صراع العقليات الصدئة

> من وحي ما يحدث من صراعات من حولنا وفي بلادنا كذلك، في هذه الأيام، وأيضا من وحي الزيف الإعلامي الجارف الذي يصلنا تباعًا، ومن قراءة من نجد أنفسنا أمامهم وجهًا لوجه في وعبر وسائل الاتصال المختلفة، ورد في ذهني سؤال مفاده كيف نصنّف البشر ككائنات عاقلة؟ شريطة أن يتم ذلك بطريقة تُحترم به عقول الناس وثقافتهم وعقولهم قبل ذلك. لقد قلّبت الأمور التي يمكن أن تكون معيارًا للتقييم، وفاضلت بينها ووجدت بما لا يمكن الشك فيه، أن الجواب على هذا السؤال موجود في السؤال ذاته. فدالة العقل ليست ذات علاقة مطلقة بالسن، ولا بالمستوى التعليمي، ولا بمدى الخبرات التي اكتسبها شخص ما من عمله الذي يزاوله أو الحياة التي عاشها، كما ليس هناك علاقة لها بكثرة أو قلّة مال الشخص. ولذلك فإن الكلمتين (كائنات عاقلة) تدلنا على قيمة إلاهية منحها الله لعباده جميعًا؛ مؤمنون وغير مؤمنين، فقراء وأغنياء، جهلاء ومتعلمين، وقس على هذا. إذًا الصفة الأهم التي منحناها الله جل جلاله وجعلنا محاسبين عليها في الآخرة، هي العقل ومنه جاءت كلمة العقلانية، والعقلانية هي الحصيلة العملية لمجمل النشاط العقلي /الذهني الذي يبذله البشر فرًدا كان أو مجموعة. فإذن ونحن نتحدث عن كل أنواع وأعراق البشرية يمكن أن تكون كلمة العقلانية هي المعيار الحقيقي لتصنيف البشر وكذا لتقييم الأفعال البشرية فيما بينها بغض النظر عن اللون أو اللسان أو العرق. العقلانية هي المعيار الأهم الذي يمكن للبشرية أن تتعامل به إنسانيًا. وبالعقلانية يصبح تبادل الآراء وإثرائها ممكنًا لجعل الحياة الإنسانية أكثر استقرارًا وأكثر أمانًا.

ما يحدث في عالمنا من صراعات مختلفة (وكذا ما هو قادم) يحمل في طياته الكثير من اللا عقلانية والكثير من هوس الاحتكار والأنانية على الصعيدين الفكري (المهزوز) والهيمنة الإعلامية الدعائية البلهاء وقبل كل ذلك الهيمنة الاقتصادية، بحثًا عن السيطرة العالمية على البشرية، أو تكريسًا لها كما تبدي ذلك بعض العقول.

محليًا على طول وعرض البلاد ها نحن نلج في العام الثامن من الحرب في ظل غياب تام للعقلانية السياسية، خصوصًا في ظل وجود من يفترض بهم أن يحققوا عملية سلام في البلاد، ونرى مجموعة الأربع يتلاعبون بشعب كامل في الشمال والجنوب، مضيفين إلى همومنا المعيشية الثقيلة، أطماعهم الخاصة، وطموحاتهم العريضة التي لم تعد سرًا حتى وإن أظهر بعض الأغبياء عدم معرفتهم بها. وإذا بنا نرى مجموعة الأربعة، يستمرون في تفتيت القوى الحيّة، واحتواء لكل القوى شبه العقلانية بما يخدم مصالحهم. وإلاّ فليظهر هؤلاء على الملأ وليظهروا القوى المعرقلة للسلام أو حتى من يمنع انتصار أصحاب الحق على من ظلمهم؟ يكذب من يقول إن مصلحة ما لصالح الشعبين الجنوبي والشمالي يمكن حدوثها بموجب هذا السيناريو الذي نعيشه.. حياة هي للموت أقرب. يكذب من يقول إن ما يحدث في الشمال أو الجنوب له علاقة بمشروع عربي مناهض للشيعة؛ فالشيعة والسنة تعايشوا ويتعايشون في السعودية والبحرين والعراق ومصر واليمن على مدى مئات السنين. إن معاناة الناس في جزء كبير منها هي نتيجة لغياب العقلانية عمن هو مكلّف بتسهيل الحلول ونقصد بذلك مجموعة الأربعة. والأهم من ذلك احتوائهم لمن فوضهم الشعب بحل مشاكله. إنه لمن المضحك والمبكي أن يدير كل المتناقضين جهة واحدة رصيدها السياسي صفر في كل مشكلة تدخلت فيها. أين هي العقلانية هنا؟ وكيف لنا أن نصدّق ما يحدث؟ أين هي العقلانية؟ ومن يغيّب صوت العقل، والبلد مليئة بكل أنواع الكوادر، الذي كل مشكلته أنه انتفض ضد طاغية جعل البلد في أسفل سلالم العالم الاقتصادية والصحية والعلمية والمعيشية، والتعليمية والإفسادية. إنهم يدفّعوننا كل هذا الثمن عمدًا، وسيستمرون في تجويع وتركيع الشعب حتى يأتون بمن يريدونه زعيمًا ليقوم بدور سلفه.. الذي يعرفه وعرفه الجميع. فهل نصحو؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى