إسرائيل تدين "الاحتلال" الروسي لأوكرانيا.. وماذا عن الأراضي الفلسطينية؟

> نوران بديع

> ​لم يَطل الرد الروسي على الموقف الإسرائيلي المؤيد لأوكرانيا، التي تعرضت وما زالت لاجتياح روسي منذ فجر الخميس، فقد وجهت الدبلوماسية الروسية رداً عنيفاً على موقف تل أبيب، بعد وقت قصير من نشر بيان دعم إسرائيل لأوكرانيا، قالت فيه: "وجهت موسكو رسالة إلى تل أبيب بتأكيد عدم اعترافها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان"، وفق ما نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية.

ويعكس الموقف الإسرائيلي اضطراباً أخلاقياً شديداً؛ حيث تدين تل أبيب "احتلال" دولة لأخرى في أوروبا، وتنسى أو تتجاهل الجرائم التي ارتكبها أفظع احتلال عرفه التاريخ، منذ العام 1948، حيث ما زالت إسرائيل "المندّدة بالاحتلال الروسي" تمارس الاستيطان والتهجير والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني.

وذكرت الصحيفة أنه "في إحاطة شهرية حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء، هاجم نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي، إسرائيل وأكد موقف روسيا بعدم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وأنها جزء لا يتجزأ من سوريا".

وقال بوليانسكي: "نحن قلقون من خطط تل أبيب المعلنة لتوسيع النشاط الاستيطاني في مرتفعات الجولان المحتلة، الأمر الذي يتعارض مع أحكام اتفاقية جنيف لعام 1949. لا تعترف روسيا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي هي جزء من سوريا".

وأشارت الصحيفة إلى أنّ "هذه التصريحات تأتي بعد أن أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية، ولأول مرة منذ اندلاع الصراع بياناً يؤيد أوكرانيا"، لافتة إلى أنّ "إسرائيل امتنعت عمداً عن ذكر روسيا أو الرئيس فلاديمير بوتين في البيان الرسمي لمنع نشوب صراع من شأنه أن يجعل من الصعب على إسرائيل مواصلة هجماتها في سوريا".

رفاهية 8000 إسرائيلي في أوكرانيا
وجاء في بيان الخارجية الإسرائيلية: "تدعم إسرائيل وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا وتعرب عن قلقها على رفاهية 8000 إسرائيلي في أوكرانيا وعلى مصير الجالية اليهودية".

واستغلت إسرائيل الأزمة الأوكرانية لتحقيق هدف هجرة اليهود من أوكرانيا بعد عدة سنوات من العمل على زيادة هجرة يهود أوكرانيا، بحسب موقع "إندبندنت عربي". وفي اليوم الذي أعلنت فيه عن خطة الطوارئ وصل إلى إسرائيل 87 يهودياً من أوكرانيا، فيما احتدم النقاش حول إمكانية القدرة على استيعاب هذا العدد الكبير من المهاجرين اليهود، خلال فترة قصيرة. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى وصول عدة أفواج كل فوج يشمل ما لا يقل عن 5 آلاف يهودي.

وتحاول إسرائيل أن تمسك العصا من المنتصف، لكنها أخفقت في ذلك حتى الآن، إذ أبدت وزارة الخارجية الإسرائيلية استعداد تل أبيب لتقديم مساعدات إنسانية فورية إلى أوكرانيا لتلبية احتياجاتها، مؤكدة أنّ هناك اتصالات بين الطرفين لمناقشة هذه المسألة، فيما ذكرت وسائل إعلام عبرية أنّ حكومة إسرائيل اعترضت محاولة الولايات المتحدة تسليم بطاريات من منظومة "القبة الحديدية" إلى أوكرانيا.

كيف نقرأ الرد الروسي على إسرائيل؟
وقرىء الرد الروسي من عدة محاور، فهو يأتي في إطار وجود مُؤشرات على "تصاعد منسوب التوتر في العلاقات الروسيّة الإسرائيليّة، وخاصَّة في الملف السوري انعكست في مناورات جويّة وأرضيّة سوريّة روسيّة مُشتركة فوق هضبة الجولان شاركت فيها طائرات (سو 35) الروسيّة المتطوّرة، ونشر روسيا قوّات تابعة لها في ميناء اللاذقية لإنذار إسرائيل من الإقدام على أيّ قصفٍ له، لأنّ هذا القصف سيُعرّض أرواح الجُنود الروس للخطر"، بحسب الكاتب عبدالباري عطوان في مقال بموقع "رأي اليوم" الذي يرئس تحريره.

ولم يجزم عطوان بشأن ما هو متوقع مستقبلاً، إذ ما زال من غير المعروف ما إذا كانت القيادة الروسيّة ستكتفي بهذه "الرسالة التحذيريّة الأخيرة (الملغومة) للحُكومة الإسرائيليّة المُتعلّقة بهضبة الجولان، أم أنها ستُقدم على إجراءات عمليّة ووسائل أُخرى أكثر خُطورة مِثل رفع الحظر عن استِخدام الجيش العربي السوري لصواريخ (إس 300) للتصدّي للطّائرات الإسرائيليّة وصواريخها التي تستهدف أهدافاً في العُمُق السوري، وهُناك مُؤشّرات تُؤكّد أن هذه الخطوة قد تكون وشيكة، وأحد مُفاجآت المَرحلة المُقبلة".

وسبّب الموقف الإسرائيلي المؤيد لأوكرانيا جدلاً في الأوساط السياسية، إذ قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إنّ رئيس الوزراء نفتالي بينيت أدار ووزير الخارجية يائير لبيد سياسة خارجية متماسكة إلى حد ما، لكن اليوم الذي قصفت فيه روسيا أوكرانيا كان استثناء".
وأفادت الصحيفة العبرية في تقرير بأنّ "لابيد وتحت غطاء غربي، أدان العملية الروسية بشكل واضح. إلا أنّ بينيت كان حذراً من إدخال إسرائيل في صراع لا يربح فيه، وقال إنّ هذه الحرب ليست من شأن الدولة"، مشيرة إلى أنّ "هذا الاختلاف كشف عن المخاطر التي تواجهها إسرائيل مع اندلاع الحرب مرة أخرى في القارة الأوروبية: الوقوف إلى جانب الروح الغربية التي احتضنتها إسرائيل منذ نشأتها، أو الانتباه إلى العملاق الروسي الذي يلوح في الأفق على أعتاب إسرائيل، في سوريا".

وأوضحت الصحيفة أنّ "لابيد الذي يقود حزب يش عتيد (هناك مستقبل)، يجسد الصهيونية العلمانية ذات الميول اليسارية التي شكلت إسرائيل منذ تأسيسها حتى السبعينيات. في تلك الحقبة كانت إسرائيل تعتبر نفسها على قدم المساواة بين دول العالم، حريصة على التعامل مع أزمات وانتصارات النظام العالمي، تماماً مثل أي دولة أخرى"، على حد زعم الصحيفة التي أضافت أنّ "بينيت الذي يقود حزب يمينا (الجناح اليميني)، يمثل الصهيونية الدينية والقومية التي سادت طوال السنوات الخمس والأربعين الماضية، وهو يرى أنّ دور إسرائيل هو قبل كل شيء حماية اليهود، حتى ولو كان الثمن تنفير الحلفاء".
ونقلت الصحيفة عن سكوت لاسينسكي، المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والذي يعمل الآن أستاذا لدراسات إسرائيل في جامعة ماريلاند، قوله إنّ "الإسرائيليين يميلون إلى النظر إلى بوتين بلطف بسبب محبته للسامية والود تجاه اليهود"، مشيراً إلى أنّ "روسيا تسمح للإسرائيليين بالسفر إليها بدون تأشيرة، وهو ما لا تسمح به الولايات المتحدة".

هل يمكن لإسرائيل الوقوف على الحياد؟
وبخصوص قدرة إسرائيل على اتخاذ موقف محايد من الأزمة الروسية الأوكرانية، قال الكاتب الفلسطيني حافظ البرغوثي في صحيفة "الخليج" الإماراتية، إنّ ذلك غير ممكن "إذا ما طلب منها الأمريكيون ذلك"، موضحاً أنّ سلاح العقوبات الذي بدأه حلف الناتو ضد روسيا بعد اعترافها بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك "يفرض على إسرائيل الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا وهو موقف محرج لها سياسياً وأمنياً واقتصادياً، لكنّ الأمريكيين لا يتهاونون في مثل هذه الظروف وبالتالي ستنصاع إسرائيل لأية مطالب أمريكية مع ما يمثله ذلك من إمكانية أن تنفض روسيا يدها من التفاهمات العسكرية مع إسرائيل بشأن حرية العمل العسكري في سوريا، بل يمكن لروسيا إن ضاق بها الوضع أن تعترض أي نشاط إسرائيلي في سوريا".

وفي سياق المفارقات التي تحدث في عالم السياسة، التقطت أمس صحيفة "هآرتس" العبرية، موقفاً يكشف حجم التناقض الأخلاقي في الموقف الإسرائيلي، فقد قالت الصحيفة إنّ إسرائيل كانت محقة في إدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، لكنّها أشارت إلى أنّ الدولة العبرية "تُمارس، في ذات الوقت، الاحتلال على الشعب الفلسطيني".

ولفتت الصحيفة في افتتاحيتها إلى أنه "ليس لدى إسرائيل أي سبب للتدخل في حروب ليست لها، ناهيك عن أنّ إدانة العدوان والاحتلال الروسيَين قد تبدو غريبة بعض الشيء من قِبَل (وزير الخارجية يائير لابيد) عضو مجلس الوزراء رفيع المستوى، في دولة احتلت منذ ما يقرب من 55 عاماً احتلالاً عسكرياً ملايين المواطنين المحرومين"، في إشارة للشعب الفلسطيني بالضفة الغربية وغزة، وفق ما نقلت وكالة "الأناضول".

وقالت "هآرتس"، في إشارة إلى انتهاك إسرائيل حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة: "هذا لا يتعلق فقط بالأخلاق التاريخية. على الرغم من انتهاكاتها للقانون الدولي، تطمح إسرائيل إلى أن تكون جزءاً من العالم الغربي وعضواً في مجتمع الديمقراطيات. عندما يَخرج بوتين بشكل صارخ وواضح ضد حق الدولة المستقلة (أوكرانيا) في تحديد طريقها بالوسائل الديمقراطية، فهناك جانب واحد فقط يمكن لإسرائيل أن تختاره".
حفريات

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى