​حكم الإعدام خارج ضوابط الشرع والقانون

>
 أولًا: تمهيد:

غالبا ما يستخدم الإعدام غير الرسمي من أجل معاقبة المخالفين ظاهريا، أو من أجل إخافة جماعة ما، أو عن طريق قيام أحد أولياء الدم بتنفيذ الإعدام على الجاني دون محاكمة، كما حصل سابقا في منطقة المفلحي بيافع، وحاليا بمنطقة لودر م/ أبين

* ثانيًا: المفهوم:
يعرف الإعدام خارج القانون بأنه: "إزهاق نفس دون محاكمة قانونية، سواء عن طريق الفرد، أو قيام مجموعة ما بالقتل العمدي خارج إطار القانون".

* ثالثًا: موقف الشريعة الإسلامية
تتفق أحكام الشريعة الإسلامية مع بقية الشرائع السماوية، بأن إقامة القصاص يكون من اختصاص الإمام أو نائبه، ولا يجوز لغيره من الأفراد تطبيقها؛ إلا إذا وكله الإمام، ولا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص، عملا بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ). ولأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص.. فقد ذكر أهل العلم أنه لا يجوز لولي الدم أن يقتل الجاني، وإنما يشرع ذلك للسلطة، وأن تجاوز ولي الدم وقتل القاتل، فأنه يعزر على فعله ذلك بما يختاره القاضي من عقوبة تعزيرية مناسبة، لذلك يجب التريث والتصبر وعدم العجلة حتى ينظر في أسباب القتل، وحتى يجتمع الورثة على طلب القصاص أو العفو؛ لأنه قد يكون هناك أسباب تمنع من القصاص، فالواجب على من وقع عليه مثل هذا الأمر، ألا يعجل وأن يرفع الأمر إلى ولاة الأمور، حتى ينظر في القصاص على الوجه الشرعي.

* رابعًا: موقف التشريعات الوضعية
يتجلى الموقف القانوني من هذه الجريمة، من خلال بيان موقف القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، حيث تضمنت مبادئ التقصي لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والإعدام التعسفي، والإعدام دون محاكمة، والتي نظمها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 44 -163 في 15 يناير -1989، حيث يحظر جميع عمليات الإعدام أعلاه.. وطلب من الدول اعتبارها جرائم بموجب قوانينها الجنائية، والمعاقبة عليها بعقوبات رادعة تراعي درجة خطورتها، حيث لا يجوز في مثل هذه الحالات التذرع بالحالات الاستثنائية، بما في ذلك حالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي، أو أي حالة طوارئ عامة أخرى؛ لتبرير عمليات الإعدام، حتى في حالة وجود نزاعات مسلحة، وحالات استخدام القوة بصورة مفرطة أو مخالفة القانون.. وأشارت الاتفاقيات الدولية، بوجوب أن ينتفع جميع المتهمين الذين يواجهون عقوبة الإعدام، من خدمات محامين أكفاء في جميع مراحل الدعوى، ويجب افتراض فيهم براءة المتهمين، إلى أن تثبت إدانتهم بما لا يدع أي مجال للشك، وذلك في إطار التطبيق الصارم لأعلى المعايير الخاصة بجمع وتقييم الأدلة…

* خامسًا: رأينا في الموضوع
نقول وبالله التوفيق: "من ابتلي من المسلمين بالعيش في بلد لا يطبق أحكام الشريعة والقانون، أو تعذر تطبيقها لظروف قاهرة، ثم اعتدي عليه، لم يكن له أن يستوفي القصاص بنفسه للأسباب الآتية:

1) أن من أجاز للولي أن يستوفي القصاص بنفسه، اشترط أن يكون ذلك بحضرة السلطان أو نائبه، لأن رغبة التشفي قد تدعو للحيف والجور.. ولهذا قرر كثير من الفقهاء، أن من استوفى القصاص بنفسه دون رجوع إلى الحاكم، فللحاكم أن يعزره لافتياته عليه وتعديه.

2) أن تنفيذ القصاص عن طريق السلطان أو نائبه، يحقق مقصود القصاص الذي هو حفظ النفوس، بخلاف ما لو جرى استيفاء القصاص بعيدًا عن سلطة القضاء، فإنه يدعو غالبًا إلى استمرار القتل، وطلب الثأر.

3) أن إناطة هذا الأمر بالقضاء، كان لتحقق العدل وترفع الظلم، فإن القصاص لا يثبت إلا بعد تحقق القتل العمد الواقع عدوانًا، وثبوت ذلك بالإقرار أو البينة المعتمدة.. ولو ترك هذا لأولياء المقتول بعيدًا عن القضاء، لأمكن إيقاع القصاص على من لا يستحقه، كأن يكون القتل وقع خطأ، أو بشبهة، وكأن تكون البينة مما لا يعتمد على مثلها في هذا الأمر الخطير، أو أن يكون الجاني فاقدًا للوعي أو الإدراك لحظة ارتكابه للجريمة.

4) يشترط لتنفيذ القصاص اتفاق الأولياء عليه، وقد يكون فيهم الصغير الذي يجب انتظار معرفة رأيه بعد بلوغه، وقد يكون في الأولياء من لو عرضت عليه الدية عن طريق القضاء لقبل بها، وتنازل عن حقه في القصاص، وهذه الأمور تفوت كلها أو يفوت شيء منها حين يوكل الأمر إلى أولياء المقتول بعيدًا عن السلطان.

5) أن القتل خارج الشرع والقانون يجعل ولي الدم يتمادى في عملية قتل القاتل بأن يهينه أو يضربه أو يعذبه قبل القتل أو ينكل بجثته بعد القتل بالرفس أو السحل ونحو ذلك وكل ذلك فيه مخالفة صريحة لقوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْل). ولهذا ينبغي النصح لأولياء المقتول بالصبر والاحتساب، وعسى أن يأتي الله بفرج من عنده، فهو القادر على كل شيء سبحانه.

ولذلك وفي هذا الشأن:

نوصي المشرع اليمني بالنص صراحة على تجريم الافتئات عن ولي الأمر والسلطة بإهدار الدماء، سواء كان ذلك بالقتل قصاصا أو حدًا أو تعزيرًا أو لأي سبب كان، أسوة بما جرت عليه الأنظمة والتشريعات المستمدة من أحكام الشريعة الغراء، كالنظام الجزائي السعودي، وقانوني العقوبات السوداني والليبي، وجعلها جريمة جسيمة لا يقل فيها الحبس عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز العشر سنوات طبقا للظروف المخففة أو المشددة المصاحبة لارتكاب الجريمة.

مع الإشارة، بعدم إعفاء سلطات الدولة من مسؤولياتها، وفي مقدمتها الأجهزة التنفيذية والقضائية.

هذا والله أعلم وهو الموفق للصواب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى