التصريحات الجريئة لقادة حزب الإصلاح.. ذكاء سياسي أم ابتزاز بوجه السعودية؟

> صلاح السقلدي

> قال نائب رئيس مجلس النواب اليمني وعضو المجلس محسن باصرة إن اليمن (يقصد السُــلطة التي ينتمي لها المسمّاة بالشرعية) وحزبه التجمع اليمني للإصلاح الذي يشغل باصرة منصب رئيس فرعه في محافظة حضرموت مستعدون للذهاب إلى صنعاء لمحاورة الحوثي من أجل إحلال السلام باليمن وحقن دماء اليمنيين، بشرط امتلاك الحوثي لقراره المستقل عن إيران، فالحرب بحسب باصرة لا تسفك سوى دماء اليمنيين وقد أصبحت اليوم حربًا عبثية.

ليس الغريب في هذا التصريح أن باصرة اشترط على الحوثيين للحوار ووقف الحرب التخلي عن علاقتهم بإيران، فهذا الشرط أولى به حزب الإصلاح والشرعية التي تعترف كل يوم أنها مسلوبة القرار الوطني والسيادي، وأنها أسيرة في فنادق الرياض، وأن الرئيس هادي وبرلمانه رهائن هناك، بحسب تأكيدات وتغريدات كثير من قيادات الشرعية والمحسوبين عليها وكذا الذين انسلخوا عنها مؤخرًا، بل الغريب بهذا التصريح - الذي لا نجادل بأنه يتسم بالشجاعة، شجاعة تفتقر لها بعض القيادات الشمالية والجنوبية كقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، نقول إنه ليس الغريب أن يطلق باصرة مثل هذه التصريحات وهو قيادي كبير بهذه السلطة وبحزب الإصلاح الذي يهيمن على هذه الشرعية ويرضخان بشكل مُــذل لقرارات وتوجيهات التحالف والسعودية بالذات، بل أن يطلقها دون اكتراث بردود فعل حزبه أو خشية من التسبب بحرج للحزب أمام التحالف أو أن يغضب هذا الأخير على الحزب الذي يتلقى دعمًا هائلًا من التحالف.

قد يقولُ قائلٌ إن حزب الإصلاح يتصف بميزة وسياسة توزيع الأدوار بتعاطيه مع التحالف. وهذا القول صحيح تمامًا ولا تخطئه عين، وليس فيه أصلًا ما يعيب في مضمار السياسة، فمن المؤكد أن باصرة لم يطلق هذه التصريحات إلّا بتفاهم مع قيادات حزبه، فالإصلاح لا يكتفي فقط بالإيعاز لمناصريه من خارجه بتبني خطابا ومطالب يتحرج من طرحها على التحالف بشكل مباشر، بل أنه يسند المهمة لقيادات كبيرة في صفوفه ليكون لتصريحاتها وقعٌ كبير لدى التحالف. وفي حال أعلن التحالف عن تبرمه من هذه التصريحات ومن هكذا مواقف متفردة فأن الحزب يسارع إلى التنصل منها واعتبارها رأي فردي لا يــعبّــر عن الموقف الرسمي للحزب.

فهذه ليست المرة الأولى التي نسمع لقيادي إصلاحي وهو يغرد خارج سياق مواقف حزبه المعلنة وخارج سرب التحالف وخط الشرعية ويتجرأ بالقول إنه مستعدٌ للذهاب إلى الحوثيين لمحاوراتهم حتى في صنعاء دون تنسيق مع التحالف، فقد سمعنا تصريحات فردية مماثلة من قيادات ونشطاء إصلاحيين ليس فقط تصريحات مطلبية وابتزازية للتحالف بل تشهيرًا بهذا التحالف وتعريضًا بمواقفه، واتهامه بالتآمر على الجيش الوطني وبتدمير اليمن.

تصريح باصرة الجريء لم يقتصر فقط على القول إن حزبه وسلطته على استعداد للذهاب لحوار الحوثيين في صنعاء بل أنه وصف الحرب بالعبثية، وهو الوصف الذي بسببه أقامت السعودية الدنيا ولم تقعدها حتى اليوم بوجه وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي، وبسببه فقَــدَ الرجُــل منصبه، ودخلت بلاده في دوامة الغضب الخليجي ودائرة العقوبات الاقتصادية القاسية.

حزب الإصلاح وكعب أخيل السعودي:
هذه الفهلوة السياسية التي ينتهجها حزب الإصلاح مع التحالف جلبت له الكثير من المكاسب والمنافع السياسية والمادية، على الرغم مما يعتبرها خصوم الحزب بأنها طريقة ابتزازية وسلوك مشين بوجه التحالف وتخاذل صريح يخدم الحوثيين. لكن الحقيقة أن الحزب هو أكثر كيان سياسي باليمن يعرف عقلية التحالف ونقاط ضعفه وضحالة تفكيره... الإصلاح ببساطة يعرف من أين تؤكل الكتف الخليجية، أو كما تقول العرب يعرف أن للتحالف نقاط ضُــعف، أشبه بـــ(كعب أخيل)، يسدد الحزب رميته إليها كلما اقتضت مصلحته بذلك.

فبهذه الطريقة استطاع الإصلاح أن يحلب الضرع السعودي إلى أبعد مدى، وينتزع منه المال والسلاح والمواقف السياسية والانحياز الإعلامي، وهو أي الإصلاح لا يقّـــدم للتحالف سوى معركة عسكرية صورية، معارك التباب.

إلى المجلس الانتقالي الجنوبي:
وبالمقابل نجد أن ثمة قوى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي نهديه هذه المقالة من واقع حرصنا على إسداء له النُــصح والمشورة المتواضعة وهو يخوض غمار الانتصار للقضية الجنوبية - قد أجهدت نفسها واستنزفت طاقاتها البشرية واستهلكت جزءًا كبيرًا من مكاسبها وقضاياها السياسية لإثبات الولاء وحُــسن السلوك والطاعة للتحالف، وللسعودية بالذات، فيما النتيجة صفر من اليسار. فالسعودية والإمارات إلى حدٍ ما- لا تقيم وزنًا ولا تلتفت لأية مطالب أبدًا من شركائها منتعشون حين تضمن ولائهم وطاعتهم، فما الذي سيحمل السعودية على تلبية مطالب جهة قد أصبحت داخل جيب جلبابها وتحت عقالها، وتثبت يوم بعد يوم أنها الولد المطيع الذي لا يجرؤ مطلقًا حتى على التفكير على قولة(لا) فضلًا عن إطلاق تصريحات متمردة.

فمع أن الانتقالي هو وحده دون غيره من القوى الأخرى مَـــن يمتلك الحق بجدارة في أن يُملي شروطه على التحالف ويطلق بوجهه ليس فقط التصريحات النارية؛ بل الشروط والإملاءات وحتى الابتزاز، فالمجلس الانتقالي ومعه عدالة ومشروعية القضية والبندقية الجنوبية والتضحيات الجسام التي قدمها ويقدمها منذ سبع سنوات وهو مَـــن حفظ ماء وجه التحالف أمام الحوثيين وأنقذه من هزيمة مدوية بالجنوب وحتى في كثير من مناطق الشمال، فيما شركاء التحالف وبالذات حزب الإصلاح خذلوه وما زالوا يخذلوه حتى اللحظة، ويريقوا كرامته برغام صحاري مأرب، وجبال الجوف، وحجور وتعز، ولن تكون فضيحة جبهة حــرَض الأخيرة إلا مثال واحد من عشرات الأمثلة؛ إلا أن الانتقالي لا يفعل ذلك، ولا يستفيد من مكاسبه بالشكل المطلوب أمام التحالف، فيما حزب الإصلاح، هو من يفعل ذلك يسمّـــن نفسه عسكريًا وماليًا من خزائن أصحاب السمو بترودولار، وربما سيفوز في نهاية الحفلة بالقسم الأكبر من الكعكة، فيما غيره لن يطال لا بلح (الخليج) ولا عنب (اليمن).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى