​البراءة للفساد والموت للضحايا

>
الكثير من المواطنين في المحافظات الجنوبية وقفوا بضع سنوات وإلى الآن وهم يصرخون بأعلى أصواتهم في المقايل والاجتماعات واللقاءات بأن الفساد في المحليات للركب، فتفاءل الناس خيرا ليس لفحوى بياناتهم وإعلاناتهم، فالكل يعلم ذلك وأكثر منه.. وإنما مبعث التفاؤل أن البعض من المسؤولين في الحكومة اعترفوا بذلك، وبديهي أن هؤلاء النواب وغيرهم من الناس الشرفاء أخيرا اعترفوا بذلك.

فسر البعض الإعلان بأنه إشارة إلى جملة ضخمة قادمة لاقتلاع الفساد من جذوره، لكن مرت الأيام والشهور والسنون ولم يحدث شيء، وامتد الفساد ليتجاور حدود المحليات ويطال جميع المؤسسات الحكومية في بلادنا.

لا أبالغ إذا قلت إن الفساد لم يعد للركب فقط وإنما أصبح طبيعيًا أن تجد موظفًا في جهة خدمية لا يتورع عن طلب مبلغ معين دون أي حياء لأنها الخدمة التي يفترض أنه مكلف بحكم وظيفته بأدائها، وباتت الرشوة والمحسوبية من أبجديات التعامل مع الجهات الحكومية، ولم يقتصر الأمر على هذا الفساد الأصغر لصغار الموظفين إن جاز التعبير على ثروات طائلة بطرق غير مشروعة دون وضع أي حساب للحلال والحرام، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وجد بعض كبار المفسدين المحتكرين الطريق ممهدًا أمامهم إلى مواطن صنع القرار دون أن يجرؤ أحد على الوقوف في وجوههم، فعدلوا بعض الأوامر واللوائح المنظمة كما يحلو لهم، وصاغوا القرارات المخالفة التي تخدم مصالحهم وأهدافهم، وأصبح هناك لوبي مناطقي في المجموعة الحاكمة واللجان الأخرى.

ما أبشع الجرائم في حق الشعب سواءً باحتكار سلعة معينة وفرض بعبارات ركاب لا تصلح للإيجار أو نقل دجاج مجمدة فاسدة وأكياس الدقيق.. إلخ.
ورغم ذلك يظلون طليقي الأيدي وإذا حدث وتم تقديمهم للعدالة يحصلون على البراءة وسط دهشة الآلاف.

إن المفسد في بلادنا أصبح يشار له بالبنان.. حتى أن العامة باتوا يعتبرون خراب الذمة إحدى المؤهلات اللازمة لتولي المناصب القيادية في الدولة والانتقال من طبقة الكادحين إلى طبقة أصحاب الملايين، ولهؤلاء عذرهم فهم يرون بأم أعينهم شخصيات لا يختلف اثنان على فسادهم ماليًا أو أخلاقيًا، فإذا بهم يتبوؤون أعلى المناصب أو يستمر من يشغل منهم منصبا كبيرا في موقعه سنوات طويلة.

وإذا فاحت رائحة الفساد من بعضهم فلا يكون هناك عقاب، فيترك يستمتع بما غنم من دماء الشعب حتى لو كان متهما باستيراد قمح أو مواد غذائية فاسدة انتهت صلاحيتها وتسببت بتسمم مئات من المواطنين.
إنني هنا لا أتحدث عن ظاهرة عجيبة أو غريبة، وإنما أنقل بعض ما يتحاكاه الناس في جلساتهم في مقاهي الشاي أو مبارز القات وفي الأماكن العامة.

أصبح هناك إجماع شعبي على أن الفساد في بلادنا تجاوز كل الحدود وأنه السبب الأساسي فيما يعانيه الناس من فقر وهم وغم، وأن السكوت عليه يمثل علامة استفهام كبيرة، فالأجهزة الرقابية في بلادنا لا تعد ولا تحصى من كثرتها والقوانين الرادعة متنوعة، إذن لماذا استفحل الفساد
إلى هذا الحد؟ ومتى تتحرك هذه الأجهزة والشرطة التي تدعي أنها خدمة للشعب لردع الفاسدين أو إعادة النقاء إلى جسد البلاد التي تصرخ من جرم بعض بنيها الذين يزدادون شراسة يوما بعد يوم؟

إنني هنا لا أكشف أمرا خفيا فإنما الكثير من المواطنين يتحدثون عن هذا الفساد، وإنما أضع علامات استفهام عديدة أمام التزام الصمت إزاء ما يفعله المفسدون في بلادنا، وخاصة أن الفساد لا يضر صاحبه فقط وإنما ينسف البناء القيمي والأخلاقي للمجتمع كله، وهو أمر خطير لا يصلح التعامل معه وبالصمت أو التهاون، وعلى بلادنا السلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى