية والطائرات الاعتراضية المعادية.
وأكد المتحدث الرسمي للجماعة، محمد عبد السلام، الإثنين الماضي، هذه الرواية، وقال إن الصواريخ البالستية التي تم استخدامها في الهجوم الثاني "لا يمكن اعتراضها بالباتريوت، وإلا لماذا انتظروا وصولها إلى فوق رؤوسهم في أبوظبي"، وفقاً لتصريحات نقلتها قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين.

موقف الإمارات وخياراتها ضد الحوثيين
وتسعى جماعة الحوثيين من خلف تصعيدها وتلويحها الدائم بالانتقام، إلى كسر زخم المعركة التي تواجهها في مأرب.
ووفقاً لخبراء، فإن تدخل الإمارات مجدداً، أعاد عكس المبادرة العسكرية التي كانت لصالح الحوثيين منذ فترة طويلة، وقوّض بشكل هائل فرص حصولهم على "الجائزة الكبرى" المتمثلة بمدينة مأرب.

وفي السياق، رأى المدير التنفيذي لـ"مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية"، ماجد المذحجي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الدور الإماراتي النوعي أثار مخاوف الحوثيين وجعلهم يرفعون الكلفة والمغامرة، ليس بدفع حرب اليمن نحو مرحلة جديدة فحسب، ولكن بدفع الاستقرار الإقليمي بشكل كامل إلى حافة هاشة وخطيرة".


وفي ما يخص السيناريوهات المستقبلية للإمارات، قال المذحجي إن الأخيرة "تقع تحت ضغط كبير. فمن ناحية، هي لا تريد المجازفة باستقرارها الاقتصادي الناجح كبيئة آمنة ومستقرة وجذابة، لكن من ناحية ثانية، الطموحات السياسية والعسكرية لها كبيرة، وأي تراجع دراماتيكي أو انسحاب بسبب التهديدات الحوثية، سيشوّه صورتها".

وأضاف "هناك منطقة ملتبسة حول الخيارات الإماراتية، لكن لا أعتقد أن أبوظبي ستتراجع عن المعركة، فهي تريد الدفاع عن رأس مال حضورها في حرب اليمن، وأيضاً تأديب الحوثيين لجرأتهم عليها، باعتبار الهجمات حدث استثنائي لا يجب أن يتكرر".

الإمارات تتسلح بدعم أميركا
وخلافاً لترسانتها الدفاعية التي تؤهلها للاستعداد جيداً لأي هجمات حوثية مرتقبة، تتسلح الإمارات بدعم أميركي قوي، خصوصاً أن الهجمات الأخيرة الفاشلة للحوثيين، الإثنين الماضي، كانت تستهدف قاعدة الظفرة في أبوظبي التي تحتضن قوات أميركية، فضلاً عن آلاف الرعايا.
وتشدد تحليلات أميركية على ضرورة أن يُدرك الحوثيون أنهم سيدفعون ثمن هجماتهم الأخيرة في العمق الإماراتي، وتشير إلى أن الولايات المتحدة، تتحضر لتقديم قرار إلى مجلس الأمن يدين الحوثيين، خصوصاً أن الصينيين أو الروس لن يحجبوا مثل هذا القرار، نظراً للروابط التي تجمعهم بالإماراتيين.

وفي السياق، أعلنت الخارجية الأميركية، مساء الثلاثاء، أنها ستعمل مع حلفائها على "تعزيز مساءلة قادة الحوثيين مدبّري الهجمات الإرهابية الأخيرة التي كان يمكن أن توقع قتلى بين القوات الأميركية في قاعدة الظفرة".
ويبدو أن الإمارات ستستثمر الهجمات الحوثية، داخل واشنطن، بعد تعقيدات شهدتها العلاقات خلال عهد الرئيس جو بايدن. وسيكون هذا الاستثمار من خلال الحصول على وسائل إضافية لتحديث الدفاعات الجوية والصاروخية وهي الأمور التي لم تتم الاستجابة لها من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، فضلاً عن الحصول على معلومات استخباراتية للإنذار المبكر بشأن عمليات إطلاق الصواريخ.

ويدرك المجتمع الدولي أن التساهل مع التهديدات الحوثية باستهداف العمق الإماراتي، سيدفع المليشيات إلى التمادي بشكل أكبر، حتى لو انسحبت أبوظبي من المعركة، وذلك بشن هجمات أعنف في العمق السعودي، أو تهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وفي سياق متصل، قالت السفيرة الإماراتية لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، في مقابلة مع قناة "سي أن أن" الثلاثاء، إن بلادها قد تطور قدراتها الدفاعية بعد الهجومين الحوثيين عليها أخيراً.

ولفتت إلى أن الاستخبارات الإماراتية أوضحت أن الهجومين انطلقا من اليمن وأن ثمة حاجة لوقف تدفقات الأسلحة والأموال غير المشروعة إلى الحوثيين.
وتابعت نسيبة "قدرتنا على اعتراض هذه الهجمات من الطراز العالمي. ومن الممكن دائماً أن تتم عمليات التطوير والتحسين والتعاون الإضافي في الاستخبارات، وأعتقد أن هذه هي المجالات التي ندرسها مع شركائنا" الأميركيين.

وأوضحت أن الإمارات التي حثت واشنطن على إعادة التوصيف الإرهابي لجماعة الحوثيين، تناقش أيضاً مع شركائها زيادة الضغط على الحوثيين لتنشيط جهود السلام المتعثرة التي تقودها الأمم المتحدة.
وتابعت "هذا يعني إدراجهم من جديد في قوائم العقوبات... وربما إدراج شخصيات إضافية، كما يعني توقف التدفق غير المشروع للسلاح والتمويل إليهم".
واعتبرت نسيبة أن "الحوثيين لن ينجحوا في النيل من مكانة الإمارات كملاذ آمن". وأضافت أن الإمارات "ستواصل مساعيها الدبلوماسية الرامية إلى التهدئة، وفي الوقت نفسه تحتفظ بالحق في الدفاع عن نفسها؛ دفاعياً وهجومياً".

العربي الجديد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى